اخر الاخبار

النفط يدخل الصيف بطلب مرتفع رغم تلويح زيادات “أوبك+” بفائض

تتجه سوق النفط بسرعة نحو لحظة حاسمة، ففي ظل زيادة الإنتاج من قِبل دول “أوبك+” وفي مقدمتها السعودية، تتعزز التوقعات بحدوث فائض في السوق في وقتٍ لاحق من هذا العام. والسؤال الحاسم هو: متى سيحدث ذلك؟.

كان الحدث الأبرز في السوق خلال الآونة الأخيرة هو قرار تحالف “أوبك+” بزيادة الإمدادات عبر إعادة كميات التخفيضات الطوعية إلى السوق تدريجياً. ويتزامن ذلك مع تهديدات الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والتي قد تُضعف الطلب.

ورغم مرور وقت على هذه الخطوة، إلا أن هناك إشارات ضئيلة على انهيار الأسعار في الوقت الحالي. بل إن أسواق النفط، رغم تراجعها هذا العام، لا تزال صامدة نسبياً.

أظهرت بيانات شركة “بي بي” (bp) العملاقة، التي تشغل مصافي تكرير من ولاية إلينوي الأميركية إلى روتردام الهولندية، أن الربع الثاني كان الأكثر ربحية منذ أكثر من عام في مجال إنتاج الوقود. وسارعت مصافي التكرير إلى شراء شحنات من الولايات المتحدة وبحر الشمال، لتحويل الخام إلى منتجات مثل البنزين ووقود الطائرات، مع ازدياد الطلب خلال ذروة موسم الصيف في نصف الكرة الشمالي.

رهانات أسعار النفط

يرى فريدريك لاسير، رئيس قسم أبحاث وتحليل السوق العالمية في “غنفور غروب” (Gunvor Group)، وهي من أبرز شركات تجارة النفط في العالم، أنها “ليست فكرة جيدة على الإطلاق أن تقوم بالرهان على انخفاض الأسعار في السوق وأنت على أعتاب زيادة موسمية في الطلب. لكن بعد ذلك، فالتوقعات للربع الرابع وعام 2026 تميل لتراجع الأسعار إلى حد كبير”.

وكانت التوقعات على نطاق واسع تشير إلى أن سوق النفط العالمية ستواجه فائضاً في المعروض بحلول نهاية هذا العام، حتى قبل التوجه الجديد لتحالف “أوبك+”. لكن الإضافات غير المتوقعة من التحالف عززت احتمالات حدوث تحول في مسار الأسعار.

يتحدد مصير السوق على كل من الدول المنتجة للنفط والبنوك المركزية في الدول المستهلكة على حد سواء. فحدوث هبوط في الأسعار من شأنه أن يقلل تدفق الدولارات من جهة، بينما تنخفض تكاليف الوقود من جهة أخرى، ما ينعكس على التوقعات الأوسع للتضخم.

وتراهن السعودية على أن زيادة الطلب ستمنحها مساحةً لرفع إنتاجها واستعادة حصةٍ سوقية من منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة ودول أخرى خارج تحالف “أوبك+”، كما أفاد أشخاص مطلعون بلومبرغ في وقت سابق من هذا الشهر.

استقر سعر خام برنت حول 67.40 دولار للبرميل اليوم الثلاثاء في لندن. ومنذ إعلان قرار “أوبك+”، ظل السعر يتداول بشكل عام بين 60 و67.50 دولار. فيما بلغ متوسط سعر البرميل في الأشهر الثلاثة السابقة 75 دولاراً.

توقعات العرض والطلب

لأشهر، كانت توقعات “وول ستريت” تشير إلى أن نمو الطلب لن يتمكن من مجاراة الزيادة في الإنتاج من خارج تحالف “أوبك+” هذا العام.

ورغم أن الطلب القوي خلال فصل الشتاء وبداية الصيف، وربما بعض عمليات الشراء بغرض التخزين، قد أخر المواجهة بين كمية المعروض والمطلوب، إلا أن الأسعار أيضاً في السنوات الأخيرة ظلت مرتفعة بما يكفي لتحفيز موجة جديدة من الإنتاج في عدد من الدول، لا سيما في غيانا. كما بلغ الإنتاج مستويات قياسية، أو اقترب منها، في كندا والأرجنتين والصين.

وفي الولايات المتحدة، ورغم انخفاض عدد الحفارات لأدنى مستوى في 4 سنوات، إلا أن بيانات الإنتاج الأميركية الأخيرة قد تؤدي لإعادة النظر من قِبل السعوديين بشأن الحصص السوقية.

ارتفع إجمالي إنتاج النفط الأميركي إلى مستوى قياسي في شهر مارس، مع تعديل توقعات إجمالي إنتاج الخام وسوائل الغاز الطبيعي برفعها أعلى كثيراً من التقديرات السابقة. ويعني ذلك أن أي تراجع في الإمدادات الأميركية في المستقبل سيكون انخفاضاً من مستويات قياسية مرتفعة.

مخزونات النفط

بدأت آثار الإنتاج المرتفع في الظهور. فلأول مرة منذ سنوات، بدت إشارات على تراكم المخزونات مع إغلاق المصافي حول العالم أبوابها لإجراء الصيانة الموسمية خلال فصل الربيع.

وارتفعت عمليات ملء خزانات النفط بأسرع وتيرة منذ عام 2020 بعد سنوات من الانخفاض.

وكانت الزيادة مدفوعة بشكل أساسي بمخزونات مقاطعة شاندونغ الواقعة شمال شرقي الصين، التي تضم شبكة ضخمة من المصافي المستقلة ومنشآت التخزين الاستراتيجية الجديدة. إلى جانب مخزونات المناطق القريبة من محطات معالجة جديدة، وفقاً لشركة “كيروس” (Kayrros) المتخصصة في رصد المخزونات. علاوة على ذلك، فالطلب في أكبر دولة مستوردة في العالم مهدد أيضاً، وذلك على خلفية استبدال السيارات العاملة بالديزل تدريجياً بسيارات تعمل بالغاز الطبيعي والكهرباء.

وفي المقابل، تبقى مخزونات المنتجات المكررة الرئيسية مثل البنزين والديزل منخفضة، ما يعزز الحافز على مواصلة شراء النفط الخام.

وقال غاري روس، مستشار النفط السابق الذي يعمل حالياً كمدير صندوق تحوط في “بلاك غولد إنفستورز” (Black Gold Investors LLC): “المخزونات منخفضة، ونحن الآن في ذروة موسم الطلب. وهوامش الأرباح جيدة، والمصافي تستهلك الخام لأن هناك حافزاً اقتصادياً لذلك”. وأضاف “من المؤكد أن السوق ستكون متشبعةً في وقت لاحق من هذا العام، لكن المشكلة أن الجميع يتسرع في المراهنة على انخفاض الأسعار في وقت مبكر جداً”.

نموذج “عصا الهوكي”

يُظهر تسعير العقود الآجلة مدى التجاذب بين السوق على المدى القريب وتوقعات المتداولين لفصل الشتاء.

فعادةً، عندما يكون هناك طلب قوي على البراميل في الوقت الراهن، يتم تداول النفط للتسليم الفوري بسعر أعلى.

وهذا النمط موجود حالياً، ولكن، وبشكل غير معتاد، تنقلب السوق في وقت لاحق من العام لما يُعرف بـ”الكونتانغو”، أي أن سعر العقود المستقبلية يمسي أعلى من الحالية، في رهان كبير على تراجع الطلب.

وتُعدُّ هذه الإشارات جوهرية في كيفية تفسير المتداولين لتوازن العرض والطلب. ويُظهر النمط الحالي غير المعتاد، الذي يشبه شكل عصا الهوكي، أطول امتداد له منذ ما لا يقل عن 17 عاماً.

تهديد من صفقات ترمب

قد يزيد تعقيد المشهد إذا فاجأ ترمب الأسواق بتغريدة تُعلن صفقةً مع إيران أو روسيا أو الصين، حيث يُمكن لأي اتفاق مع هذه الدول أن يُحدث تقلباتٍ عنيفة في الأسعار بين الارتفاع والانهيار.

في أبريل 2020، أدت تغريدة واحدة من ترمب إلى رفع أسعار النفط بنحو 40% خلال ثوانٍ، ما يدفع حتى أكثر المتشائمين إلى التريث قبل أخذ أي موقف.

وكما كان الحال في السابق، فإن الكثير من تحركات السوق سيتوقف على التوجهات المقبلة لتحالف “أوبك+”.

يرجّح المتداولون أن صادرات يونيو ويوليو من “أوبك” وحلفائها لن تكون عند مستوى الإنتاج البالغ 411 ألف برميل يومياً، بسبب زيادة الاستخدام المحلي لأغراض التبريد في موسم الصيف الحار بمنطقة الشرق الأوسط. وكتب محللو “مورغان ستانلي”، ومن بينهم مارتين راتس وشارلوت فيركينز، يوم الإثنين، أنهم لم يلاحظوا حتى الآن علامات على ارتفاع حاد في صادرات تلك الدول.

ومع ذلك، إذا واصل “أوبك+” ضخ الإمدادات الإضافية إلى ما بعد الصيف، فسيكون بوسع دول الشرق الأوسط تصدير حصة أكبر من إنتاجها.

وقال سعد رحيم، كبير اقتصاديي “ترافيغورا غروب” (Trafigura Group)، في تقرير النتائج نصف السنوية لعام 2025: “السؤال الأساسي هو عودة براميل (أوبك+) بعد سلسلة من التخفيضات على مدى السنوات الثلاث الماضية. ومن وجهة نظر التحالف، فإن مستوى المخزونات الحالي والتراجع الحاد في الأسعار الفورية يشير إلى أن السوق لا تزال بحاجة إلى البراميل، رغم التباطؤ المحتمل في الطلب نتيجة الرسوم الجمركية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *