اخر الاخبار

السعودية تتطلع لقطف ثمار المشاريع الكبرى وسط ترشيد الإنفاق

مع بداية العام الجديد، تترقب السوق السعودية قرار صندوق الاستثمارات العامة بشأن خطط إنفاقه في 2025، التي ستكشف -إلى حد كبير- أولويات المملكة بعد الفوز بتنظيم كأس العالم 2034، والنقاش الذي امتد طوال العام الماضي بشأن احتمالات التغيير في برامج تنفيذ المشاريع الكبرى، وسط تفاؤل بأن عدداً منها ستبدأ بالفعل خلال الشهور المقبلة في ضخ عوائد على الميزانية.

لن تكون مراجعة أولويات الإنفاق مؤثرة إلى حد كبير بحسب وكالة التصنيف الائتماني “موديز”، إذ قالت بتقرير أصدرته في نوفمبر: “رغم أن الحكومة بدأت بمراجعة مالية أدّت إلى إعادة ضبط الأولويات لبعض المشاريع، نتوقع أن يظل الإنفاق الرأسمالي والاستثمارات المحلية للصندوق مرتفعين نسبياً خلال السنوات القادمة”. وشهدت ميزانية المملكة للعام 2025 رصد حوالي 50 مليار دولار للإنفاق الاستثماري.

وفي مارس، توقعت “ماكينزي” للاستشارات أن يصل إنفاق السعودية إلى أكثر من 175 مليار دولار سنوياً بين عامي 2025 و2028، لتلبية المشاريع الكبرى قيد التنفيذ في المملكة. 

5 مشاريع كبرى

يُعتبر صندوق الاستثمارات العامة السعودي واحداً من أكبر خمسة صناديق سيادية في العالم بأصول تناهز 940 مليار دولار، ويمثل الذراع الاستثمارية الأساسية للمملكة في مبادرتها لتنويع اقتصادها المعروفة باسم “رؤية 2030”. وتضم محفظة الصندوق خمسة من المشاريع الكبرى النابعة من هذه الخطة التي تتجاوز قيمتها تريليون دولار، وفق أكثر التقديرات تحفظاً، وهي: نيوم، وروشن، والقدية، والبحر الأحمر الدولية، والدرعية.

نيوم

يُعتبر هذا المشروع الذي يقع على مساحة 26.5 ألف كيلومتر مربع في شمال غرب المملكة أهم وأشهر مشاريع “الرؤية”، ويضم حتى الآن 5 مناطق أساسية هي: “ذا لاين”، “أوكساغون”، “تروجينا”، “مقنا” و”سندالة”.

خلال 2024 عززت “نيوم” تمويلاتها عبر تسهيلات إئتمانية حصلت عليها في أبريل بقيمة 10 مليارات ريال (2.7 مليار دولار) لدعم الأعمال في 4 مشاريع هي “ذا لاين” و”أوكساچون” و”تروجينا” و”سندالة”، ثم بضمانات تمويل حصلت عليها في نوفمبر من “Sace” الإيطالية بقيمة 3 مليارات دولار . 

بينما أفادت تقارير من “بلومبرغ” أن السعودية قلصت طموحاتها متوسطة الأجل بشأن المشروع.

روشن

هي شركة عقارية تتولى مهمة بناء 200 مليون متر مربع من المجمعات السكنية، لتحقيق أحد أهداف الرؤية وهو رفع نسبة تملك المساكن بين السعوديين إلى 70%.

أطلقت “روشن” خلال العام 2024 مجمعين سكنيين أضيفا إلى أربعة مجمعات سبق إطلاقهم في الفترة السابقة، حيث أعلنت في مارس عن مشروع “المنار” كخامس مجتمع متكامل متعدد الاستخدامات للمجموعة، والأول في مكة المكرمة، وفي الشهر التالي أطلقت مشروع “الدانة”، سادس مجتمعاتها المتكاملة والأول في الظهران.

وشملت أعمال التطوير خلال العام توقيع مذكرة تفاهم مع شركة البنية التحتية للسيارات الكهربائية “EVIQ” لتشييد بنية تحتية لشحن السيارات الكهربائية في مشاريعها، واتفاقية تعاون مع “جوجل كلاود” للاستفادة من الذكاء الاصطناعي، واتفاقات مع أربعة بنوك سعودية لتقديم خدمات مصرفية مخصصة للمطورين الفرعيين العاملين مع الشركة. واتفاق مع “أرامكو” لبناء الملعب الرئيسي لنادي القادسية.

أما عن التمويلات التي حصلت عليها “روشن”،فقد أعلنت في أكتوبر عن حصولها على تسهيلات ائتمانية مُجمعة من عدة بنوك بقيمة 9 مليارات ريال سعودي (2.4 مليار دولار). 

القدية

مشروع لبناء مدينة على مساحة 360 كيلومتر مربع، بين جبال طويق قرب الرياض، تطمح أن تكون وجهة عالمية للترفيه والرياضة والثقافة.

وشملت الإنشاءات التي تم الإعلان عنها خلال العام: ملعب الأمير محمد بن سلمان الذي سيكون أحد الملاعب المستضيفة لكأس العالم، وحلبة القدية الجديدة المنتظر أن تستضيف بطولة العالم لسباقات “فورمولا 1”. 

وفي مايو ضمت “القدية” للاستثمار ، شركة مشاريع الترفيه “سفن” إلى مجموعة شركاتها، لتحقيق التكامل بين أنشطتهما في القطاع، بحسب بيان الشركة.

البحر الأحمر الدولية

شركة البحر الأحمر الدولية تشرف على تنفيذ مشاريع سياحية على امتداد الساحل الغربي للمملكة، وتركز أساساً على تطوير وجهتين فاخرتين هما: “أمالا”، و”مشروع البحر الأحمر”.

وفق الرئيس التنفيذي جون باغانو فإن الشركة أنفقت 27 مليار دولار لإكمال ثلث مشروع البحر الأحمر، الذي يضم 24 منتجعاً ستعمل بكامل طاقتها بحلول نهاية 2025، ومن المتوقع إنفاق مثل هذا المبلغ بحلول 2030 للمضي قدماً في أعمال التنمية المصممة لجذب المزيد من السياح.

 الشركة افتتحت ضمن “وجهة البحر الأحمر” منتجع “شيبارا” مؤخراً، و”ديزيرت روك”، أما العام القادم فسيشهد افتتاح 11 منتجعاً جديداً.

الدرعية

مشروع سياحي وسكني له بعد ثقافي وتاريخي داخل العاصمة، من المفترض أن يستقطب عند اكتماله 100 ألف مقيم، ويستقبل 25 مليون زائر سنوياً.

في يوليو وقعت “الدرعية” عقداً مع شركة “السيف مهندسون مقاولون” (ESEC) بالشراكة مع “الشركة الصينية للهندسة المعمارية” (CSCEC)، لتنفيذ مشروع أعمال بناء وتشييد في المنطقة الشمالية من الدرعية، بقيمة تتجاوز 7.8 مليار ريال (نحو ملياري دولار).

وفي نفس الشهر تعاقدت مع “أورباكون” السعودية، و”البواني” القابضة، لتنفيذ مشروع بناء 4 فنادق فاخرة ونادي الدرعية الملكي للفروسية والبولو، في وادي صفار بالدرعية، بقيمة 8 مليارات ريال (2.13  مليار دولار).

وفق آخر تقرير سنوي صادر عن الصندوق في نهاية 2023 فإن هذه المشاريع تمثل قفزة نوعية نحو إعادة تشكيل الاقتصاد السعودي وتحقيق تحول جذري في المملكة خلال العقود المقبلة، وأنشأ الصندوق كيانات مملوكة له بالكامل “لتوجيه التمويل اللازم وتنفيذ هذه المشاريع، مع العمل على جذب المستثمرين العالميين للمشاركة”.

مرونة التخطيط والتنفيذ

الميزانيات المخصصة لبعض هذه المشاريع شهدت خلال العام المنقضي تقليصاً بلغت نسبته 20% مُقارنةً بالمبالغ التي طلبتها لتنفيذ خططها السنوية، ونقلت “بلومبرغ” في وقت سابق أن صندوق الاستثمارات العامة يستعد لتقليل الإنفاق للعام الثاني على التوالي، في وقت قد يزيد من سرعة تنفيذ مشاريع أخرى، بما يعكس تغيراً في الأولويات.

ونقلت الوكالة عن مصادر مطلعة أن الصندوق يُراجع أيضاً ميزانيات مشاريع لم يتم الإعلان عنها بعد، وأن القرار النهائي سيحسم في اجتماع لمجلس الإدارة.

المرونة في تخطيط وتنفيذ المشاريع ليست طارئة على الحكومة السعودية ولا ترجع فقط لعجز الميزانية المتوقع أن يستمر حتى 2027، حيث أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -في لقاء مغلق مع اقتصاديين عام 2023- أن خطط الرؤية ومشاريعها تراجع دورياً من قبل لجان متخصصة تعمل على المواءمة بين تلك المشاريع وفرزها وتصنيفها، وفقاً لأولويات المرحلة، ونقل رئيس تحرير “الاقتصادية” محمد البيشي، الذي كان حاضراً هذا الاجتماع، عن ولي العهد قوله: “الرؤية ليست قرآناً”.

صندوق النقد يوصي بتوضيح الأولويات

صندوق النقد الدولي لم يكتف بتأييد اتجاه الحكومة السعودية لتبديل أولويات الإنفاق، وإنما ذهب إلى التوصية بتعديل أهداف “رؤية 2030” بناءً على هذا التغيير. 

في سبتمبر الماضي أصدر الصندوق تقريره السنوي بعد المشاورات مع المملكة – كما يحصل كل عام مع الدول الأعضاء وفق المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس الصندوق- وجاء فيه أن “المجلس التنفيذي أيّد إعادة معايرة الإنفاق الاستثماري في السعودية، حيث ساعد في الحد من مخاطر فورة النشاط الاقتصادي”.

واقترح التقرير “الإعلان عن التأثير المباشر لذلك على أهداف رؤية 2030 للمساعدة في إبراز أولويات الحكومة ودعم توقعات المستثمرين”.

 أما السبب في مساندة تغيير برامج الإنفاق فأوضحه رئيس بعثة الصندوق إلى السعودية أمين ماتي في مقابلة مع “الشرق” قال فيها: “خلال العام الماضي كنا قلقين من مخاطر فورة النشاط الاقتصادي، وبالتالي فإن عملية إعادة المعايرة التي قامت بها السلطات السعودية للتأكد من أن تنفيذ المشاريع يتماشى مع قدرة الاقتصاد، هي خطوة مهمة جداً للتقليل من مخاطر سخونة الاقتصاد”. 

تعديل الخطط لا الأهداف

في المقابل كان الموقف الحكومي ثابتاً طوال العام، ويتلخص في أنه من الوارد إعادةُ النظر في خطط تنفيذ المشاريع، وتغيير الأولويات، إنما تظل الأهداف النهائية كما هي دون تبديل. 

في هذا السياق صرح وزير المالية محمد الجدعان، في افتتاح اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض خلال شهر أبريل ، بأنه “لا بد من تعديل المخططات الاقتصادية للدول للتعامل مع المتغيرات”، لكنه نفسه أكد في حديث إلى “الاقتصادية” في الشهر التالي أن المملكة ستواصل الإنفاق الاستراتيجي على برامج “رؤية 2030” والمشاريع الكبرى ذات العائد الاقتصادي المستدام.

التعبير الأكثر وضوحاً عن تمسك الحكومة بالأهداف التي تخطط لبلوغها مع نهاية العقد جاء على لسان وزير الاستثمار خالد الفالح، في الأسبوع التالي مباشرة بعد صدور اقتراح صندوق النقد الدولي في تقرير المادة الرابعة؛ حيث شدد على أنه “بعد 8 سنوات على إطلاق رؤية 2030 باتت المملكة أكثر التزاماً وأشد عزماً على تنفيذها”.

وبعد أن تزايد الجدل طوال 2024 حول احتمالات التغيير في المشاريع الكبرى، قال الصندوق في بيان غير معتاد: “سيستمر تمويل جميع المشاريع التي تم الإعلان عنها مسبقاً، ولم يتم تأجيل أي منها، بل إن وتيرة ضخ رأس المال تتزايد.. ومع نضوج مشاريع وشركات الصندوق وتوسعها، ستتوفر لها خيارات تمويل متنامية، تشمل الاستثمارات الخاصة وأسواق رأس المال”.

إلا أن توقعات المحللين ترى أن عاملين سيحكمان قرار الصندوق بشأن أولويات الإنفاق في العام الجديد، هما: بدء جني عوائد فعلية من بعض المشاريع بما يدفع لتسريع وتيرة استكمالها، والأولوية المتوقعة للمشاريع المرتبطة بالأحداث الكبرى التي ستنظمها المملكة وفي مقدمتها “مونديال 2034”.

بدء قطف الثمار

من المنتظر أن يكون 2025 هو العام الذي تبدأ فيه عملية ملء الفراغات في خانة الإيرادات لعدد من المشاريع الكبرى، بالتأكيد لم يحن بعد موعد قطف الثمار الكاملة لهذه المشاريع، لكن التشغيل الجزئي لمرافق تابعة لمشاريع مثل نيوم، والبحر الأحمر سيشجع على ضخ مزيد من الاستثمارات.

على سبيل المثال، افتتحت المملكة قبل نهاية العام بشهرين جزيرة “سندالة” ضمن مشروع نيوم، وهي وجهة سياحية تضم فنادق فائقة الفخامة، وشواطئ جذابة، ومرسى ضخماً لليخوت. ومن المنتظر مع التشغيل الفعلي للجزيرة أن تستقطب خلال 2025 سائحين من الفئة الأكثر ثراء والأعلى إنفاقاً.

حسب “بلومبرغ” فإن مشروع نيوم لم يحصل خلال 2024 سوى على 80% فقط من الميزانية التي طلبها، كما قلصت الحكومة خُططها المستقبلية التي كانت تستهدف تسكين 3 ملايين نسمة في مدينة “ذا لاين” عام 2030، لتقتصر الآن على هدف أن تكون المدينة قادرة على استيعاب 300 ألف شخص عند ذلك التاريخ.

لم يتم تأكيد أو نفي هذه المعلومات رسمياً، لكن التدفق المتوقع لإيرادات السياحة عقب تشغيل “سندالة” سيكون أحد العوامل المؤثرة -بلا شك- على وتيرة ضخ الاستثمارات في المشروع، والذي قد يلجأ أيضاً لطرح صكوك لاستكمال التمويل المطلوب.

تتجه السعودية نحو تحقيق رقم قياسي في معدلات إنفاق السياح الأجانب، إذ زادت قيمته خلال النصف الأول من العام الحالي عن 90 مليار ريال، وفق وزير السياحة أحمد الخطيب، بينما كان الإنفاق خلال 2023 بأكمله 141 مليار ريال، وهو العام الذي تجاوزت فيه المملكة مستهدفها السياحي الذي كانت تتطلع للوصول إليه عند نهاية العقد، باستقبال 100 مليون سائح محلي وأجنبي، ما شجعها على تطوير الهدف إلى 150 مليون سائح سنوياً بحلول 2030.

مثال آخر للمشاريع التي ستجلب إيرادات في 2025 هو شركة “البحر الأحمر الدولية” التي ستفتتح 19 فندقاً جديداً خلال العام المقبل، بحسب جون باغانو، الرئيس التنفيذي للشركة في مقابلة مع “الشرق”، قدّر فيها عدد الزوار المتوقع لهذه المنتجعات بما يصل إلى 350 ألف سائح سنوياً، وهو ما يشير إلى ضخامة العوائد المنتظرة.




كذلك يشهد 2025 التشغيل الكامل لأول فنادق مشروع “الدرعية”، والذي يضم 134 غرفة.

المونديال يعزز أهمية 3 مشاريع

أما المونديال الذي فازت المملكة بتنظيمه والذي سيمثل ثاني العوامل المؤثرة على خطط الإنفاق في العام الجديد، فهو يأتي في العام 2034 تتويجاً لأحداث عالمية تستضيفها المملكة تبدأ من 2027 وتشمل كأس آسيا لكرة القدم، ودورة الألعاب الآسيوية الشتوية، ومعرض “إكسبو 2030”.

تُقدر الاستثمارات المطلوبة لاستكمال منشآت كأس العالم بحوالي 100 مليار ريال، بحسب مدير تطوير استثمارات قطاع الرياضة في وزارة الاستثمار السعودية باسم إبراهيم، في تصريحات لـ”راديو الشرق مع بلومبرغ”، أوضح خلالها أن معظم المشاريع والاستثمارات ستتولاها الدولة والجهات الحكومية مثل صندوق الاستثمارات العامة وشركة أرامكو السعودية.

الاهتمام بتنظيم بُطولة مبهرة -كما وعدت المملكة- والأولوية المتوقعة للمشاريع ذات الصلة بالمونديال ستعطيان دفعة لمشاريع الدرعية والقدية ونيوم، حيث ستقام المباريات في 5 مدن هي: الرياض، وجدة، وأبها، والخبر، ونيوم.

حسب تقرير لـ”نايت فرانك” فإن السعودية ستصبح مع حلول 2028 أكبر سوق للبناء في العالم، بمشاريع تصل قيمتها إلى 181.5 مليار دولار، لتنفيذ مستهدفات 2030 في تسليم أكثر من 660 ألف وحدة سكنية، وأكثر من 320 ألف غرفة فندقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *