اخر الاخبار

بلومبرغ: رئيس FII يروّج الذكاء الاصطناعي السعودي لدى “وول ستريت”

تنطلق فعاليات المؤتمر الاستثماري السنوي للمملكة العربية السعودية هذا العام، وسط تزايد العناوين التي تسلّط الضوء على الضغوط المالية، بما في ذلك عجز الميزانية مع استمرار أسعار النفط دون المستويات المطلوبة لتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات، ما دفع الحكومة إلى إعادة ترتيب أولويات الإنفاق، وتعديل بعض مكوّنات رؤية 2030 الطموحة، المقدّرة استثماراتها بتريليون دولار.

في قلب هذا المشهد، يبرز اسم ريتشارد أتياس، رجل الأعمال المغربي المولد، الذي كرّس العقد الماضي لجذب المستثمرين لدعم التحول الاقتصادي في المملكة. أتياس، الذي غالباً ما يظهر بجانب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة البالغ حجمه تريليون دولار، وحتى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أصبح عنصراً أساسياً في التواصل الاستثماري للمملكة عالمياً.

“يجب أن تستمر الفعالية”؛ قالها العام الماضي على هامش النسخة الثامنة من منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” (FII) التي انعقدت آنذاك في ظل أجواء جيوسياسية مشحونة. ورغم انحسار بعض تلك التوترات، إلا أن نسخة هذا العام تواجه تحديات جديدة، في مقدمتها تحول المملكة من مصدّر لرأس المال إلى باحث عن السيولة الخارجية.

تركيز متزايد على الذكاء الاصطناعي

بمقابلة معه في الرياض، شدد أتياس على الدور المحوري الذي لعبه المنتدى في تحفيز الاستثمارات، لافتاً إلى أن الفعالية أسهمت في صفقات تقارب قيمتها 190 مليار دولار منذ انطلاقها عام 2017. وأشار إلى أن التركيز السعودي المتزايد على الاستثمار محلياً “عادل للغاية”، مؤكداً أن اهتمام المستثمرين الدوليين بالمملكة لا يزال قوياً. وقال: “لم نُنشئ مبادرة مستقبل الاستثمار لكي يأتي الناس، يأخذوا المال ويرحلوا، بل أنشأناها لكي يفهموا إلى أين يجب أن تتجه رؤوس الأموال”.

ويحظى المنتدى هذا العام باهتمام كبير من بنوك وشركات “وول ستريت”، حيث تركز النسخة الحالية بشكل أكبر على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وهما محوران رئيسيان في استراتيجية تنويع اقتصاد المملكة بعيداً عن النفط. ومن بين المشاركين البارزين الرئيس التنفيذي لـ”بلاكستون” ستيف شوارتزمان، والرئيس التنفيذي لـ”بلاك روك” لاري فينك، اللذان يتنافسان على استثمار مليارات الدولارات في شركة “هيوماين”، الذراع السعودية الجديدة للذكاء الاصطناعي. كما يشارك الرئيس التنفيذي لبنك “غولدمان ساكس” ديفيد سولومون، إلى جانب عدد من صنّاع القرار في قطاعي المال والتكنولوجيا، الذين يقودون شركات تناهز قيمتها السوقية الإجمالية 3 تريليونات دولار.

اقرأ أيضاً: مبادرة مستقبل الاستثمار تجذب أقطاب وول ستريت والتكنولوجيا إلى السعودية

قبل نحو عقد، سعت الرياض إلى إنشاء فعالية تضاهي المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، ضمن جهودها لجذب رؤوس الأموال الأجنبية إلى اقتصاد ظلّ لعقود يعتمد على العائدات النفطية. فاختارت أتياس، الخبير في تنظيم مثل هذه الفعاليات، ليساعد في إطلاق “المبادرة”. وفي نسختها الأولى عام 2017، عرض ولي العهد رؤيته لمدينة “نيوم”، المشروع العملاق على ساحل البحر الأحمر بتكلفة تُقدّر بنصف تريليون دولار آنذاك.

بعد مرور ثمانية أعوام، ارتفعت تكلفة المشروع إلى نحو 1.5 تريليون دولار، وسط تباطؤ في الإنجاز. وتأتي النسخة التاسعة من المنتدى في ظلّ تساؤلات حول القدرة على مواصلة تنفيذ الأجندة التنموية الطموحة بنفس الوتيرة. كما ان سوق الأسهم السعودية، التي كانت يوماً محط أنظار المستثمرين، واجهت تحديات مع إدراجات لم ترقَ إلى التوقعات.

FII ليس دافوس

وعلى الصعيد الشخصي، ترتبط مصالح أتياس بمسيرة المبادرة، إذ تستعد شركته “ريتشارد أتياس آند أسوشييتس” (RA&A) لطرح عام قد يحقق له عوائد ضخمة. إلا أن نجاح هذا الطرح يعتمد إلى حد كبير على استمرار الزخم في المشروع السعودي الأشمل الذي كان له دور في بلورته.

منذ عام 2023، أصبح حضور المنتدى يتطلب عضوية سنوية في “معهد مبادرة مستقبل الاستثمار” بقيمة 15 ألف دولار أميركي. ووصف أتياس هذه الرسوم بأنها “معتدلة” مقارنةً بفعاليات مشابهة مثل “دافوس” و”مؤتمر ميلكن” حيث تبدأ الأسعار من 25 ألف دولار.

اقرأ أيضاً: السعودية تستعد لمؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار بحضور قادة 20 دولة

ورغم أن كثيرين يطلقون على الفعالية لقب “دافوس الصحراء”، فإن أتياس يرفض هذه التسمية قائلاً: “أولاً، نحن لسنا في دافوس، وثانياً، نحن لسنا في الصحراء. الرياض اليوم من أكثر المدن تطوراً حول العالم”.

بات المنتدى اليوم جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية الاستثمارية السعودية، مع توسّع نطاقه عالمياً. ويشرف أتياس على تنظيم نسخة من المؤتمر في طوكيو، بعد نجاح نسخة ميامي التي شهدت إحدى أولى الإطلالات العلنية للرئيس الأميركي ترمب بعد فوزه بالولاية الثانية.

توازن في العلاقات الدولية

كان استقطاب ترمب متحدثاً رئيسياً في FII مؤشراً على عمق العلاقة المتنامية بين الرياض وواشنطن. ومن المتوقع أن يلتقي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الأميركي في البيت الأبيض خلال نوفمبر المقبل، في أول زيارة له إلى الولايات المتحدة منذ عام 2018.

وتشمل قائمة المشاركين في “مبادرة مستقبل الاستثمار” هذا العام شخصيات من نحو 20 دولة، من بينها نائب رئيس الصين ووزير المالية البريطاني، في مؤشر إلى التوازن الذي تنشده المملكة في علاقاتها مع القوى الاقتصادية الكبرى. ويُنوّه روبرت موجيلنيكي، الباحث في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، بأن “دول الخليج تجيد العمل على جانبي الطيف الجيوسياسي لخدمة مصالحها الاقتصادية العالمية”.

اقرأ أيضاً: إنفوغراف: مبادرة مستقبل الاستثمار تضم مديري أصول بـ19.8 تريليون دولار

يُعدّ منتدى FII كذلك منصة لنفوذ أتياس المتصاعد، الذي يتفاخر بأنه يتواصل مع زعماء العالم عبر تطبيق “واتساب”، مؤكداً أن ولي العهد السعودي “يثق تماماً بما تنجزه المبادرة”.

ورغم النجاحات التي حققتها الفعالية، لم تخلُ مسيرتها من الأزمات، أبرزها مقتل الصحافي جمال خاشقجي في 2018، ما دفع بشخصيات بارزة مثل بيل غيتس وجيمي ديمون وريتشارد برانسون لتجنب الحضور حينها. ويؤكد أتياس أن تلك النسخة شهدت عدداً أكبر من الحضور، خاصةً من روسيا والصين والشرق الأوسط وأفريقيا، قبل أن يعود معظم المنسحبين في 2019 للحضور مدفوعين بالفرص الاستثمارية الواعدة ضمن “رؤية 2030”.

من بين هؤلاء مصرف “جيه بي مورغان” الذي شارك الشهر الماضي في تسهيل تمويل بقيمة 20 مليار دولار لصالح مستثمرين سعوديين، بما فيهم صندوق الاستثمارات العامة، للاستحواذ على شركة “إلكترونيك آرتس” في صفقة بلغت قيمتها 55 مليار دولار، كما حصل على ترخيص لإنشاء مقر إقليمي في السعودية قبيل انطلاق FII، ومن المقرر أن يتحدث رئيسه التنفيذي جيمي ديمون في نسخة هذا العام.

لاعب عالمي

من بين من واصلوا دعمهم لمبادرة مستقبل الاستثمار منذ 2018 كين مويلس، الذي تولّى مهام بارزة منها اكتتاب “أرامكو” التاريخي بقيمة 29 مليار دولار. وتقدّم الآن شركته “Moeils & Co” المشورة لشركة أتياس في طرحها المرتقب، الذي قد يشمل بيع نحو 30% من الأسهم، بما في ذلك حصص لكل من أتياس و”سنابل للاستثمار” التابعة لصندوق الاستثمارات العامة.

اقرأ أيضاً: الشركة المنظمة لمبادرة مستقبل الاستثمار السعودية تخطط لطرح عام أولي

ويتوقع أتياس أن تحقق “سنابل” عوائد جيدة من هذا الطرح، لكنه شدد على أن الهدف هو دعم نمو مؤسسته لا تصفيتها، ملمّحاً إلى إمكانية القيام بطرح أسهم في سوق ثانوية لاحقاً. وأضاف: “لدينا مكاتب في دبي، الرياض، نيويورك، باريس، وأفريقيا، لذا نحن لاعب عالمي”.

وتنظم شركة “ريتشارد أتياس آند أسوشييتس” الآن أكثر من 50 فعالية سنوياً، بحيث يتشكل FII أقل من 10% من إيراداتها. ويتولى أحمد الحسيني منصب الرئيس التنفيذي، بينما لا تزال بصمة أتياس واضحة، إذ تعمل كل من زوجته سيسيليا، المستشارة السابقة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وابنته في الشركة.

وفي معهد FII، يشغل أتياس حالياً منصب الرئيس التنفيذي بالوكالة بعد استقالة بيني ريتشاردز، التي قدمت من معهد آسبن، ومن المرتقب تعيين خلف دائم لها قبل نهاية العام. ويَعتبر أتياس أنه “ليس من السهل السير على خطى شخص له بصمة قوية جداً”، معترفاً بأن انخراطه العميق في المؤسسة يجعل مسألة انتقال القيادة أكثر تعقيداً.

يواجه المنتدى منافسة متصاعدة من فعاليات مماثلة في المنطقة، إذ تخطط دبي لإطلاق “أسبوع التمويل المستقبلي” بالتعاون مع “معهد التمويل الدولي” في مايو 2026. وتشمل أجندة الفعاليات الإقليمية أيضاً “أسبوع أبوظبي المالي” في ديسمبر، و”منتدى قطر الاقتصادي” قبيل صيف العام المقبل.

لكن رغم ازدياد المنافسة، يبقى أتياس واثقاً بمكانة المنتدى، قائلاً: “يطلب مني كثيرون أن أزودهم بتواريخ FII للسنوات الثلاث إلى الأربع القادمة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *