المتداولون يندفعون لسوق الخيارات مع تصاعد المخاطر الجيوسياسية

أثّرت الضربات التي شنتها إسرائيل على إيران وما تبعها من رد فعل، على الأسواق يوم الجمعة، ما دفع المتداولين إلى الاندفاع نحو عقود خيارات التحوط، وسط تساؤلات مستمرة حول مدى إمكانية استمرار هذا الصراع.
وقال توماش فارغا، المحلل لدى شركة الوساطة في الطاقة “بي في إم” (PVM): “يشكل التصعيد بين إسرائيل وإيران، بما في ذلك الضربات على الأهداف النووية والعسكرية، نقطة تحول في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، وقد بدأت تداعياته تنعكس بالفعل على الأسواق العالمية”.
وأضاف أن “مضيق هرمز، الذي يمر عبره 20 مليون برميل من النفط يومياً، بات الآن على حافة الخطر الجيوسياسي”.
وفي ما يلي بعض الطرق التي يتخذها المتداولون لتجهيز أنفسهم لمواجهة حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق:
النفط: تحول في منحنى الأسعار
في الأيام التي سبقت الهجوم، تكهّن بعض المحللين بأن أي ضربة قد تدفع الأسعار لتتجاوز 100 دولار للبرميل. واندفع المتداولون نحو خيارات الشراء الصعودية، وتزايدت هذه الوتيرة بشكل هائل بمجرد بدء الطائرات الإسرائيلية بقصف أهداف في إيران، بعد افتتاح الأسواق في آسيا يوم الجمعة.
قفزت التقلبات الضمنية في أسعار العقود الآجلة لخام “برنت” و”غرب تكساس” الوسيط بنسبة وصلت إلى 14%. وأدى الإقبال الهستيري على خيارات الشراء إلى رفع علاوة الاتجاه الصعودي إلى مستويات لم تُسجل منذ الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022، مع ازدياد الإقبال بعد الضربة الانتقامية الإيرانية.
وقال روبرت يواغر، مدير قسم العقود الآجلة للطاقة في شركة “ميزوهو سيكيوريتيز أميركا” (Mizuho Securities USA): “الطريقة التي يتعامل بها المضاربون هي شراء كل ما هو متاح من خيارات الشراء بأسرع ما يمكن، من دون أي اعتبار لما يدفعونه”. وأضاف: “ناهيك عن أن بعضهم يقوم بالتحوط ضد مراكز البيع على المكشوف”.
التداعيات لم تقتصر على السعر الفوري فقط، بل تغيّر شكل منحنى العقود الآجلة بشكل جذري خلال أيام قليلة، مما أثر على ملايين البراميل من خيارات الفروقات الزمنية لخام “غرب تكساس”، التي تراهن على الفارق بين شهور التسليم.
وقد اختفى الشكل المعروف باسم “عصا الهوكي” الذي كان يعكس مخاوف من تخمة نفطية في العام المقبل، ليحل محله هيكل هبوطي، حيث يدفع المتداولون علاوة مقابل التسليم الفوري.
سجلت عقود الخيارات المفتوحة مستوى قياسياً جديداً يوم الجمعة، مع إضافة ما يعادل نحو 38 مليون برميل من المراكز خلال الأسبوع، عبر مجموعة واسعة من أسعار التنفيذ.
الذهب: ملاذ تقليدي يرتفع مع تصاعد التوتر
يتكرر الاندفاع نحو الذهب، الذي حدث في أبريل خلال اضطرابات الرسوم الجمركية، ولكن على نطاق أصغر مع تصاعد التوترات الجيوسياسية.
فقد ارتفع ميل خيارات الشراء لأجل شهر واحد في صندوق المؤشرات المتداولة “إس بي دي آر غولد شيرز” (SPDR Gold Shares – GLD) إلى أعلى مستوى منذ 16 أبريل، فيما يقترب المعدن من تسجيل مستوى قياسي جديد.
وقال فيل ستريبيل، كبير محللي السوق لدى “بلو لاين فيوتشرز”: “في كل مرة يحدث فيها تصعيد جيوسياسي، يتجه المستثمرون نحو أدوات التحوط مثل الذهب”. وأضاف أن المستثمرين قد يتوسعون نحو الفضة أيضاً.
الأسهم: تذبذب محدود وردة فعل محسوبة
أدى التصعيد الأخير في التوترات بالشرق الأوسط إلى تأثير متوقع في أسواق تقلبات الأسهم، حيث شهد عقد شهر واحد لمؤشر تقلبات “سي بو” (Cboe Volatility Index) طلباً قوياً.
ومع ذلك، اعتاد المتعاملون في السوق على التقلب، وغالباً ما تتلاشى التحركات المرتبطة بالتوترات السياسية بسرعة، بمجرد أن يبدأ خطاب التهدئة.
وعلى الرغم من تراجع الأسهم في وقت متأخر من الجمعة، فإن انخفاض مؤشر “إس آند بي 500” بأكثر من 1% لن يسهم كثيراً في الحد من انكماش التقلبات المحققة، سواء على أساس يومي أو خلال جلسة الإغلاق. وطالما بقيت الأسواق تملك “دليل التعامل مع الأزمات”، فإن الربح من خلال استغلال التقلبات قد يستمر في تخييب الآمال.
وقال بين إيفرت، الشريك الإداري والرئيس المشارك للاستثمار في “كيو في آر أدفايزرز”: “عادةً ما تخلق الأحداث الجيوسياسية رد فعل أولي حاد لا يكون له تأثير طويل المدى، إلا إذا وُجد سبب محدد للغاية”. وأضاف: “رد فعل تقلبات الأسهم لم يكن كبيراً جداً، ومن المرجح أن يتلاشى”.
الدولار الأميركي: تحركات محدودة رغم التصعيد
في حين سجل الدولار أدنى مستوى له في ثلاث سنوات يوم الخميس، قبيل قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة، فقد أظهرت تحركات عقود الخيارات أن هذا التراجع بدأ يفقد زخمه. ولم تُحدث الهجمات تأثيراً يُذكر على هذا الاتجاه.
استمر انخفاض التقلبات الضمنية لأجل شهر على مؤشر “بلومبرغ للدولار الفوري” منذ أوائل أبريل، بينما كانت انعكاسات المخاطر يوم الجمعة الأقل تشاؤماً منذ 9 أبريل.
وتأتي عودة المخاطر الجيوسياسية على رأس اضطرابات داخلية في أجزاء من الولايات المتحدة، إلى جانب حالة عدم اليقين بشأن تأثير السياسات الاقتصادية والتجارية الأميركية على النمو.
وقالت نيكي شيلز، رئيسة استراتيجية المعادن لدى شركة “إم كيه إس بامب” (MKS PAMP SA) ومقرها جنيف: “إن الأحداث التي وقعت خلال الليل في الشرق الأوسط تحول الانتباه عن احتجاجات الهجرة في الولايات المتحدة، وسياسات التجارة والحروب التجارية، والتركيز على قانون ترمب الضريبي الذي يبحث مجلس الشيوخ إقراره”.