الولايات المتحدة تسعى لنزع فتيل انفجار الأوضاع بين الهند وباكستان

حثّت الولايات المتحدة الهند وباكستان على العمل معاً لتهدئة التوترات وتجنب الاشتباك المتوقع، بعد أن قتل مسلحون الأسبوع الماضي عشرات الأشخاص في الجزء الخاضع للسيطرة الهندية من منطقة كشمير المتنازع عليها والمطلة على جبال الهيمالايا.
تحدث وزير الخارجية ماركو روبيو مع كبار المسؤولين في كلا البلدين يوم الأربعاء، طالباً منهم “الحفاظ على السلام والأمن في جنوب آسيا”. روبيو أبلغ رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، بضرورة إدانة الهجوم وإعادة الاتصالات المباشرة، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية. كما تحدث مع وزير الشؤون الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكار.
تدهورت العلاقات بين الدولتين النوويتين والخصمين القديمين بوتيرة سريعة في أعقاب الهجوم، الذي وصفته الهند والولايات المتحدة بأنه عمل إرهابي. واتهمت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي باكستان بالتورط وتعهدت بمعاقبة المسؤولين عن الهجوم. لكن باكستان نفت أي صلة لها بالهجوم وحذرت بالرد إذا اتخذت الهند إجراءً عسكرياً.
قال جايشانكار في منشور على موقع “إكس” يوم الخميس إنه ناقش الهجوم الذي وقع في كشمير مع روبيو في 30 أبريل. وأضاف: “يجب تقديم مرتكبيه وداعميه ومخططيه إلى العدالة”.
معلومات عن هجوم هندي
وفي خطاب متلفز في وقت مبكر من يوم الأربعاء، قال وزير الإعلام الباكستاني عطا الله تارار إن بلاده لديها “معلومات استخباراتية موثوقة” تفيد بأن الهند ستنفذ عملاً عسكرياً خلال الـ24 إلى 36 ساعة القادمة. وبعد ساعات وخلال مؤتمر صحفي، قال المتحدث باسم الجيش الباكستاني، الفريق أحمد شريف شودري، إن رد بلاده على أي عدوان هندي سيكون “مناسباً وحاسماً”.
وأكد نائب رئيس الوزراء إسحاق دار، في تصريحات صحفية مشتركة مع شودري، أن باكستان “لا علاقة لها” بالهجوم، وطالب بإجراء “تحقيق مستقل وشفاف من قبل محققين محايدين”.
وقال دار: “لن تبادر باكستان إلى أي خطوة تصعيدية”، مضيفاً أنه “في حال حدوث أي تحرك تصعيدي من الجانب الهندي، فسنرد بقوة”.
يوم الخميس، صرّح مستشار شريف للشؤون السياسية، رانا سناء الله خان، خلال مقابلة مع قناة “جيو نيوز” باستعداد باكستان للانضمام إلى تحقيق يجريه مسؤولون هنود بشأن الهجوم. وأضاف: “الحرب بين قوتين نوويتين لا تنتهي بالنصر أو الهزيمة لأيٍّ من الجانبين، بل بتدمير الدولتين”.
أفادت صحيفة “إيكونوميك تايمز” يوم الثلاثاء، نقلاً عن مصادر لم تكشف هويتها، أن مودي منح القوات المسلحة الهندية حرية التصرف في تحديد توقيت وأهداف وطريقة الرد على الهجوم، وذلك في اجتماع ضم وزير الدفاع، راجناث سينغ، ومستشار الأمن القومي، أجيت دوفال. ولم يردّ مكتب مودي على رسالة بريد إلكتروني تطلب تفاصيل الاجتماع.
ضربة لاقتصاد باكستان
تلقت أصول باكستان ضربةً هذا الشهر، حيث من المتوقع أن تسجل الأسهم والسندات الدولارية أسوأ أداء شهري لها في عامين. وقد تكبد المستثمرون خسارة تقارب 4% هذا الشهر في السندات الدولارية، بينما انخفضت الأسهم بنسبة تقارب 3%. يأتي تصاعد التوترات في وقت يعاني فيه اقتصاد البلاد من هشاشة ويعتمد على الدعم من تمويلات صندوق النقد الدولي.
في الوقت نفسه، أثبتت الأصول الهندية مناعتها النسبية في الوقت الحالي، حيث ارتفعت الأسهم والسندات المحلية هذا الشهر.
أسقط الجيش الباكستاني يوم الثلاثاء طائرة تجسس هندية بدون طيار اخترقت ما يُسمى بخط السيطرة في كشمير، وهي منطقة شمالية يطالب بها كلا البلدين، وفقاً لقناة التلفزيون الباكستانية الرسمية. وسبق أن أسقط الجانبان طائرات بدون طيار صغيرة خلال فترات سابقة، إذ تُستخدم غالباً لأغراض المراقبة للمناطق الحدودية.
يوم الخميس، اتهم الجيش الهندي باكستان بإطلاق النار عبر خط السيطرة لمدة أسبوع، قائلاً إن قواته ردت “بشكل متناسب” على ما وصفه بـ”نيران أسلحة صغيرة غير مبررة”.
اتفاقية وقف إطلاق النار
انتُهكت اتفاقية وقف إطلاق النار التي وقّعتها الدولتان عام 2003 بشكل متكرر حتى عام 2021، عندما جدّدتا التزامهما بالحفاظ على الاتفاقية، ليتوقف إطلاق النار عبر الحدود إلى حد كبير منذ ذلك الحين.
فرضت الهند إجراءات عقابية في أعقاب هجوم 22 أبريل، شملت تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية وتعليق معاهدة هامة لتقاسم المياه. وردّت باكستان بطرد دبلوماسيين هنود من إسلام آباد، وإغلاق مجالها الجوي أمام شركات الطيران المملوكة والمدارة من قِبل الهند، إضافة إلى تعليق التجارة المحدودة بين البلدين.
وفي إجراءٍ متبادل، أغلقت الهند مجالها الجوي أمام شركات الطيران الباكستانية والطائرات المسجّلة في باكستان بدءاً من يوم الأربعاء وحتى 23 مايو.
تحدث مسؤولون عسكريون من الهند وباكستان هاتفياً بشكل مباشر يوم الثلاثاء لمناقشة انتهاكات وقف إطلاق النار الأخيرة. تجري هذه المكالمة بشكل روتيني كل أسبوع، ولا تعبر بالضرورة عن انحسار التوترات، لكنها تُشير إلى أن بعض قنوات الاتصال الرسمية لا تزال تعمل.
صراع قديم
حذّر وزير الدفاع الباكستاني، خواجة محمد آصف، هذا الأسبوع من خطر الحرب، لكنه قال إنه يُمكن تجنّبها. وأضاف أن الصين والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى تعمل لتجنّب الصراع.
وقال المتحدث العسكري الباكستاني، شودري، في وقتٍ سابق إن الهند لم تقدّم أيّ دليل يذكر يدعم “مزاعمها الباطلة” التي تربط إسلام آباد بهجوم كشمير. ولطالما تبادلت الدولتان الجارتان الاتهامات برعاية الإرهاب العابر للحدود، وهو ما يشكّل عقبة رئيسية أمام تطبيع علاقاتهما وحل نزاع كشمير عبر الحوار.
منذ استقلالهما عن بريطانيا عام 1947، اشتبكت الهند وباكستان عدة مرات بشأن المنطقة المتنازع عليها. وكانت آخر حرب طويلة في عام 1999، عندما تسللت القوات الباكستانية إلى كارغيل، وهي منطقة خاضعة للسيطرة الهندية في كشمير. واستمر القتال لعدة أشهر حتى انسحبت القوات الباكستانية من مواقع على خط السيطرة، الذي يُمثل الحدود الفعلية بين البلدين.
آخر مرة كادت أن تندلع فيها حرب شاملة بين الجانبين كان عام 2019، عندما قتل انتحاري 40 عسكرياً من أفراد قوات الأمن الهندية. وأعلنت جماعة جيش محمد، وهي جماعة جهادية تقع في باكستان، مسؤوليتها عن الهجوم، ما دفع الهند إلى الرد بعد حوالي أسبوعين بغارات جوية على الأراضي الباكستانية هي الأولى منذ عام 1971.