اخر الاخبار

المشاريع وشح السيولة يضغطان على الأصول الأجنبية ببنوك السعودية

للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود، تواجه البنوك السعودية عجزاً بصافي الأصول الأجنبية، ما يثير تساؤلات عمّا إذا كان هذا العجز يعكس أزمة محتملة، أم أنه مجرد مرحلة مؤقتة ضمن دورة النمو الاقتصادي؟ وما تداعياته على هيكل النظام المصرفي؟

يُعرَّف صافي الأصول الأجنبية (Net Foreign Assets – NFA) بأنه الفرق بين إجمالي الأصول الأجنبية التي تحتفظ بها البنوك العاملة بالسعودية والالتزامات المترتبة عليها تجاه الخارج، وعادةً ما يُنظر إليه كمؤشر رئيسي على قدرة القطاع المصرفي على مواجهة التقلبات المالية وإدارة التزاماته الخارجية.

وتشير أحدث بيانات البنك المركزي السعودي لشهر يناير 2025 إلى استمرار ارتفاع المطلوبات الأجنبية بوتيرة أسرع من الأصول الأجنبية. وخلال الأشهر السبعة الماضية، ارتفعت المطلوبات الأجنبية للمصارف السعودية بنحو 68.8 مليار ريال، غالبيتها التزامات تجاه بنوك أجنبية، في حين لم يزد نمو الأصول الأجنبية سوى 42.8 مليار ريال، مما أدى إلى استمرار العجز، الذي ظهر في بداية النصف الثاني من 2024، للمرة الأولى منذ عام 1993.

ما الذي يدفع المصارف لزيادة الاقتراض الخارجي؟

وفقاً لبيانات “تداول السعودية” التي جمعتها “الشرق”، أصدرت البنوك السعودية أدوات دين مقومة بالدولار بقيمة 8.3 مليار دولار خلال عامي 2024 و2025، مما يعكس تزايد الحاجة إلى السيولة. ومع استمرار تقلب أسعار النفط، قد تضطر المصارف إلى مزيد من الاقتراض، وهو ما يطرح تساؤلات حول تأثيره على الاستقرار المصرفي في المستقبل.

وترجّح 3 دوافع زيادة بيع الديون من قِبل المصارف السعودية بالفترة المقبلة، تتمثل بالتالي:

شح السيولة المحلية: ارتفعت نسبة القروض إلى الودائع إلى 106.4% بحلول أكتوبر 2024، وفق تقرير صادر عن مصرف الراجحي، ما يعكس حاجة المصارف إلى مصادر تمويل إضافية. ووفقاً لـ”بلومبرغ إنتليجنس”، فإن هذا الضغط على السيولة دفع المصارف نحو الاقتراض الخارجي.

تمويل المشاريع الكبرى: وسط تسارع تنفيذ المشاريع المرتبطة برؤية المملكة 2030، بما في ذلك البنية التحتية والتطوير العقاري والوجهات السياحية والمدن  الصناعية واللوجستية، تسعى البنوك السعودية إلى تأمين تدفقات رأسمالية جديدة تدعم توسعها الائتماني لتمويل الاستثمارات الضخمة المطلوبة في هذه المشاريع، ما يجعل الاقتراض من الخارج خياراً جذاباً رغم ارتفاع أسعار الفائدة.

ضغوط على الإيرادات النفطية: مع بقاء أسعار النفط دون مستوى 80 دولاراً للبرميل، يواجه الاقتصاد السعودي تحديات في الإيرادات النفطية، التي تُعد مصدراً رئيسياً لتمويل الودائع المصرفية. وفقاً لتقديرات “بلومبرغ إنتليجنس”، تحتاج المملكة إلى 100 دولار للبرميل للحفاظ على الإنفاق المخطط له.

تلبية الاستثمار المكثف بالمشاريع

يُعدُّ الاقتراض الخارجي سلاحاً ذا حدين، فبينما يمكن أن يكون خياراً استراتيجياً لدعم السيولة وتعزيز النمو الاقتصادي، إلا أنه قد يتحول إلى عبء مالي مع مرور الوقت. لكن علي الحازمي، عضو جمعية الاقتصاد الأميركية، يقلل من المخاوف إزاء استمرار الجهاز المصرفي في الاقتراض الخارجي، معتبراً أن هذه التغيرات تعكس حيوية الاقتصاد السعودي ولا تستدعي القلق.

وأضاف لـ”الشرق” أن “الفجوة بين حجم الإقراض والودائع دفعت البنوك إلى اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، لكن ذلك ليس تهديداً جوهرياً، نظراً لما تتمتع به المصارف السعودية من استقرار مالي وقدرتها على إدارة أسعار الفائدة المرتفعة بكفاءة”.

من جانبه، يرى محمد مكني، أستاذ المالية والاستثمار في جامعة الإمام محمد بن سعود، أن الاقتصاد السعودي يشهد مرحلة من النمو والاستثمار المكثف، مما يستدعي ضخ مزيد من السيولة لدعم المشاريع التنموية الكبرى. مشيراً إلى أن قيام البنوك بتحويل بعض ودائعها الأجنبية إلى العملة المحلية يُعدُّ إجراءً طبيعياً في هذه المرحلة لتعزيز الاقتصاد الوطني.

مخاطر محدودة ضمن نطاق آمن

رغم استمرار العجز في صافي الأصول الأجنبية، يرى الخبراء أن تأثير ذلك على استقرار السيولة بالعملة الأجنبية لا يزال محدوداً. ويعزو مكني ذلك إلى “كفاءة إدارة البنك المركزي السعودي للسياسة النقدية، حيث يعمل باحترافية عالية تقلل من احتمالات حدوث اضطرابات في سعر صرف الريال”؛ خاصة مع استمرار ارتباطه الوثيق بالدولار الأميركي.

من جانبه، يؤكد الحازمي أن البنك المركزي السعودي يمتلك احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي، مما يمنحه القدرة على التدخل عند الحاجة للحفاظ على استقرار العملة المحلية، وهو ما يعزز الثقة في استقرار الاقتصاد السعودي بشكل عام.

أمّا عن تنامي الاقتراض الخارجي من قِبل البنوك السعودية بالآونة الأخيرة، فينوّه مكني بأن التزامات البنوك السعودية بالعملة الأجنبية لا تزال ضمن نطاق آمن، حيث تشكل حوالي 9% فقط من إجمالي أصول البنوك العاملة في المملكة حتى نهاية يناير 2025. لكن “لو ارتفعت هذه النسبة إلى مستويات غير آمنة، لكان لذلك تأثير سلبي على التصنيف الائتماني للبنوك السعودية، إلا أنها لا تزال تحتفظ بتصنيف مستقر يعكس قوة القطاع المصرفي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *