الرياضيون المحرومون من تعويضات مجزية يتوجهون للألعاب المعززة

تنهش المنشطات المحسّنة للأداء أجساد الرياضيين وعقولهم وسمعتهم. ومع ذلك، ترى مجموعة من المستثمرين، بينهم بيتر ثيل ودونالد ترمب الابن، فرصة واعدة في هذا المجال. فقد أعلنوا أخيراً عن إطلاق النسخة الأولى من “الألعاب المعزَّزة”، وهي أولمبياد من نوع آخر يُسمح فيها للرياضيين، بل أنهم يُشجَّعون، على تعاطي المنشطات ويزمعون إقامتها في لاس فيغاس خلال مايو 2026.
انحراف هذه المقاربة لم يمنع أربعة رياضيين أولمبيين حتى الآن من تسجيل مشاركتهم في البطولة، فيما يُتوقَّع أن يجتذب الحدث مزيداً من الرياضيين، يدفعهم إغراء ملايين الدولارات من الجوائز المالية والأموال التي سيتقاضونها مقابل الظهور في الفعالية.
صحيح أن الأولمبياد الرسمي ليس معنياً بهذا المشروع، إلا أن اللجنة المنظمة للفعالية الرياضية الأكثر شعبية في العالم ليست بمنأى عن اللوم. فالنموذج المعمول به الذي يتقاضى بموجبه الرياضيون مبالغ ضئيلة جداً، هذا إن تقاضوا شيئاً أصلاً، هو ما يخلق البيئة الخصبة لولادة أحداث رياضية مشوَّهة كهذه، تحتفي بتعاطي المنشطات.
الرياضيون يحصلون على فتات الأموال
تأمّل في المعضلة التي واجهها السباح اليوناني كريستيان غكولوميف، 31 عاماً، الذي مثّل بلاده في آخر أربع دورات أولمبية صيفية. باعترافه، لم تكن مسيرته الأولمبية مجزية مالياً. في عام 2016، كانت الحكومة اليونانية تقدّم لبعض أبرز رياضييها منحاً شهرية لا تتجاوز ألف دولار. وبينما يحصل الفائزون بالميداليات على مكافآت مجزية، فإن غكولوميف، مثل كثير من اللاعبين الأولمبيين، لم يفز قطّ بأي ميدالية.
اقرأ أيضاً: دراسة: “أولمبياد باريس” تعطي دفعة اقتصادية بقيمة 12 مليار دولار
ثم برزت أمامه فرصة “الألعاب المعزَّزة”. فقد سعى المنظمون في العام الماضي لجذب الأنظار إلى هذا الحدث المثير للجدل، من خلال عرض مكافأة بقيمة مليون دولار لمن يحطّم الرقم القياسي في سباقي 50 و100 متر سباحة حرة للرجال. سجّل غكولوميف اسمه، تناول المنشطات، و”حطّم”- وهي كلمة تُستخدم هنا على نحو غير دقيق في ظل تعاطي المنشطات- الرقم القياسي لمسافة 50 متراً في فبراير. وفي أواخر مايو، خلال الإعلان الرسمي عن الألعاب، لم يُبدِ أيّ ندم، وقال للصحافيين: “عام واحد ناجح في الألعاب المعزَّزة يمنحني دخلاً أكبر مما قد أجنيه في عشرة أعوام من مسيرتي الرياضية”.
يختصر هذا التصريح المؤسف حال الرياضات الأولمبية اليوم، مثل السباحة، فيما لا تعاني اللجنة الأولمبية الدولية شحاً في المال. لقد حققت إيرادات بلغت 7.6 مليار دولار بين 2021 و2024، مدفوعة بعقود بث تلفزيوني ورعاية تجارية ضخمة. لكن أين تذهب كل تلك الأموال؟ تقول اللجنة إن 90% منها يُعاد توزيعها إلى هيئات ناشطة في الحركة الأولمبية، من اللجان الأولمبية الوطنية إلى المدن المضيفة.
لا يصل أغلب هذا المال إلى الرياضيين أنفسهم. إذ تُوجَّه معظم هذه الموارد نحو تجهيز المنشآت الرياضية، وبناء الملاعب في المدن المستضيفة، ورواتب كبار التنفيذيين. بيّن تقرير صدر في 2020 عن منظمة “غلوبال أثليت” (Global Athlete) المعنية برفاه الرياضيين، لم يحصل المتسابقون سوى على 4.1% فقط من أموال اللجنة الأولمبية الدولية واللجان الوطنية، خلال الفترة بين 2013 و2016.
“الألعاب المعزَّزة” تستغل الخلل
لا يبدو أن الوضع تحسّن كثيراً خلال العقد الأخير. كشف تقرير أُعدّ بتكليف من الكونغرس الأميركي في العام الماضي أن نحو 26% من الرياضيين الأميركيين الذين ينشطون ضمن المسارات المؤهّلة للألعاب الأولمبية والبارالمبية يحققون دخلاً سنوياً يقل عن 15000 دولار. أما الرياضيون في الدول النامية، فغالباً ما يواجهون ظروفاً أقسى. في كينيا، على سبيل المثال، كان بعض المتدرّبين لأولمبياد 2024 يتقاضون مخصّصات يومية لا تتجاوز 7.5 دولار.
يمكن لمكافآت الفوز بالميداليات أن تعوّض بعضاً من هذه الفجوة. في كينيا، بلغت مكافأة الميدالية الذهبية في دورة 2024 نحو 23000 دولار، وفي الولايات المتحدة 37500 دولار.
هذه أرقام جيدة، لكن حين يُوزَّع المبلغ على أربع سنوات أو أكثر، مع احتساب كلفة التدريب المكثّف الذي غالباً ما يفرض التفرّغ الكامل، سرعان ما يفقد بريقه. الأولمبيون الأميركيون، على سبيل المثال، ينفقون في المتوسط نحو 21700 دولار سنوياً لتغطية رسوم المشاركة في المسابقات والاشتراكات.
اقرأ أيضاً: زيادة أسعار المعادن تقفز بقيمة الميداليات الأولمبية لمستوى غير مسبوق
اختلال منظومة التعويضات وتحميل الرياضيين التكاليف لم يأتِ صدفةً أو غفلةً. فقد انطلقت الألعاب الأولمبية الحديثة على يد أرستقراطي أوروبي كان يتوقع أن يتنافس الرياضيون بدافع الشغف لا المكافآت. ورغم تحوّل الأولمبياد اليوم إلى منصة إعلانية بمليارات الدولارات لأضخم العلامات التجارية في العالم، ما تزال تلك النظرة المثالية مترسّخة.
في العام الماضي، ردّت اللجنة الأولمبية الدولية بغضب عندما أعلنت منظمة “وورلد أثليتكس” (World Athletics) الهيئة المشرفة على رياضات مثل ألعاب القوى، عزمها منح مكافآت بقيمة 50000 دولار للفائزين بالميداليات الذهبية في الفعاليات التي تنظمها. من وجهة نظر اللجنة، التعويض المالي يُفاقم الفجوة بين الدول والرياضيين الأقل قدرة اقتصادياً وأكثرهم قدرة. وهو ردّ منفصل عن الواقع، يظهر إلى أي حدّ أصبحت اللجنة الأولمبية بعيدةً عمّا يعيشه الرياضيون الذين يشكلون مصدر إيراداتها الفعلي، وربما متخبطة في التعامل معهم.
أما “الألعاب المعزَّزة”، فقد نشأت تحديداً لاستغلال هذا الخلل. إذ قال رئيسها آرون ديسوزا، في مقابلة مع مجلة (Men’s Health) في مايو: “من مبادئنا الأساسية أن نجعل رياضيينا أثرياء قدر الإمكان”.
تراجع الثقة بعدالة المنافسة
سيكون هناك متّسع من الفرص لتحقيق ذلك في لاس فيغاس. إذ تعتزم “الألعاب المعزَّزة” إقامة منافسات في ثلاث فئات: السباحة وألعاب القوى ورفع الأثقال. وسيُخصص لكل سباق أو مسابقة جوائز مالية إجمالية بقيمة نصف مليون دولار نصيب الفائز منها ربع مليون. كذلك، سيحصل جميع المشاركين على بدل مالي مقابل حضورهم، مع إمكان الحصول على مكافآت إضافية في حال “تحطيم” الأرقام القياسية العالمية، كما فعل غكولوميف.
صحيح أن هذه الجوائز مغرية، لكن يرجح ألا لن تكون كافية لاستقطاب نخبة الأبطال الأولمبيين، أي من يتنافسون على الذهب الأولمبي. إذ أن مشاركتهم تعني أن يضحون بسمعتهم وفرصهم في الحصول على عقود رعاية.
لكن “الألعاب المعزَّزة” لا تبحث أصلاً عن هذا النوع من الأبطال. فالمنشطات تهدف في نهاية المطاف إلى تحويل الرياضي العاجز عن الفوز في سباق أو تحطيم رقم قياسي، إلى رياضي قادر على ذلك بفضل المنشطات. وفي هذا سنجد أن كثيراً من الرياضيين ممن لن يبلغوا يوماً منصة تتويج سيكونون مؤهلين للعب هذا الدور.
يوجّه هذا التطوّر ضربة قاسية لكلّ من يهتم لنزاهة الرياضة، ومع ذلك لن يكون الأخير من نوعه. فطالما تتمسّك الأولمبياد وغيرها من البطولات الرياضية النخبوية بآرائها القديمة حيال التعويضات، ستبقى هناك ثغرات قابلة للاستغلال. ومع كلّ ثغرة تُستغل ستتآكل ثقة الجمهور أكثر فأكثر بنزاهة المنافسة.