العيد في المغرب بدون أضاحي.. ما التأثيرات الاقتصادية للإلغاء؟

اعتاد عبدالقادر مروني انتظار عيد الأضحى ليحقق أحد أهم إيراداته السنوية من بيع الأغنام، لكن هذا العام سيكون استثناءً بعدما قررت السلطات المغربية إلغاء ذبح الأضحية لأول مرة منذ تسعينات القرن الماضي، بسبب تأثير سنوات الجفاف على قطعان الماشية.
عانت المملكة في السنوات الست الماضية من أطول فترة جفاف في تاريخها المعاصر، وهو ما أثر على القطاع الزراعي الذي يُسهم بنحو 14% بالناتج المحلي. لذلك دعا الملك محمد السادس في فبراير الماضي إلى “عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لأن ذلك سيلحق ضرراً بفئات كبيرة من أبناء الشعب، لاسيما ذوي الدخل المحدود”.
ومنذ بدء انحباس المطر، أقرت الحكومة دعماً لاستيراد الماشية من الخارج لتخفيف الضغط على القطيع المحلي، لكن تفاقم الأوضاع المناخية جعلت الأعداد المتوفرة للذبح لهذا العام تقل بالنصف عن الطلب المتوقع ولذلك جاء قرار الإلغاء، إذ كانت تشير توقعات وزارة الفلاحة إلى نحر حوالي 6 ملايين رأس ماشية هذا العام.
رواج الأضاحي في المغرب 1.3 مليار دولار
عيد الأضحى يُعتبر من المناسبات الدينية والاجتماعية المهمة في المغرب، حيث يُعد ذبح الأضحية أحد الركائز الأساسية لهذا العيد، ويشكل نشاطاً اقتصادياً يبث ديناميكية في الأسواق ويُحفز الإنتاج الزراعي وتربية الماشية في القرى.
عبد القادر مروني، وهو مربي ماشية في عقده الرابع يعيش بضواحي مدينة صفرو، قال إن عيد الأضحى محطة سنوية أساسية لكل الفلاحين لتحقيق مدخول جيد لتغطية نسبة مهمة من النفقات طيلة العام. لكنه بقدر ما هو متأسف لضياع فرصة بيع 50 رأس ماشية هذا العام، يحدوه الأمل بمواسم فلاحية خصبة في السنوات المقبلة.
يحقق موسم عيد الأضحى في المملكة أكثر من 12 مليار درهم (1.3 مليار دولار)، بحسب معطيات وزارة الفلاحة المغربية. إذ يمثل محطة مهمة لبيع قطعان الأغنام والماعز وتحسين دخل الفلاحين ومربي الماشية، وتستفيد القرى من حصة الأسد من هذه الإيرادات.
قرار إلغاء الذبح هذا العام له تداعيات سلبية لكن الهدف كان للمصلحة العامة. يقول رشيد بنعلي، رئيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، إن “إلغاء ذبح أضحية العيد قرار حكيم وجاء في الوقت المناسب، إذ من شأنه المساهمة في إعادة تشكيل قطيع الماشية وهذا من أجل المصلحة العامة”.
وأضاف في حديث لـ”الشرق” أن “القرار له تأثير سلبي على مربي الماشية، لكن هناك أولوية إعادة تشكيل القطيع الذي يتطلب على الأقل ثلاث سنوات، وهذا سيعود بالنفع على القطاع في السنوات المقبلة”.
ليست هذه المرة الأولى التي يقرر فيها المغرب إلغاء ذبح أضاحي العيد، وهي سنّة تحولت إلى عادة مجتمعية لا تتخلى عنها معظم الأسر المغربية مهما كانت الظروف. وتمارس 87% من الأسر المغربية شعيرة عيد الأضحى، وفقاً لإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، الجهاز الحكومي المعني بالإحصاءات.
وسبق للملك المغربي الراحل الحسن الثاني أن ألغى الشعيرة ثلاث مرات في ستينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي، الأولى كانت بسبب الظروف الاقتصادية الناتجة عمّا سُمي بـ”حرب الرمال” التي اندلعت آنذاك مع الجارة الجزائر، أما المناسبات الأخرى فكانت كلها بسبب ظروف الجفاف.
برنامج حكومي بـ6.2 مليار درهم
يُساهم النشاط الاقتصادي الذي يحققه موسم عيد الأضحى في تغطية مصاريف الأنشطة الفلاحية الأخرى مثل الزرع والحصاد، وستكون هذه السنة حرجة للفلاحين المغاربة بالنظر لتزامن المناسبة الدينية مع فصل الصيف الذي تدشن فيه آلات الحصاد عملها في مختلف مناطق البلاد.
لتخفيف هذا الضغط، أطلقت الحكومة في مايو الماضي برنامجاً بـ6.2 مليار درهم (حوالي 650 مليون دولار) لدعم مربي الماشية وإعادة تشكيل قطيع الماشية يغطي العامين الحالي والمقبل. سيتم بموجبه إلغاء جزئي وتأخير سداد ديون مربي الماشية، ودعم الأعلاف، بالإضافة إلى دعم موجه لمنع ذبح إناث الماشية، وإطلاق حملة وقائية علاجية.
يشمل البرنامج الحكومي إلغاءً جزئياً لبعض الديون والفوائد المترتبة عليها وإعادة جدولة الديون لحوالي 50 ألف مربّي ماشية بكلفة تصل إلى 700 مليون درهم ستتحملها ميزانية الدولة، كما سيتم تخصيص دعم قدره 400 درهم مقابل عدم ذبح إناث الماشية للحفاظ على القطيع بهدف بلوغه أكثر من 8 ملايين رأس بحلول مايو من العام المقبل.
يرى يوسف كراوي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أن إعادة جدولة الديون لمربي الماشية أمر بالغ الأهمية، إضافةً إلى الدعم المباشر على رؤوس الإناث، واعتبر في حديث لـ”الشرق” أن قرار إلغاء ذبح أضحية هذا العام جنّب المغرب سيناريو النقص الحاد في مادة اللحوم التي ستؤثر على ارتفاع التضخم في قطاعات وصناعات تحويلية عديدة.
تناقص أعداد مربي الماشية 30%
دفعت مواسم الجفاف القاسية في المغرب إلى عزوف عدد من الفلاحين عن نشاط تربية الماشية بالنظر لقلة المراعي واضطرارهم بسبب ذلك للإنفاق أكثر على الأعلاف.
تناقص عدد الممارسين لهذه النشاط الفلاحي بنسبة 30% في الموسم الفلاحي الحالي إلى 600 ألف، وفقاً لأرقام وزارة الفلاحة. وينتظر العازفون عودة المواسم المطيرة لتشكيل قطعانهم من جديد.
“الدعم الحكومي سيخفف بعضاً من الخسائر المترتبة على إلغاء الذبح، في انتظار أن يساهم الجميع في تحقيق هدف إعادة تشكيل القطيع”، يقول مروني في حديث لـ”الشرق”. لكن لا يعوّل هذا الفلاح على الدعم لأنه لن يغطي كل ما أنفقه منذ بداية الموسم، ولذلك استغل التساقطات المطرية خلال فصل الربيع لزرع بعض الخضراوات الربيعية وبيعها محصولها في الأسواق الأسبوعية المحلية.
خلال السنوات الماضية، دعمت الحكومة استيراد الماشية من الخارج، لكن الجهود لم تنجح لأن توالي سنوات الجفاف جعل الطلب على اللحوم أكبر من المعروض المتوفر. وسجلت أسعار هذه السلعة الغذائية الأساسية ارتفاعاً كبيراً إذ تجاوز سعر الكيلوغرام 120 درهماً، بعدما كان في السابق في حدود 60 درهماً.
وأوضح كراوي في حديث لـ”الشرق” أن “إيرادات عيد الأضحى بالنسبة لمربي الماشية مهمة جداً، لكن من شأن الدعم الحكومي أن يخفف من ظروفهم الصعبة على أمل النجاح في هدف إعادة تشكيل القطيع والعودة إلى الوضع الطبيعي مستقبلاً لضمان توازن في سوق الماشية واللحوم الحمراء التي تلقى الإقبال طيلة السنة”.
كلفة استيراد الماشية
خلال العام الماضي بلغت تكلفة استيراد الماشية من الخارج نحو 5.5 مليار درهم، بارتفاع 95% على أساس سنوي، بحسب إحصائيات مكتب الصرف جهاز الإحصاء الحكومي. ورافق الدعم الحكومي للمستوردين الكثير من الجدل في البرلمان، إذ كان يُفترض أن تُباع رؤوس الماشية المستوردة من دول عدة مثل أستراليا بأسعار منخفضة، وحاولت فرق برلمانية من المعارضة تشكيل لجنة تقصي حقائق لكن فشلت في جمع الدعم اللازم لذلك.
تمثل أضحية عيد الأضحى حوالي 30% من إجمالي النفقات السنوية للأسر المغربية المخصصة لاستهلاك اللحوم، وفقاً لأرقام رسمية. ويصل متوسط الاستهلاك السنوي للأسر من اللحوم 141 كيلوغراماً، منها 55.8 كيلوغرام من اللحوم الحمراء.
ورغم قرار الإلغاء، بدا أنه من الصعب إيقاف ارتفاع الطلب على اللحوم خلال العيد، حيث زاد الإقبال على شراء أجزاء من أضاحي مذبوحة لدى محلات الجزارة، وهو ما تسبب في زيادة بأسعار اللحوم امتدت أيضاً إلى الدجاج بالتبعية. وتحاول السلطات منع ذبح الأضاحي التزاماً بحملات توعوية وأخرى زجرية.