المستثمرون الأميركيون يراهنون على أسهم أوروبا سعياً وراء عوائد متفوقة

شهدت الأسواق مؤخراً عودةً لفورة أسهم الميم، حيث استغلّ المستثمرون الأفراد المستعدون للمخاطرة الارتفاعات السريعة في أسهم “كريسبي كريم” (Krispy Kreme) و”كولز” (Kohl)، سعياً وراء مكاسب يمكن أن تتفوق على أرباح مؤشر “ستاندرد آند بورز 500”.
لكن خلال معظم هذا العام، راهنت مجموعة من المستثمرين على اتجاه جديد، يُحتمل أن يكون أكثر استمراراً: وهو أن الأسهم الأوروبية ستتفوق أخيراً على نظيراتها الأميركية، مدفوعةً بحالة أساسية لتحويل بعض أموال الاستثمار إلى أسواق أخرى.
عادت هذه الحالة الاستثمارية للظهور يوم الجمعة، إذ انخفض الدولار تزامناً مع تراجع الأسهم الأميركية بعد تقرير ضعيف عن الوظائف.
تضاعف قيمة شركات صناعات الدفاع الأوروبية
مع سعي الرئيس دونالد ترمب لتحقيق ما يُسمى بأجندة “أميركا أولاً”، حققت شركات الدفاع في أوروبا مكاسب كبيرة بفضل زيادة إنفاق قادة الاتحاد الأوروبي على البنية التحتية العسكرية. تضاعفت قيمة شركة “راينميتال” (Rheinmetall) الألمانية بأكثر من ثلاثة أضعاف من حيث القيمة الدولارية، بينما تضاعفت تقريباً قيمة شركة “ليوناردو” الإيطالية.
قال صموئيل نوفزينغر، المدير العام لشركة “بابليك هولدينغز” (Public Holdings)، وهي منصة تداول مقرها نيويورك: “معظم الأشخاص الذين استثمروا في الأسهم الدولية يحتفظون بحيازاتهم”. وأضاف: “فيما يخص أسهم الميم، شهدنا الاهتمام يتلاشى. يفضل المستثمرون الأفراد ارتفاع الأسعار، وعندما يتوقف ارتفاعها، يفقدون الاهتمام بها بسرعة”.
على نطاق أوسع، ارتفع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 6.1% هذا العام حتى إغلاق يوم الجمعة، ليأتي بفارق كبير وراء قفزة مؤشر سجلها مؤشر “داكس” (DAX) الألماني بنسبة 31%، وارتفاع مؤشر “فوتسي 100” (FTSE 100) البريطاني بنسبة 17% من حيث القيمة الدولارية.
يُمثّل هذا الأداء المتفوق وضعاً معاكساً لما كان عليه الحال في السنوات الـ15 الماضية، عندما كان من الصعب التفوق على الأسهم الأميركية. ولكن مع سعي إدارة ترمب إلى الحد من موجة العولمة، اهتزت حالة الثقة بالنفس لدى العديد من المتداولين الأفراد الأميركيين، وبدأوا يُمعنون النظر في تقارير أرباح الشركات الأجنبية خلال بناء محافظ استثمارية ذات انكشاف دولي أكبر.
الاستثمار في الخارج
استقطبت صناديق المؤشرات المتداولة التي تتبع الأسواق الأوروبية ما لا يقل عن 12 مليار دولار منذ بداية 2025، مما يضعها على مسار تحقيق أفضل أداء سنوي لها منذ عام 2021، وفقاً لـ”بلومبرغ إنتليجنس”. وقد اجتذب صندوق “فانغارد” الأوروبي للمؤشرات المتداولة (The Vanguard European ETF) (VGK) أكثر من 5 مليارات دولار منذ بداية العام، مقارنةً بتدفقات خارجة بلغت ملياري دولار العام الماضي.
تظهر اتجاهات مماثلة في منصات التداول. ففي شركة “بابليك هولدينغز”، ذهب حوالي نصف النمو في صناديق المؤشرات المتداولة غير الأميركية إلى الصناديق الأوروبية. وشهد كل من “بي إن بي باريبا” (BNP Paribas SA) الفرنسي و”نورديا بنك إيه بي بي” (Nordea Bank Abp) الفنلندي أكبر نمو هذا العام بين الأسهم الفردية، في حين ازداد رواج أسهم الشركات الأوروبية القيادية، بما في ذلك “نستله” (Nestlé) و”باير إيه جي” (Bayer AG) و”أديداس” (Adidas)، وفقاً لنوفزينغر.
يُركز بول دي سانتيس، البالغ من العمر 40 عاماً من نيو مكسيكو، اهتمامه على “راينميتال”. بدأ بمتابعة الأسواق الأوروبية لأول مرة في عام 2022، حيث عززت الحرب في أوكرانيا شركات الدفاع. استثمر بعض المال في شركة تصنيع الأسلحة الألمانية آنذاك، وزاد استثماراته منذ انتخاب ترمب في نوفمبر.
اقرأ أيضاً: إنفاق غير مسبوق وتسابق تكنولوجي.. صناعة الدفاع البولندية تواجه اختبار “حارس بوابة أوروبا”
وقال: “لقد أصبح أشبه بسهم ميم فعلياً”، مشيراً إلى أنه يحوز أيضاً مركزاً في شركة الدفاع الإيطالية “ليوناردو”.
تنويع الاستثمارات
انخفضت الأسهم الأميركية بشكل حاد بعد أن أعلن ترمب عن فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على الشركاء التجاريين في أبريل، مما أدى إلى هبوط حاد في قيمة الدولار. وبينما تعافت الأسواق منذ ذلك الحين، أصبح الحديث المتعلق بالتنويع الجغرافي أكثر إقناعاً. تفوقت الأسهم الأوروبية على نظيراتها الأميركية بأكبر هامش قياسي من حيث القيمة الدولارية خلال النصف الأول من هذا العام. ويتبع المستثمرون الأفراد خطى أموال المؤسسات في زيادة انكشافهم على أوروبا.
لم يزر جوزيف بيغونيس أوروبا قط، لكن ذلك لم يمنع المتداول المقيم في تامبا، والذي يبلغ من العمر 38 عاماً، من المراهنة على كل شيء، من بنك “بانكو سانتاندير” (Banco Santander) الإسباني إلى “دويتشه تيليكوم” (Deutsche Telekom).
يستثمر بيغونيس في الأسهم الأوروبية على نطاق واسع لأول مرة، حيث استثمر حوالي 10,000 دولار في صندوق فانغارد للمؤشرات المتداولة الذي يتتبع أسهم كبرى الشركات في القارة. وقد أقدم على هذه الخطوة الجريئة بعد استماعه لبودكاست عن الأسواق تناول فيه المتحدثون كيفية استفادة أوروبا من الاضطرابات السياسية والاقتصادية الأميركية.
وقال بيغونيس، في إشارة إلى خطط زيادة الإنفاق من قبل أعضاء الناتو والاتحاد الأوروبي: “هناك حوالي 800 مليار دولار مخصصة للقطاع الدفاعي في الدول الأوروبية. أنا أؤمن بأهمية تتبع مسار المال”.
ضعف الدولار يدفع إلى الأسهم الأوروبية
حتى مع تسجيل مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” مستويات قياسية جديدة، دفع ضعف الدولار المستشارين الماليين إلى التوصية لعملائهم باستثمار المزيد من الأموال في الأسهم الأوروبية. بالإضافة إلى ذلك، فإن إضافة هذه الأسهم إلى المحفظة الاستثمارية يمكن أن تكون وسيلة فعالة لتنويع الاستثمارات في حال شهدت الأسواق الأميركية انخفاضاً آخر، وفقاً لجيف ماكديرموت، مالك شركة “كرييت ويلث فايننشال بلانينغ” (Create Wealth Financial Planning).
ويواصل البعض أيضاً القول إن تقييمات الأسهم الأميركية مبالغ فيها بعد سنوات من الأداء القوي. لاقت هذه الفكرة صدى لدى ليا هولمغرين، وهي مستثمرة في ميامي. اشترت أسهماً في “راينميتال” و”ليوناردو” في وقت سابق من هذا العام، بالإضافة إلى صندوق “فانغارد” المتداول في البورصة.
وقالت هولمغرين “لقد مرت أوروبا بفترة عصيبة للغاية خلال العقد الماضي، لذا هناك الكثير من القيمة. لم تصبح الأسعار مبالغاً فيها بعد”.