اليابان توافق على إعادة تشغيل أكبر محطة للطاقة النووية في العالم

بعد طول انتظار، نالت أكبر محطة للطاقة النووية في العالم الموافقة على استئناف عملها، في خطوة مفصلية بالنسبة لليابان وقطاع الطاقة في البلاد، مما ينهي سنوات من التوقف التي أعقبت أسوأ كارثة نووية في القرن الواحد والعشرين.
منح هيديو هانازومي، حاكم محافظة نيغاتا، الإذن بإعادة تشغيل مفاعلين في محطة “كاشيوازاكي كاريوا” التابعة لشركة “طوكيو إلكتريك باور” (Tokyo Electric Power). وخلال مؤتمر صحفي عقده الجمعة، أعلن عزمه إحالة القرار إلى الجمعية المحلية لتصويت يمنحه الثقة على الاستمرار في منصبه، في خطوة رسمية من شأنها تأكيد المضي قدماً في إعادة التشغيل.
اليابان تعود لتبني الطاقة النووية
قال الحاكم “محطات الطاقة النووية قضية ثقيلة وشديدة الحساسية بالنسبة للمجتمعات المحلية… أمضيت سبع سنوات في دراسة هذا الملف، وأتمنى أن تُقيّم الجمعية قراري وطريقة مقاربتي للعمل الذي أقوم به”.
اقرأ أيضاً: فوز تاكايشي بانتخابات اليابان قد يشكل انتصاراً للطاقة النووية
يحمل القرار رمزية لليابان، ويُعدّ أقوى مؤشر حتى الآن على توجه البلاد للعودة إلى الطاقة النووية ضمن مساعيها لخفض الاعتماد على الكربون في مصادر الكهرباء. فمحطة “كاشيوازاكي كاريوا”، المعروفة اختصاراً بـ”KK”، قادرة على تزويد الشبكة الكهربائية في شرق اليابان بطاقة أنظف، ما يقلّل اعتماد البلاد على واردات الغاز والفحم، ويدعم اليابان في تحقيق الحياد الكربوني.
وكانت بلومبرغ كشفت عن القرار في وقت مبكر من يوم الجمعة، استناداً إلى وثائق حكومية صادرة عن محافظة نيغاتا أفادت بأن الحاكم هيديو هانازومي يستعد لمنح الموافقة.
يحمل التشغيل المنتظر للمحطة، وهي منشأة مترامية الأطراف على الساحل الغربي لجزيرة هونشو، أهمية استثنائية لشركة “تيبكو” (Tepco) المشغّلة. فالشركة كانت تدير محطة “فوكوشيما دايئيتشي” على الجانب المقابل من الجزيرة الأكبر في اليابان عندما وقعت كارثة الانصهار النووي عام 2011، والتي تُعدّ الأسوأ منذ “تشيرنوبيل”. ولا تزال “تيبكو” تدفع ثمن تلك الكارثة، بعدما سجّلت هذا العام مخصصات بقيمة 903 مليارات ين (5.7 مليار دولار) لأعمال تفكيك المحطة المتضررة.
اقرأ أيضاً: لماذا تصرّف اليابان مياه محطة “فوكوشيما” النووية في البحر؟
وأوضح الحاكم هانازومي أنه سيطالب الحكومة المركزية باتخاذ عدد من التدابير، أبرزها ضمان التزام المحطة بأحدث معايير ومتطلبات السلامة النووية.
ضغوط محتملة على سوق الغاز
إعادة تشغيل المحطة تأتي في وقت يتزايد فيه الزخم العالمي نحو الطاقة النووية، مدفوعاً بالطلب المتنامي على الكهرباء نتيجة الانتشار الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي وطفرة مراكز البيانات. وفي هذا السياق، تتجه شركات التكنولوجيا الكبرى إلى الطاقة الذرية لتغذية منشآتها.
زيادة الاعتماد على الطاقة النووية في شبكة الكهرباء اليابانية قد يلقي بظلاله على سوق الغاز الطبيعي المسال، لأن من شأن استئناف تشغيل الوحدة السادسة في محطة “كاشيوازاكي كاريوا” أن يخفّض الطلب على الغاز بنحو 130 ألف طن شهرياً، وفقاً لماسانوري أوداكا، المحلل في شركة الاستشارات “ريستاد إنرجي” (Rystad Energy).
اقرأ أيضاً: “مايكروسوفت” توسع صفقات الطاقة المتجددة مع “شيزن إنرجي” اليابانية
وبحسب بيانات تتبّع السفن التي جمعتها بلومبرغ، استوردت اليابان في المتوسط 5.3 مليون طن من الغاز المسال شهرياً خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر. وفي حال نيل الموافقة النهائية، يمكن للمحطة أن تبدأ توليد الكهرباء في الشهر التالي مباشرة.
معارضة لإعادة التشغيل النووي
منذ توليه منصبه عام 2018، اعتمد الحاكم هانازومي نهجاً متروّياً في التعامل مع ملف إعادة التشغيل. فقد أجرت محافظة نيغاتا استطلاعاً واسعاً لرصد آراء السكان تجاه الطاقة النووية، كما زار الحاكم المحطة الأسبوع الماضي، قبل أن يتوجّه بعد أيام إلى فوكوشيما لمعاينة موقع كارثة 2011 عن كثب.
ينتمي معظم أعضاء المجلس المحلي في محافظة نيغاتا إلى “الحزب الليبرالي الديمقراطي”، الذي دعم الحاكم هانازومي خلال حملته الانتخابية، ما يجعل احتمال سحب الثقة منه مستبعداً. ومع ذلك، عبّر عدد من الأعضاء عن استيائهم من قراره.
وقال ماسارو كويزومي، عضو المجلس المحلي “إذا تم اتخاذ القرار عبر تصويت في الجمعية، فالنتيجة شبه محسومة سلفاً”. وأضاف “مهما كانت جودة النقاش داخل المجلس، فإن النتيجة لن تتغير. لا يمكنني تقبّل قراره بأن يتعامل مع الموضوع بهذه الطريقة”.
عودة الطاقة النووية في اليابان
تعكس التحديات الكبيرة التي تواجهها اليابان في مسار عودتها إلى الطاقة النووية حقيقة أن تشغيل هذا القطاع بات خاضعاً لتأثيرات سياسية محلية.
وخلال العقد الماضي، لم يُستأنف تشغيل سوى ثلث المفاعلات الـ33 القابلة للعمل، بسبب معايير السلامة الصارمة التي فُرضت بعد كارثة فوكوشيما. كما أن الوحدتين السادسة والسابعة في محطة “كاشيوازاكي كاريوا” نالتا موافقة الهيئة التنظيمية الوطنية منذ عام 2017.
لكن عملية إعادة التشغيل لم تكن سلسة. فقبل يوم واحد فقط من إعلان قرار الحاكم هانازومي، كشفت هيئة الرقابة النووية في اليابان عن وقوع مخالفة تمثّلت في إساءة تعامل أحد موظفي “تيبكو” مع مستندات أمنية سرية داخل المحطة. وكانت الهيئة قد رفعت في السابق مستوى التحذير الأمني للمحطة إلى الدرجة القصوى، عقب انتهاكات أمنية جسيمة، قبل أن تُرفع تلك القيود في عام 2023.



