الصين تلجأ إلى صندوق الإسكان الحكومي لدعم قطاع العقارات المتعثر

تلجأ الصين إلى مصدر تمويل غالباً ما يتم تجاهله تبلغ قيمته 10.9 تريليون يوان (1.5 تريليون دولار) لإنقاذ قطاع الإسكان، حيث توفر للسكان بديلاً عن القروض العقارية المصرفية.
وأصبح صندوق الادخار السكني، وهو برنامج ادخار حكومي يُستخدم لمساعدة الناس على شراء المنازل، وسيلة تمويل متزايدة الأهمية، في وقت باتت البنوك أكثر حذراً بسبب تحديات الربحية. وقد تفوق الصندوق على البنوك في تقديم القروض، إذ بلغ حجم القروض العقارية القائمة لديه 8.1 تريليون يوان العام الماضي.
وقالت تشن وينجينغ، مديرة الأبحاث لدى شركة “تشاينا إندكس هولدينغز” إن الصندوق “في طليعة السياسات التي تُستخدم لدعم سوق الإسكان”. وأضافت: “تواجه السوق ضغوطاً مستمرة، وقد استفادت العديد من الحكومات المحلية من هذه السياسة لتخفيف عبء الرهن العقاري”.
نموذج مستوحى من سنغافورة
يُعد البرنامج، الذي تبنّته الصين من سنغافورة قبل ثلاثة عقود، نظاماً يُلزم الموظفين وأرباب العمل بالمساهمة شهرياً في صندوق يمكن من خلاله تقديم قروض عقارية، غالباً بمعدلات فائدة أقل من تلك التي تقدمها البنوك.
وكان الرئيس شي جين بينغ قد تعهّد بمساعدة البلاد على إنعاش سوق العقارات المتعثرة والتصدي للصدمات الخارجية، وهي مهمة عادت إلى الواجهة هذا الشهر، بعد أن تبادلت الولايات المتحدة والصين الاتهامات بانتهاك هدنة تجارية أُبرمت في مايو.
وتزداد أهمية صندوق الادخار السكني في وقت تواجه البنوك، التي كُلّفت بدعم الاقتصاد خلال السنوات القليلة الماضية، ضغوطاً ناجمة عن هوامش ربح قياسية منخفضة، وتباطؤ نمو الأرباح، وارتفاع القروض المتعثرة.
تعافي سوق الإسكان لا يزال هشاً
يُعد تسهيل التمويل العقاري أمراً مهماً في ظل تباطؤ انتعاش سوق الإسكان في الصين. إذ من المتوقع أن يشهد أكبر 100 مطور عقاري في البلاد انخفاضاً في المبيعات التعاقدية بنسبة لا تقل عن 10% هذا العام، لتصل إلى نحو 3.4 تريليون يوان، أي أقل من ثلث ذروة المبيعات المسجلة في عام 2020، وفقاً لمحللة “بلومبرغ إنتليجنس” كريستي هونغ.
واستمرت مبيعات الوحدات السكنية في التراجع خلال شهر مايو. فقد شهدت شركة “كانتري غاردن هولدينغز” العملاقة المتعثرة انخفاضاً في مبيعاتها بنسبة 28% الشهر الماضي، مما عكس مخاوف المشترين بشأن وضع الشركة والقطاع ككل.
تحديات سابقة أمام الصندوق
في السابق، لم يُستفد كثيراً من صندوق الادخار السكني، ويرجع ذلك جزئياً إلى العديد من القيود.
عند شراء المنازل، غالباً ما تلجأ الطبقة المتوسطة في الصين إلى قرض مشترك: جزء أكبر من بنك بأسعار فائدة أعلى، وقرض أصغر وأقل تكلفة من صندوق الادخار.
ويُحدد مقدار القرض الذي يمكن للفرد الحصول عليه من الصندوق بناءً على مجموعة من العوامل، بما في ذلك مقدار ما أودعه في الصندوق وحالته الاجتماعية. كما كانت معظم المناطق تمنع استخدام أموال الصندوق لسداد الدفعة الأولى.
منذ العام الماضي، بدأت العديد من المدن في تخفيف القواعد. فخلال هذا العام وحده، خفّفت ما لا يقل عن 50 مدينة بلدية ومدينة القيود على كيفية استخدام القروض التي يقدمها صندوق الادخار السكني، بما في ذلك زيادة المبالغ المسموح بسحبها، وفقاً لـ “تشاينا إندكس هولدينغز”.
وفي خطوة حديثة، خفّض البنك المركزي أسعار الفائدة على القروض العقارية التي يقدمها الصندوق، لتصبح أقل بنحو 0.9 نقطة مئوية من الفائدة المصرفية على القروض العقارية.
وقد زاد الإقبال على استخدام الصندوق. ففي العاصمة بكين، تم تمويل 33% من القروض العقارية السكنية عبر الصندوق العام الماضي، مقارنة بـ 29.4% في عام 2020.
تخفيض محدود في كلفة الاقتراض
رغم أن التخفيض الأخير في أسعار الفائدة يقلل تكلفة الاقتراض لشراء منزل بنحو 3%، فإنه يُعد “تخفيفاً محدوداً نسبياً”، ومن غير المرجّح أن يؤدي إلى انتعاش في مبيعات المساكن، بحسب ليو جيتشي، محلل العقارات المقيم في هونغ كونغ لدى “يو أو بي كاي هيان”.
وقال: “إنها إشارة إلى جهود الحكومة. لكن في النهاية، يتوقف تعافي سوق العقارات بشكل واسع على التنفيذ الفعّال للسياسات وتحسّن التوقعات الاقتصادية”.
في الوقت الحالي، يساعد صندوق الادخار السكني في سد فجوة التمويل، مع تراجع إقراض البنوك. فقد نما إجمالي القروض العقارية القائمة لدى الصندوق بنسبة 3.4% في عام 2024، في حين تراجعت قروض البنوك التجارية بنسبة 1.3%.
وعلى عكس البنوك، يمتلك الصندوق موارد وفيرة تمكنه من التوسع بشكل أكثر جرأة في الإقراض. فبفضل مساهمات نحو 180 مليون موظف ورب عمل في أنحاء البلاد، بلغ إجمالي موجودات الصندوق 10.9 تريليون يوان حتى عام 2024، وهو أعلى من إجمالي قروضه العقارية القائمة، وفقاً للبيانات الرسمية.
تجربة مشترية شابة
تُعد الباحثة في مجال علوم الكمبيوتر إيلي تشانغ نموذجاً للمشترين الشباب المستفيدين من الصندوق. فقد اشترت الشابة البالغة من العمر 30 عاماً منزلاً بمساحة 700 قدم مربعة (65 متراً مربعاً) في ضواحي بكين عام 2023.
ومنذ ذلك الحين، كانت تستخدم صندوق الادخار السكني شهرياً للمساهمة في سداد جزء من قرضها العقاري البالغ 550 ألف دولار.
وقالت تشانغ: “كلفة قروض صندوق الادخار السكني تنخفض أكثر فأكثر. بفضل هذا الصندوق، أصبح قرضي العقاري في المتناول تماماً”، مشيرة إلى أنها تدفع حالياً فائدة تبلغ نحو 2.85% على القرض المأخوذ من الصندوق.