المستثمرون يبحثون في الأسواق الناشئة عن رهانات تصمد أمام ترمب

شكلت عمليات التداول الرابحة في الأسواق الناشئة في 2025، بما فيها النجاحات التي حققتها الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، والازدهار الذي يحفزه المهاجرون في دبي، وتزايد احتمالات إعادة هيكلة ديون فنزويلا ولبنان، عواملاً ساعدت المستثمرين على تحمل تبعات أجندة الرئيس دونالد ترمب التجارية.
عمليات التداول المنتقاة حمت المستثمرين من تقلبات ترمب في فترته الثانية، إذ أنها لا تعتمد على الصادرات إلى الولايات المتحدة، أو خفض أسعار الفائدة، أو ضعف الدولار.
بينما حققت المؤشرات الرئيسية للأسهم والسندات والعملات في الأسواق النامية أفضل أداء لها في بداية العام منذ سنوات، إلا أنها شهدت موجة بيع كثيف في نهاية فبراير، نتيجة تهديد ترمب مرة أخرى بالرسوم الجمركية. لم يطرأ تغيير يُذكر على أسعار الأصول الناشئة يوم الإثنين بعد اجتماع قادة أوروبا لوضع خطة لإنقاذ أوكرانيا، بعد الصدام العلني بين ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض.
قالت جيتانيا كاندهاري، نائبة كبير مسؤولي الاستثمار لدى “مورغان ستانلي إنفستمنت مانجمنت” (Morgan Stanley Investment Management)، إنه “رغم كل هذا التشاؤم، يجب العثور على اختلالات في أسعار السوق من شأنها إتاحة الفرص الاستثمارية”.
جاذبية الذكاء الاصطناعي في الصين
تتخذ هذه الأفكار أشكالاً مختلفة، لننظر إلى موجة صعود أسهم شركات الذكاء الاصطناعي على سبيل المثال، ففي العام الماضي، حقق المستثمرون جزءاً من أكبر الأرباح المحققة في الأسواق الناشئة عبر الاستثمار في الشركات المحلية التي تحصل على دفعة من فورة الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، ويعد صعود أسهم “تايوان سيميكوندوكتور مانيوفاكتشرينغ”، شركة صنع الرقائق المستخدمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بنسبة 81% خير مثال.
أما هذا العام، فيبيع المستثمرون كميات كبيرة من أسهم “تايوان سيميكوندوكتور” ويشترون أسهم “مجموعة على بابا القابضة”، ما أدى إلى ارتفاع بنسبة 56% في الأسهم، لتساهم بأكثر من ثلثي المكاسب التي حققها مؤشر “إم إس سي آي” (MSCI) للأسواق الناشئة في 2025.
يكمن عامل الجذب الرئيسي لأسهم “علي بابا” في تركيزها على تبني الذكاء الاصطناعي المحلي في الصين، وليس في الإيرادات غير المباشرة المحققة في الولايات المتحدة، ما يجعلها وسيلة تحوط من الرسوم الجمركية التي يعتزم ترمب فرضها، إذ ستواصل الصين الاستثمار في التكنولوجيا. كما أن ملحمة “ديب سيك” تبرز مواطن قوة البلاد دون الاعتماد على الولايات المتحدة.
الإمارات والسعودية وقطر ملاذات آمنة للمستثمرين
بالنسبة لمستثمري الأسهم، يتمثل أحد المخاطر الرئيسية في قوة الدولار، إذ تقلل من الأرباح المحققة بالعملات المحلية، وسيعزز ذلك من جاذبية الدول ذات العملات المستقرة، بالأخص إذا كان لديها احتياطيات كبيرة تكفي لدعم ربط قيمة عملاتها المحلية بالدولار، وقصص النمو الديناميكي.
أشار برندان ماكينا، المحلل الاقتصادي للأسواق الناشئة والمحلل الاستراتيجي لأسعار الصرف لدى “ويلز فارغو سكيورويتيز” (Wells Fargo Securities) في نيويورك، إلى أن “عديداً من دول الشرق الأوسط تمثل فرصاً جذابة. يمكن اعتبار الإمارات والسعودية وقطر بشكل خاص ملاذات آمنة للمستثمرين أو دولاً تتيح لهم استثمار رأس المال بمنأى عن المخاطر المرتبطة بترمب”.
ارتفع المؤشر الرئيسي للأسهم في دبي إلى مستوى قياسي في فبراير، حيث أدى تدفق الوافدين إلى ارتفاع الطلب على كل السلع والخدمات، بما يشمل المنازل والسيارات والخدمات المصرفية. وفضلاً عن ربط العملة المحلية بالدولار، يحظى عديد من الشركات بدعم من الحكومة، ما يضمن استمرار تدفق الإيرادات.
وأوضح كارل توهمي، مدير صندوق استثمار لدى “تشين كابيتال” (Cheyne Capital)، أن “المستثمرين في سوق الأسهم في الإمارات غير معرضين لخطر أسعار الصرف نظراً لربط قيمة الدرهم بالدولار. هذه ميزة في وضع شديد التقلب على الصعيد العالمي”.
أداء متميز للبرازيل بعيداً عن الرسوم
تركز “مورغان ستانلي إنفستمنت مانجمنت” اهتمامها على الاقتصادات التي تتسم بقلة التأثر بالصادرات، ودورة ائتمان محلية جديدة، وإمكانية الاستفادة من التغييرات في التجارة العالمية، وقصص الإصلاح المستقلة.
ولفتت كاندهاري إلى أن الأهداف المفضلة لدى شركة إدارة الأصول هي “الشركات والدول في جنوب شرق آسيا، التي تستفيد تدفق رأس المال والتغيرات التجارية، ومناطق في أوروبا الشرقية، وبعض الأسواق التي وصلت ذروة البيع في أميركا اللاتينية، وبعض الأسواق الواعدة المتميزة”.
في أميركا اللاتينية، تتحول البرازيل إلى إحدى أفضل الأسواق أداءً، ولا يرجع ذلك إلى التقييمات المنخفضة واحتمالات رفع أسعار الفائدة فقط، بل ولأنها ليست المكسيك؛ الدولة التي تستهدفها سياسات ترمب التجارية والخارجية بشكل مباشر.
أوضح روهيت أرورا، المحلل الاستراتيجي للأسواق الناشئة لدى “يو بي إس غروب”، أن البنك السويسري يشترى الريال البرازيلي مقابل البيزو المكسيكي “استعداداً للتباين وسط قلة سعر الريال نسبياً، وميزة تجارة فروق الفائدة، وانخفاض احتمال تعرض البرازيل نسبياً إلى مخاطر الرسوم الجمركية مقارنة بالمكسيك”.
السندات المحلية
في كولومبيا، أدى احتمال وصول حكومة داعمة للأعمال والإصلاح إلى السلطة العام المقبل إلى تصدر عملة البلاد وأسهمها قائمة أصحاب أكبر المكاسب في الأسواق الناشئة. كما خرجت معظم سندات فنزويلا المتعثرة من “نادي العشرين سنتاً”، بعد أن تجاوز سعرها ذلك المستوى لأول مرة منذ سنوات مع تزايد الآمال في إعادة الهيكلة.
أدت سياسة تركيا للحفاظ على ارتفاع الليرة من حيث القيمة المعدلة وفق التضخم إلى أن يشهد المستثمرون استقراراً غير معتاد في العملة المتقلبة، ما مكنهم من الاستفادة من عائدات تجارة فروق فوائد التي بلغت أرقاماً ثنائية. وتشكل تركيا، مع الأرجنتين، قصتي إصلاح رئيسيتين تصمدان أمام التهديدات التجارية.
يري عديد من المستثمرين، من بينهم “يو بي إس”، أن السندات المقومة بالعملات المحلية تتحول إلى فئة الأصول المفضلة. رغم أن رسوم ترمب الجمركية قد تؤجج التضخم في الولايات المتحدة، وتؤثر سلباً على مسار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في التيسير النقدي، فإن ذلك لن يعيق تباطؤ التضخم وخفض أسعار الفائدة في الأسواق الناشئة. وقد دفعت هذه التوقعات مؤشر “بلومبرغ” لفئة الأصول إلى تحقيق أفضل بداية للعام منذ 2019.
الحذر ما يزال مستمراً
أشار مارسيلو أسالين، مدير ديون الأسواق الناشئة لدى “وليام بلير” (William Blair)، إلى أن “الاستثمار الانتقائي في السندات المقومة بالعملات المحلية سيتجه إلى تحقيق أداء أفضل من غيره. ستتجه العملات مرتفعة العائد، مثل الريال البرازيلي، والبيزو المكسيكي، والراند الجنوب أفريقي، والليرة التركية إلى التفوق على أداء نظيراتها هذا العام، نظراً لأنها مقيمة بأقل من قيمتها الحقيقية بشكل أساسي، كما أنها تحقق عائداً أكبر بكثير للمستثمرين”.
رغم أن مجموعةً كبيرةً من الاستثمارات التي أظهرت مرونتها حققت أداءً جيداً خلال أول شهرين من العام، يتوخى بعض المستثمرين الحذر تجاه توقع استمرار هذه المكاسب خلال العام بأكمله، إذ شهدت أصول الأسواق الناشئة في آخر يوم من فبراير تراجعاً على جميع المستويات، ما أوضح مدى الهشاشة المحتملة لهذه الاستثمارات أمام أي تصعيد في الرسوم الجمركية.
وعن ذلك قال تشارلز ديبل، مدير أدوات الدخل الثابت لدى “مديولانوم إنترناشيونال فندز” (Mediolanum International Funds)، إنها “عاصفة لن يسلم من تبعاتها أي طرف بشكل كامل”.
أخبار جديرة بالمتابعة
- على مستوى عدة أسواق ناشئة، ستصدر بيانات مؤشر مديري المشتريات والتضخم، ما سيقدم نظرة متعمقة عن النشاط الاقتصاد في بداية العام.
- ستحظى بيانات مؤشري مديري المشتريات “كايشين تشاينا” (Caixin China)، للخدمات والمركب، بمتابعة دقيقة، بعد أن أظهر مؤشر مماثل للتصنيع توسعاً أسرع وتيرة في فبراير.
- سيعلن صناع السياسة في تركيا قرار أسعار الفائدة يوم الخميس، ويتوقع المحللون الاقتصاديون خفضاً بمقدار 250 نقطة أساس إلى 42.5%.
- ستتبع تركيا ذلك بإصدار توقعات التضخم يوم الجمعة، ما سيعطي إشارات إلى احتمال استمرار التيسير النقدي من عدمه.
- ستعلن المجر وجنوب أفريقيا البيانات التفصيلية للناتج المحلي الإجمالي يوم الثلاثاء.
- ستعلن أوكرانيا عن القرار بشأن سعر الفائدة الأساسي يوم الخميس، فيما تواجه البلاد مساراً ضبابياً وسط الخلافات السياسية حول عملية السلام، ويتوقع المحللون الاقتصاديون رفعاً بمقدار 100 نقطة أساس إلى 15.5%.
- سيترقب متابعو المكسيك صدور استطلاع آراء المحللين الاقتصاديين لدى البنك المركزي الإثنين، وبيانات الاحتياطيات الثلاثاء، وبيانات التضخم الجمعة.