اخر الاخبار

بعيدًا عن النفط.. استراتيجية دول الخليج لبناء اقتصاد الغد

تغيير فعلي يتجلى من خلال حوافز المستثمرين، وتجديد الأنظمة، وتفعيل البنية التحتية

مع تسارع دول الخليج نحو تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن الهيدروكربونات، تحقق الإصلاحات الاستراتيجية نتائج ملموسة، حيث نما الاقتصاد غير النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 3.7 في المئة في العام 2024. في هذه المقابلة الحصرية، يتحدث سامي عبد الرحمن، شريك في شركة بين آند كومباني الشرق الأوسط، عن كيفية وضع حوافز المستثمرين، والاستثمار في البنية التحتية، والمبادرات الاستراتيجية في الطاقة النظيفة والتحول الرقمي مبرزاً دور  المنطقة كمركز عالمي يتسم بالمرونة والابتكار. 

ما هي السياسات التي حققت أفضل النتائج في دفع اقتصادات الخليج نحو التنويع بعيدًا عن النفط والقطاعات المهيمنة الأخرى؟

تجمع السياسات الفعالة بين رؤية استراتيجية واضحة وعوامل تمكين تكتيكية. تقدم أطر عمل مثل رؤية 2030 (السعودية، الإمارات) سردًا طويل الأمد، لكن التغيير الحقيقي يأتي من حوافز المستثمرين، وإعادة هيكلة الأنظمة، وتنشيط البنية التحتية.

على سبيل المثال، أسهمت دول الخليج في جذب الاستثمارات والمواهب عبر تقديم تأشيرات استثمارية طويلة الأمد (مثل التأشيرات الذهبية) وتخفيف قواعد تملّك الأجانب، مما كان سيؤدي إلى تفويت هذه الموارد للمنطقة.

تعمل المناطق الحرة التي تسمح بتملّك الأجانب بنسبة 100 في المئة وتوفر إعفاءات ضريبية على تسهيل إقامة الشركات غير النفطية. وفي السعودية، تشير الاقتراحات المتعلقة بإعفاءات ضريبية لمدة 30 سنة للمقرات الإقليمية إلى مدى جدية المملكة في استقطاب الشركات الدولية.

على الصعيد التنظيمي، يُعدّ تبسيط إجراءات الترخيص، ورقمنة تسجيل الأعمال، وتقليل الحواجز البيروقراطية أمورًا جوهرية، بحيث تساعد هذه الإصلاحات في خفض التكاليف الثابتة للدخول وتمكّن القطاعات الحيوية من النمو بسرعة.

والدليل أن الاقتصاد غير النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي شهد نموًا قدره حوالي 3.7 في المئة في العام 2024، مدفوعًا بإصلاحات على مستوى البنية التحتية، والاستثمار الخاص، والدعم السياساتي. كما أصبحت الشفافية والرؤية والاتساق في السياسات والإصلاحات محركات رئيسية، مما يضمن للمستثمرين والقطاع الخاص معرفة ما هو قادم دون أي مفاجآت. 

أخيرًا، يمثل الاستثمار العام في البنية التحتية، والتعليم، ورأس المال البشري الأساس المتين. إذ حيثما قامت الحكومات بتمويل إنشاء شبكات النقل الحديثة، والاتصال الرقمي، وتطوير المهارات، وجدت القطاعات غير النفطية فرصًا للنجاح.

GCC tourist visa

كيف يمكن للحكومات في المنطقة أن تتكيف للاستفادة من التغيرات في التجارة العالمية وتحولات سلاسل الإمداد؟

تتيح التغيرات في سلاسل الإمداد العالمية للمنطقة فرصة فريدة لتكون مركزًا قويًا ومرنًا.

أولاً، ينبغي الاستثمار بشكل مكثف في مجالات النقل، واللوجستيات، والبنية التحتية الرقمية. تعمل دول الخليج حاليًا على بناء شبكات سكك حديدية متكاملة (مثل السكك الحديدية المخطط لها بطول 2000 كم في دول الخليج)، وتحسين الموانئ، وترقية الروابط عبر الحدود. 

هذه الأصول المادية تجعل المنطقة قادرة على أن تكون نقطة عبور وتجميع آمنة بينما تعمل الشركات على تقصير أو إقليمية سلاسل الإمداد.

ثانيًا، يتعيّن تعميق الشراكات التجارية والاقتصادية. فالإمارات شهدت زيادة بنسبة 15 في المئة في تجارتها غير النفطية للعام 2024، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الاتفاقيات مع دول مثل الهند وإندونيسيا. تجعل هذه الاتفاقيات دول مجلس التعاون الخليجي أكثر جاذبية للشركات التي تبحث عن بيئات مستقرة وقائمة على القواعد.

ثالثًا، يتوجّب توحيد معايير التجارة واللوائح. بالإضافة إلى الأطر العالمية مثل منظمة التجارة العالمية، يجب على الحكومات العمل على توحيد إجراءات الجمارك، وشهادات المنتجات، ومعايير الجودة مع الشركاء التجاريين الرئيسيين. يقلل هذا من العوائق في التجارة عبر الحدود ويسهم في انتقال المنتجات بسلاسة.

رابعًا، ينبغي تحسين آليات تسهيل التجارة مثل تمويل الاستيراد والتصدير. يمكن للحكومات أن تقدم أو توسع الوصول إلى وكالات ائتمان الصادرات، وبرامج تمويل التجارة، والضمانات لتقليل قيود السيولة على الشركات، لا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة. 

خامسًا، ينبغي إنشاء مناطق اقتصادية خاصة وتقديم حوافز للمستثمرين مرتبطة بإعادة توجيه سلاسل الإمداد. تُعدّ العطلات الضريبية، والمرافق المدعومة، والملكية الأجنبية الكاملة، وإجراءات الجمارك المبسطة وسائل فعالة لتحقيق الهدف.

فمن خلال دمج البنية التحتية، والوصول إلى الأسواق التجارية، وشروط التشغيل الملائمة، يمكن لدول الخليج أن تصبح نقاطًا مركزية للتجميع والتوزيع العالمي، بدلاً من أن تقتصر على التصدير. 

Etihad rail centerEtihad rail center

كيف تساهم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة في دفع جهود التنويع الاقتصادي الوطني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ 

تلعب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دورًا حيويًا في التنويع، حيث تخلق فرص العمل، وتعزز الابتكار، وتسد الفجوات التي لا تستطيع الشركات الكبيرة التعامل معها بفعالية. وبفضل قدرتها على التكيف، تستكشف الشركات الناشئة قطاعات جديدة (مثل التكنولوجيا المالية، والزراعة الذكية، وإنترنت الأشياء، والاقتصاد الدائري) وتساعد في تجاوز المسارات التقليدية. 

كما أنها تعمل على توسيع القاعدة الاقتصادية، مما يقلل الاعتماد على عدد محدود من القطاعات. ذلك أنه في أوقات الصدمات الخارجية (مثل تراجع أسعار النفط)، تميل الاقتصادات التي تعتمد على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بشكل كبير إلى أن تكون أكثر مرونة.  

Abu Dhabi AutonomousAbu Dhabi Autonomous

اقرأ أيضاً: عجز بـ 800 مليار دولار سنويًا: الحاجة إلى تريليوني دولار لتمويل الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات بحلول 2030

ما هي أبرز الفرص التي يمكن للدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا استغلالها لتعزيز نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة وزيادة تنافسيتها في الأسواق العالمية؟

لتحفيز نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة وزيادة قدرتها على الوصول للأسواق العالمية، تمتلك الحكومات أدوات فعالة مثل التمويل، والتنظيم، وبناء القدرات، والوصول إلى الأسواق، والاستثمار في الابتكار. إلا أن الوصول إلى التمويل لا يزال يمثل تحديًا مستمرًا.

تُعدّ برامج الضمان (مثل برنامج كفالة في السعودية، الذي دعم قروضًا بقيمة 26.6 مليار دولار وساعد في خلق ما يقارب مليون وظيفة) وآليات التمويل المشترك بين القطاعين العام والخاص فعّالة كونها تمتصّ المخاطر وتفتح المجال لتحرير رؤوس الأموال. سيساعد توسيع هذه البرامج وتعزيز بيئات رأس المال المخاطر تمكين المزيد من الشركات الصغيرة والمتوسطة من النمو. 

الإصلاح التنظيمي يُعتبر أمرًا حيويًا أيضًا، بحيث تسهم إجراءات الترخيص المبسطة، والحدود للإعفاءات الضريبية للشركات الصغيرة، والبوابات الحكومية الرقمية الشاملة في تقليل التكاليف والجهود اللازمة للتوسع. كما أن السياسات الأخرى، مثل سياسة الباب الدوار، تمكّن الموظفين من دخول مجال ريادة الأعمال بمخاطر منخفضة.

تعزيز القدرات والنظم البيئية: تستطيع الحكومات دعم حاضنات الأعمال، ومسرعات النمو، وشبكات الإرشاد، ومساحات العمل المشتركة. كما يمكنها العمل على استضافة فروع لجامعات عالمية مرموقة (مثل جامعة كارنيجي ميلون في الدوحة).

الوصول إلى الأسواق: من خلال تسهيل تنظيم المعارض التجارية، وتوحيد المعايير، والتفاوض على اتفاقيات تجارية تتضمن بنودًا خاصة بالشركات الصغيرة والمتوسطة، ودمج الأسواق الرقمية الإقليمية، يمكن فتح طرق جديدة لدخول الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى سلاسل القيمة العالمية. 

الاستثمار في الابتكار: من خلال تمويل البحث والتطوير، ودعم حاضنات الأعمال، وتوفير حوافز للشركات الصغيرة والمتوسطة لتبني التقنيات الحديثة، تساهم الحكومات في تمكين الشركات الصغيرة من تجاوز الحواجز التقليدية. هذا لا يعزز القدرة التنافسية فحسب، بل يهيئ الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية لتكون مساهمة في سلاسل القيمة العالمية للابتكار. 

solar energysolar energy

ما هي القطاعات الناشئة التي تقدم أكبر إمكانيات للنمو طويل الأمد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكيف ينبغي على الحكومات ترتيب أولوياتها بشأنها؟ 

نرى أن هناك أربعة قطاعات محددة تقدم عوائد مرتفعة: الطاقة النظيفة / الهيدروجين الأخضر، القطاع الرقمي والتكنولوجيا، السياحة واقتصاد التجربة، والصناعات المتقدمة واللوجستيات. 

الطاقة النظيفة / الهيدروجين الأخضر: تشير التوقعات إلى أن منطقة الخليج يمكن أن تصل إلى 130 مليار دولار من الإيرادات السنوية من تصدير الهيدروجين بحلول العام 2050 إذا تم تطويره بشكل مناسب. ينبغي للحكومات دعم المشاريع الرائدة، والبحث والتطوير، وبناء نظم المهارات. 

التكنولوجيا الرقمية: مع تزايد معدل انتشار الهواتف المحمولة، وزيادة عدد الفئات العمرية الشابة،، والرقمنة المتزايدة، فإن قطاعات مثل التكنولوجيا المالية، والذكاء الاصطناعي، والخدمات السحابية، والتجارة الإلكترونية تشهد ازدهارًا كبيرًا. يتطلب تحديد الأولويات الاستثمار في البنية التحتية الرقمية (مثل تقنية الجيل الخامس والإنترنت فائق السرعة)، ودعم اعتماد الذكاء الاصطناعي عبر استراتيجيات وطنية، وتنظيم البيانات والتكنولوجيا المالية بشكل ذكي. 

السياحة والتجارب: تمثل السياحة الثقافية والترفيهية، والسياحة الصحية والرياضية (بالإضافة إلى الفعاليات الكبرى) محركات قوية. كما أن تطوير البنية التحتية، وتحرير تأشيرات الدخول، والتصميم المستدام هي من الأمور الحيوية في هذا المجال. 

الصناعات المتقدمة واللوجستيات: تدعم الاتجاهات العالمية لإعادة التصنيع نقل التصنيع واللوجستيات إلى مناطق تتمتع بالاستقرار السياسي والمزايا الجغرافية. تشهد مجالات مثل الأدوية، والإلكترونيات، ومعالجة الأغذية، والمواد المتقدمة بالفعل تقدمًا في مناطق مجلس التعاون الخليجي. سيكون من المفيد دعم هذه القطاعات عبر إنشاء المجمعات الصناعية، ونقل التقنية، وتنمية رأس المال البشري. 

عند تحديد الأولويات، ينبغي على الحكومات التركيز على مجالين أو ثلاثة مجالات تتماشى مع نقاط القوة الوطنية واستثمارها في العوامل الممكنة (مثل السياسات، والتنظيم، والمهارات، ورأس المال) لتمكين هذه القطاعات من تعزيز بعضها البعض. فإن اتباع نهج تجميعي متماسك غالبًا ما يحقق تأثيراً أكبر وأكثر استدامة من محاولة متابعة العديد من القطاعات في آن. 

انقر هنا للاطلاع على المزيد من المقابلات الخاصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *