اخر الاخبار

الولايات المتحدة توسع حملتها العالمية ضد جرائم احتيال العملات المشفرة

بدأت عملية الاحتيال برسالة تلاها حوار ودي. وجّه شخصٌ غريب الضحية إلى موقع استثمار في العملات المشفرة بدا احترافياً من خلال تصميم أنيق ورسوم بيانية وحتى خدمة عملاء.

حقق الإيداع الأول ربحاً متواضعاً، وكذلك الثاني. مع ازدياد الثقة، أرسل الضحية المزيد من الأموال، بل واقترض المال لمواصلة الاستثمار. ثم، ومن دون سابق إنذار، توقف الموقع عن الاستجابة، واختفى رصيد الحساب.

قالت جيمي لام، محللة خاصة بالتحقيقات في جهاز الخدمة السرية الأميركي، لمسؤولين أمنيين في برمودا الشهر الماضي: “هكذا يعملون”. وأضافت: “يرسلون لك صورة لرجل وسيم أو فتاة جميلة. لكنه في الحقيقة رجل كبير السن في روسيا”.

رصد معاملات العملات المشفرة

تتبع مُحققو الخدمة السرية عملية الاحتيال من خلال اسم النطاق المرتبط بموقع الاستثمار الزائف. باستخدام أدوات مفتوحة المصدر، اكتشفوا تاريخ تسجيل النطاق، والجهة المسجلة وطريقة الدفع. أشارت عملية دفع بعملة مشفرة إلى محفظة أخرى. كما كشف انقطاع مؤقت في الاتصال بشبكة خاصة افتراضية عن عنوان بروتوكول إنترنت.

إنفوغراف: خسائر الاحتيال المرتبطة بالعملات المشفرة تبلغ 5.6 مليار دولار  

تعمل لام عضواً في مركز عمليات التحقيق العالمي التابع لجهاز الخدمة السرية، وهو فريق متخصص في الجرائم المالية الرقمية. أدواتهم ليست شارات يرتدونها أو أسلحة، بل البرمجيات وأوامر الاستدعاء وجداول البيانات.

قالت لام: “الأمر لا يكون صعباً دائماً. أحياناً كل ما تحتاجه هو الصبر”.

الصبر والأدوات الرقمية ساعدت مركز عمليات التحقيق العالمي على مصادرة ما يقرب من 400 مليون دولار من الأصول الرقمية خلال العقد الماضي -هو رقم لم يُكشف عنه سابقاً- بحسب أشخاص مطلعين على الأمر طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لمناقشتهم محادثات خاصة.

يُحتفظ بجزء كبير من هذه الأصول في محفظة تخزين باردة واحدة، أي غير متصلة بالإنترنت، تُعد اليوم من بين الأكثر قيمة على مستوى العالم. بعد أن قاد الجهاز حملات ضد عملات مشفرة مثل “ليبرتي ريزيرف” (Liberty Reserve) و”إي غولد” (E-Gold) في تسعينيات القرن الماضي، أصبح الجهاز -المعروف أكثر بمهمة حماية رؤساء الولايات المتحدة الأميركية- واحداً من أكبر حراس الأصول المشفرة في العالم.

تقود العملية كالي سميث، المحامية التي تدير استراتيجية العملات المشفرة لدى جهاز الخدمة السرية.

دورات تدريبية مجانية

نظم فريقها ورش عمل في أكثر من 60 دولة لتدريب سلطات إنفاذ القانون والمدعين العامين المحليين على كشف الجرائم الرقمية. يستهدف الجهاز الدول التي يستغل فيها المجرمون ضعف الرقابة أو برامج بيع الإقامة، ويُقدم هذا التدريب مجاناً.

قالت سميث: “أحياناً، بعد أسبوع فقط من التدريب، يقولون: لم نكن ندرك حتى أن هذا يحدث في بلدنا”.

في الشهر الماضي، سافر الفريق إلى برمودا، الإقليم البريطاني ما وراء البحار، الذي روج لنفسه كمركز للشركات العاملة في الأصول المشفرة عبر إطار تنظيمي يُعد من بين الأكثر شمولاً في العالم، لكنه بذلك عرض نفسه أيضاً لتهديدات جديدة.

قال حاكم برمودا، أندرو مردوخ، في مقابلة إن “التقنيات والخدمات المالية رائعة للنمو الاقتصادي، لكنها قد تُستغل أيضاً. إلى جانب الفوائد، تحتاج إلى منح صلاحيات تحقيق قوية لمعالجة الانتهاكات وفقاً للقانون”.

داخل قاعة اجتماعات على تلة تُطل على ميناء هاميلتون، قالت سميث للحضور إن ضحايا الاحتيال عادةً ما يرون فرصة واعدة. ويظنون أنهم يستطيعون استخدام “بتكوين” بأمان. لكن هذا ليس صحيحاً”.

في إحدى القضايا الواقعية، وقع مراهق من ولاية أيداهو في فخ محادثة غرامية عبر الإنترنت، وأرسل صورة عارية لشخص غريب. ثم تلقى تهديداً بنشر الصورة لعائلته ما لم يدفع 300 دولار. دفع المراهق المبلغ مرتين قبل أن يلجأ للشرطة.

مسار جرائم الاحتيال

قام محللو مركز العمليات التحقيقية العالمية بإعادة بناء واقعة الابتزاز من خلال لقطات شاشة وإيصالات وبيانات من “بلوكتشين” (سلاسل الكتل). مرت المدفوعات عبر مراهق أميركي آخر أُجبر على العمل كناقل أموال، ثم حُوّلت إلى حساب عالج قرابة 4.1 مليون دولار عبر نحو 6 آلاف معاملة، وكان مسجلاً بجواز سفر نيجيري، وفقاً لمحلل طلب عدم الكشف عن هويته لأن التحقيق ما يزال جارياً

ألقت الشرطة البريطانية القبض على المشتبه به في واقعة الابتزاز لدى وصوله إلى مدينة غيلدفورد في إنجلترا، وما يزال قيد الاحتجاز في انتظار إجراءات تسليمه، بحسب محلل التحقيقات.

اقرأ أيضاً: ألمانيا تصادر أصولاً رقمية بقيمة 34 مليون يورو من منصة “eXch”

أصبح الاحتيال المرتبط بالعُملات الرقمية حالياً السبب الرئيسي لخسائر الإنترنت في الولايات المتحدة الأميركية.

أبلغ الأميركيون عن خسائر بقيمة 9.3 مليار دولار في عمليات احتيال تتعلق بالعملات المشفرة خلال 2024، أي أكثر من نصف إجمالي الخسائر المسجلة لذلك العام البالغة 16.6 مليار دولار، وفقاً لبيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي. تحمّل الضحايا الأكبر سناً الجزء الأكبر من الخسائر إذ فقدوا نحو 2.8 مليار دولار، غالبيتها بسبب مواقع استثمار زائفة.

جرائم واقعية

تتجاوز بعض هذه المخططات الاحتيالية العالم الرقمي لتصل إلى العنف الواقعي. ففي نيويورك، وُجهت تهم إلى مستثمرين اثنين باختطاف وتعذيب صديق قديم لهما داخل منزل، لإجباره على منحهم الوصول إلى محفظته الرقمية. في كونيتيكت، وُجّهت تهم إلى 6 رجال باختطاف والدي مراهق يمارس القرصنة بعد أن سرق 245 مليون دولار من عملة “بتكوين”، إذ قاموا بضربهما في محاولة فاشلة لابتزازه.

اقرأ المزيد: “جيميناي” تدفع 50 مليون دولار لتسوية مزاعم احتيال في العملات المشفرة

لاستعادة الأموال المسروقة، تعتمد الخدمة السرية على شركاء في القطاع الخاص. أقرت شركتا “كوين بيس” و”تيثر هولدينغز” (Tether Holdings) علناً بمساعدتهما في عدد من القضايا الأخيرة، من خلال تحليل عمليات التحويل وتجميد المحافظ.

كانت إحدى أكبر عمليات الاسترداد تتعلق بمبلغ 225 مليون دولار من عملة “يو إس دي تي” (USDT)، وهي العملة الرقمية المرتبطة بالدولار الأميركي والمعروفة باسم “تيثر”، وكان المبلغ مرتبطاً بعمليات احتيال الاستثمار الرومانسي” (أسلوب يجمع بين الاحتيال العاطفي والنصب الاستثماري).

قال باتريك فرياني، رئيس المكتب الميداني للخدمة السرية في نيويورك، والذي يشرف على أنشطة الجهاز في برمودا: “نحن نلاحق الأموال منذ 160 عاماً. وهذا التدريب هو جزء من تلك المهمة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *