اخر الاخبار

بلومبرغ: رؤية ترمب للشرق الأوسط تنسجم مع دول الخليج

في كل محطة من جولته الخليجية، بدت كلمات الرئيس الأميركي دونالد ترمب متناغمة مع مستضيفيه السعوديين والقطريين والإماراتيين.

وجه ترمب رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة بصدد تدشين شراكة جديدة مع دول الخليج الغنية بالطاقة والشرق الأوسط بوجه عام. تركز هذه الشراكة على الصفقات وتحديث الاقتصاد وبيئة الأعمال، إلى جانب تهدئة النزاعات الإقليمية، مع تفادي قضايا غير اقتصادية مثل حقوق الإنسان والديمقراطية.

ففي خطاب ألقاه من الرياض يوم الثلاثاء أمام جمهور منبهر، قال ترمب: “هذا التحول الكبير لم يكن نتيجة تدخلات غربية تلقنكم كيفية العيش أو كيفية إدارة شؤونكم الخاصة”. وتابع: “لا، الإنجازات الرائعة التي نراها في الرياض وأبوظبي لم تكن من صنع من يُسمون بـ’بُناة الدول’ أو ‘المحافظين الجدد’ أو ‘المنظمات الليبرالية غير الربحية’، كأولئك الذين أنفقوا تريليونات الدولارات دون أن ينجحوا في تطوير كابول وبغداد ومدن كثيرة أخرى”.

كان ترمب يشير إلى الغزو العسكري الأميركي في أفغانستان والعراق عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة. فقد أنفقت واشنطن تريليونات الدولارات خلال الأعوام اللاحقة سعياً لتحقيق الاستقرار في تلك الدول وإقامة ديمقراطيات شبيهة بالنموذج الغربي، دون نتائج تُذكر.

صفقات واستثمارات خليجية

خلال جولة ترمب، كشف البيت الأبيض عن استثمارات وصفقات تجارية بمئات المليارات من الدولارات من المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، شملت مجالات تمتد من رقائق الذكاء الاصطناعي إلى طائرات “بوينغ” ومشروعات الطاقة.

من أكثر اللحظات لفتاً للانتباه خلال الزيارة، إعلان ترمب المفاجئ عن نيته رفع العقوبات المفروضة على سوريا. وفي اليوم التالي، التقى الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، وصافحه، رغم أن الأخير كان ذات يوم مقاتلاً في تنظيم القاعدة وحارب القوات الأميركية في العراق.

أوضح ترمب أن قراره جاء استجابةً لطلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهما من الزعماء الأقوياء الذين لطالما جمعتهم علاقات وطيدة بترمب.

وقد تسببت هذه الخطوة في صدمة لدى إسرائيل، الحليف الأقرب تقليدياً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والتي تعتبر أن الشرع وحكومته متطرفون إسلاميون  لا يمكن الوثوق بهم. إلا أن ترمب اختار الانحياز إلى رؤية محمد بن سلمان وأردوغان، اللذين يؤمنان بأن إعادة إعمار سوريا ضرورة لاستقرار الشرق الأوسط، وستفتح آفاقاً واسعة للتجارة والاستثمار.

ترى سانام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد “تشاتام هاوس” (Chatham House) في لندن، أن ذلك يمثل “انتصاراً عظيماً لدول الخليج”. موضحةً أن “ترمب يمنح دعماً كاملاً لآلية الحكم لديها، ولفكرتها عن نموذج اقتصادي يتضمن قيوداً على المشاركة السياسية”.

تناقض مع خطاب أوباما

جاءت تصريحات ترمب من القصور الرخامية في شبه الجزيرة العربية لتشكل نقيضاً مباشراً للخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في جامعة القاهرة في يونيو 2009.

فقد قال أوباما آنذاك: “أؤمن إيماناً راسخاً بأن جميع الشعوب تتوق إلى أمور محددة، مثل القدرة على التعبير عن آرائهم والمشاركة في الحكم والثقة بسيادة القانون وتطبيق العدالة على قدم المساواة”.

بعد عام من ذلك الخطاب، أشعلت الاحتجاجات في تونس شرارة ما عُرف بـ”الربيع العربي”، ما أدى لاحقاً إلى اضطرابات في دول مثل البحرين ومصر، وحروب في ليبيا وسوريا واليمن. واعتبر العديد من قادة المنطقة أن أوباما كان ساذجاً في دعمه للاحتجاجات التي دعت للإطاحة بالزعماء الأوتوقراطيين الذي كانوا في الغالب حلفاء لأميركا.

اختلف موقف قطر عن باقي دول الخليج، إذ دعمت الثورات ورأت فيها فرصة لتعزيز نفوذ حلفائها الإسلاميين، بينما رأت بقية الدول تلك المرحلة عقداً فوضوياً في الشرق الأوسط استفادت منه جهات غير حكومية مثل تنظيم داعش ووكلاء مدعومين من إيران مثل حزب الله في لبنان.

كان هذا الخلاف أحد أبرز الأسباب التي دفعت السعودية والإمارات إلى فرض مقاطعة اقتصادية على قطر بين عامي 2017 و2021، خلال ولاية ترمب الأولى.

منذ ذلك الحين، شهدت المنطقة مصالحة بين أطراف الأزمة، وشدد ترمب على روح التفاهم بين القادة الذين التقاهم هذا الأسبوع. حتى أنه أخبر أمير قطر بأنه يشبه الأمير محمد بن سلمان، الذي كان أحد قادة قرار المقاطعة. وقال ترمب للشيخ تميم بن حمد: “كلاكما طويلان ووسيمان وتتمتعان بذكاء لافت”.

وفي خطاب ألقاه يوم الأربعاء، اتهم ترمب سلفه جو بايدن بأنه “أشاع الفوضى والخراب” في الشرق الأوسط و”أدار ظهره لحلفائه في الخليج” بسعيه لإخراج أميركا من المنطقة كجزء من التوجه نحو آسيا.

وأضاف ترمب: “تلك الأيام ولّت. كل من يجلس حول هذه الطاولة يعلم جيداً أين تكمن ولاءاتي.. دائماً كانت كذلك، ولن تتغير أبداً”.

استقرار الشرق الأوسط

مع ذلك، فإن المعنى الضمني لتصريحات ترمب الأخرى هو أنه بينما ستواصل الولايات المتحدة إظهار قوتها العسكرية، فإنها تعول بشكل متزايد على حلفائها في الخليج لتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية استقرار المنطقة.

وفي هذا السياق، حرص الأمير محمد بن سلمان على تذكير ترمب بأن المنطقة، التي تشهد نزاعات في غزة والسودان واليمن وفوضى ما بعد الحروب في العراق ولبنان وسوريا، لا تزال بحاجة إلى دور الولايات المتحدة. وقال: “ندرك تماماً حجم التحديات”. و”نسعى معكم يا فخامة الرئيس، ومع أشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي، إلى إنهاء التصعيد في المنطقة والحرب في غزة”، في إشارة إلى المجلس الذي يضم ست دول، من بينها السعودية وقطر والإمارات.

إيران وغزة في صدارة الأولويات

وبحسب بول سالم، مدير الشؤون الدولية في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، فإن الدور الأميركي يظل ضرورياً عندما يتعلق الأمر بملف إيران أو غزة، وكذلك بالنسبة لفرص التقدم في مسار التطبيع بين إسرائيل والمزيد من الدول العربية.

وفي هذا الإطار، تجري إدارة ترمب محادثات مع طهران لكبح أنشطتها النووية، بالتزامن مع جهودها لدفع عملية وقف إطلاق النار في غزة والعمل على إطلاق سراح الرهائن المحتجزين هناك.

وقال سالم، من الرياض حيث تابع مجريات زيارة ترمب: “هاتان هما القضيتان الأهم اللتان تغيران ملامح المنطقة، وعلى ترمب أن يعمل عليهما”.

فرص استثمارية رغم التحديات الإقليمية

الخبر السار بالنسبة لدول الخليج هو أن إيران تُدرك أن التوصل إلى اتفاق دبلوماسي مع أميركا قد يفتح الباب أمام استثمارات من دول مثل السعودية، ما من شأنه أن يُعزز اقتصاد الجمهورية المنهك والمحاصر بالعقوبات، بحسب فاكيل من “تشاتام هاوس”.

في الوقت الراهن، تبدو دول الخليج في غاية الرضا عن سياسات ترمب، حتى وإن كانت تدرك أنه لا يستطيع بمفرده حل أكثر القضايا الإقليمية تعقيداً، مثل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وأزمة اليمن.

وفي هذا السياق، يقول حسن الحسن، الزميل البارز في شؤون الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره البحرين، إن “دول الخليج اختارات المسار الأقل مقاومة في تعاملها مع ترمب، حيث أعطت الأولوية للصفقات الثنائية في مجالي التسليح والأعمال التجارية، وتحييد القضايا المعقدة جانباً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *