باول يلمح من جاكسون هول إلى خفض وحيد في أسعار الفائدة

في ظل الانقسام داخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، يقترب صُناع السياسة الداعون إلى خفض أسعار الفائدة من تحقيق هدفهم، بعدما فتح رئيس المجلس جيروم باول الباب يوم الجمعة أمام خفض محتمل في سبتمبر.
ويرجح أن يبدأ النقاش حول الخطوات التالية حتى قبل انعقاد اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية في واشنطن يومي 16 و17 سبتمبر، وسط غياب أي ضمانات بأن تتبع هذه الخطوة تخفيضات إضافية قريباً.
قال ستيفن ستانلي، كبير الاقتصاديين الأميركيين لدى “سانتاندير يو إس كابيتال ماركتس” (Santander US Capital Markets LLC)، إن بعض المسؤولين سيرغبون في سلسلة من التخفيضات، فيما سيكتفي فريق آخر بخطوة واحدة فقط، وسيعارض أخرون أي خفض على الإطلاق.
وأضاف ستانلي: “رسالة سبتمبر على الأرجح ستكون: خفض واحد، ثم نترقب ما سيحدث”.
خفض تدريجي لأسعار الفائدة
وخلال ما يُرجح أن يكون الخطاب الأخير لباول في الاجتماع السنوي للبنك المركزي الأميركي في جاكسون هول بولاية وايومنغ، أشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي إلى تزايد المخاطر التي تهدد سوق العمل.
فقد قال باول إن “تغير موازين المخاطر قد يستدعي تعديل موقفنا من السياسة النقدية”.
اقرأ أيضاً: محضر الاحتياطي الفيدرالي: مخاطر التضخم تفوق مخاوف سوق العمل
جاءت هذه الإشارة التي طال انتظارها بشأن خفض محتمل في أسعار الفائدة وسط ضغوط متواصلة من البيت الأبيض لخفض تكاليف الاقتراض. وفي حين وصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب تصريحات باول بأنها “متأخرة للغاية”، فإن الأسواق المالية رحبت بها، لترتفع الأسهم وتتراجع عوائد سندات الخزانة.
لكن تصريحات باول لم تحمل ضماناً قاطعاً. فقد حرص على التحذير من استمرار مخاطر التضخم، موضحاً أن آثار الرسوم الجمركية على الأسعار “أصبحت واضحة الآن”، وأن “الضغوط الصعودية على الأسعار نتيجة تلك الرسوم قد تُحفز ديناميكية تضخمية أكثر استدامة”.
في هذا السياق، قال ماثيو لوزيتي، كبير الاقتصاديين الأميركيين في “دويتشه بنك” (Deutsche Bank): “في ظل وجود مخاطر متقابلة وتباين الآراء بين أعضاء اللجنة، أرى أن النهج الأنسب هو اتباع مسار بطيء لخفض أسعار الفائدة”. وأضاف أن صُناع السياسة قد يبدأون هذه الخطوة الشهر المقبل، “على أن تكون أي إجراءات لاحقة مرتبطة بالبيانات الاقتصادية”.
ضغوط الرسوم الجمركية والتضخم
بعد أن خفض صُناع السياسة أسعار الفائدة بنقطة مئوية كاملة في الخريف الماضي، أبقوها مستقرة هذا العام خشية أن تُعيد رسوم ترمب الجمركية إشعال ضغوط الأسعار. ولا يزال التضخم فوق هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.
لكن مع تزايد وضوح المخاطر التي تواجه سوق العمل، وامتداد تأثيرات الرسوم الجمركية على الأسعار، يقترب المسؤولون من خطوة خفض محتمل للفائدة الشهر المقبل، قد تُطرح كحل وسط.
لم يحدد باول إطاراً زمنياً في تصريحاته، إذ وصف سوق العمل بأنه في “توازن غريب” نتيجة تباطؤ ملحوظ في كل من العرض والطلب على العمالة. كما أوضح أن تأثير الرسوم الجمركية على التضخم لم يُحسم بعد، لكنه ألمح إلى أن صُناع السياسة قد يحتاجون إلى تعديل أسعار الفائدة قبل اتضاح الصورة الكاملة بشأن هذه المسألة.
يخوض باول أشهره الأخيرة على رأس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إذ تنتهي ولايته في مايو المقبل، وسط تحدٍ دقيق يتمثل في تحقيق توافق بين صُناع السياسات المنقسمين بشأن المسار المناسب للسياسة النقدية. وأظهرت توقعات صدرت في يونيو أن غالبية صُناع السياسة يتوقعون خفضاً للفائدة مرتين على الأقل هذا العام، فيما فضلت أقلية كبيرة عدم إجراء أي خفض على الإطلاق في عام 2025.
انقسامات داخل الاحتياطي الفيدرالي
تكشف التصريحات الأخيرة لصُناع السياسة عن استمرار الانقسام داخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إذ أبدى بعض المسؤولين استعدادهم لخفض أسعار الفائدة عدة مرات هذا العام. ويشمل ذلك المحافظين كريستوفر والر وميشيل بومان، اللذين عارضا قرار يوليو بالإبقاء على الفائدة دون تغيير، مستندين إلى دلائل ضعف في التوظيف، وقد بدت وجهة نظرهما مبررة بعد صدور تقرير الوظائف الضعيف لشهر يوليو بعد الاجتماع بيومين فقط.
اقرأ أيضاً: رئيس الاحتياطي الفيدرالي يترك الباب مفتوحاً أمام خفض الفائدة في سبتمبر
وفي السياق ذاته، يُتوقع أن يعزز ستيفن ميران، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، هذا التوجه بعد تعيينه من قبل ترمب لشغل مقعد مؤقت بمجلس محافظي الفيدرالي تنتهي مدته في يناير، بانتظار مصادقة مجلس الشيوخ على تعيينه، وهو ما لا يزال توقيته غير محسوم.
في المقابل، أبدى فريق آخر تشككه في جدوى خفض تكاليف الاقتراض من الأساس. فمع بقاء التضخم فوق هدف الفيدرالي البالغ 2%، ظل هؤلاء حذرين من خطر أن يؤدي انخفاض الفائدة إلى تفاقم ضغوط الأسعار ورفع توقعات التضخم، وهو ما قد يسهم بحد ذاته في دفع الأسعار والأجور إلى مزيد من الارتفاع.
قالت بيث هاماك، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، يوم الخميس إنها لن تؤيد خفض أسعار الفائدة إذا اجتمع المسؤولون هذا الأسبوع. أما جيفري شميد، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي، فكان أكثر تشدداً، إذ صرح في بودكاست “أود لوتس” التابع لـ”بلومبرغ” بأنه لا يستبعد سيناريو رفع أسعار الفائدة.
أبدى فريق ثالث دعمه لنهج خفض وحيد لأسعار الفائدة يتبعه توقف مؤقت بهدف مراقبة كيفية استجابة الاقتصاد قبل الإقدام على أي خطوة إضافية. فقد قال رافائيل بوستيك، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، الأسبوع الماضي: “أعتقد أن الاستراتيجية الأنسب حالياً هي: خطوة يتبعها انتظار”.
خفض واحد للفائدة يليه توقف مؤقت
لكن بعد صدور بيانات الوظائف المخيبة في يوليو، حذر عدد من صُناع السياسة من أن الوقت قد لا يسعفهم لانتظار وضوح تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد قبل أن يتعرض سوق العمل لمرحلة ركود.
قال نيل كاشكاري، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، مطلع الشهر الجاري: “إذا كان الخيار الأفضل هو إجراء بعض التعديلات ثم التوقف مؤقتاً، أو حتى الاضطرار لاحقاً إلى التراجع عن المسار، فقد يكون ذلك أجدى من انتظار اتضاح أثر الرسوم الجمركية”.
وتطرق باول يوم الجمعة إلى المخاطر المحيطة بسوق العمل، مؤكداً أن الضعف يمكن أن يتصاعد بسرعة. وأضاف أن “المخاطر الهبوطية على التوظيف تتزايد، وإذا تحققت فقد تنعكس سريعاً في صورة ارتفاع حاد في معدلات البطالة”.
ويستعد مسؤولو الفيدرالي لإصدار توقعاتهم الجديدة خلال اجتماع الشهر المقبل، فيما يُتوقع أن تؤدي الانقسامات المستمرة إلى تقليص فرص أن يتحول أي خفض للفائدة إلى سلسلة متعاقبة من التخفيضات.
كتب جو بروسويلاس، كبير الاقتصاديين في “آر إس إم يو إس” (RSM US LLP)، في مذكرة للعملاء: “على المستثمرين ألا يستهينوا بالتوتر القائم حالياً بين هدف استقرار الأسعار وهدف تحقيق أقصى توظيف مستدام”.
وأضاف بروسويلاس أن أي تسارع طفيف في التوظيف، خصوصاً إذا ترافق مع استمرار صعود التضخم، سيشير إلى “سيناريو خفض وحيد في أسعار الفائدة ثم التوقف”.