الرياضات الإلكترونية “خطوة أولى” نحو تطوير قطاع الألعاب في السعودية
اتجهت الأنظار في الآونة الأخيرة نحو الرياض لمتابعة أحداث كأس العالم للرياضات الإلكترونية الذي اختتم أعماله بجوائز قياسية بلغت قيمتها 60 مليون دولار، وحجم مشاهدات زاد عن 200 مليون.
لا يمكن عدم ملاحظة اهتمام السعودية في الرياضات الإلكترونية، فولي العهد الأمير محمد بن سلمان وهو أحد اللاعبين في المملكة، هو من سلم الجوائز في حفل الاختتام. كما عقدت المملكة شراكة مع اللجنة الأولمبية الدولية مدتها 12 عاماً، تستضيف بموجبها دورة الألعاب الأولمبية للرياضات الإلكترونية عام 2025، ونسخ إضافية من الدورة في أعوام لاحقة.
رغم هذا الاهتمام، إلا أن الرياضات الإلكترونية تمثل جزءاً ضئيلاً من قطاع أكبر وأكثر قيمة، وهو الألعاب الإلكترونية.
استخدم رئيس شركة “طماطم غيمز” حسام حمو خلال مقابلة مع “الشرق” تشبيهاً مستعاراً من رياضة كرة القدم للدلالة على هذا الفرق، إذ اعتبر الرياضات الإلكترونية بمثابة بناء ملعب كرة قدم هائل وفائق الجمال، والطلب من فرق عالمية القدوم للتنافس فيه، في حين أن القطاع الأعم بمثابة بناء منتخب قوي يستطيع منافسة أهم الفرق العالمية، والفوز ببطولات.
بعبارة أخرى، فإن الرياضات الإلكترونية عبارة عن مجموعة فرعية من الألعاب تقوم على التنافس بين الفرق عبر شبكة الإنترنت، ويكون الفائز من يحصل على أكبر عدد من النقاط وتتنوع بين ألعاب الحرب، وصولاً إلى الرياضة. ولعل أبرز الأمثلة على الرياضات الإلكترونية هي “كاونتر ستاريك” و”دوتا” أو حتى “فيفا”. أما الألعاب الإلكترونية، فهي تشمل كل الألعاب المطورة والمنشورة خارج هذا التعريف.
لم ينكر حمو أهمية هذه بطولات الرياضات الإلكترونية من الناحية الاقتصادية، ولكنه اعتبر أن تأثيرها لا يصب مباشرة في القطاع، بالقدر الذي يخدم قطاعات أخرى، كالسياحة والفنادق والمقاهي. فبالنهاية، هذه البطولات عبارة عن استضافة فرق ألعاب إلكترونية من السعودية وحول العالم، للتباري على أرض المملكة.
بلغة الأرقام، تقدر شركة “نيو زو” المتخصصة في متابعة وإصدار بيانات الألعاب الإلكترونية، أن إيرادات هذه السوق عالمياً بلغت نحو 187.7 مليار دولار العام الماضي، على أن تقفز إلى أكثر من 205 مليارات دولار في 2026.
في حين يقدر بحث صادر عن شركة “ريسرتش آند ماركيتس” حجم سوق الرياضات الإلكترونية بـ1.39 مليار دولار في عام 2022، متوقعاً أن يبلغ معدل النمو السنوي المركب 16.7% خلال الفترة من 2022 إلى 2030.
يطرح هذا التوصيف تساؤلاً أساسياً يتمثل في أسباب الاهتمام الكبير بالرياضات الإلكترونية عوضاً عن الألعاب الإلكترونية ككل، خصوصاً لما للأخيرة من تأثير مباشر على الاقتصاد المحلي.
يجيب الأمير فيصل بن بندر بن سلطان رئيس الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية في مقابلة مع “الشرق” على هذا التساؤل، معتبراً أن مسابقة كأس العالم التي أقيمت أخيراً وشارك فيها أكثر من 1500 لاعب من 100 دولة، بمثابة “خطوة أولى” في طريق جعل السعودية مركزاً عالمياً للرياضات الإلكترونية، والألعاب.
وأشار إلى أن المملكة وضعت استثمارات كبيرة، وأقامت بطولات كثيرة، في مجال الرياضات الإلكترونية، مشدداً على أنها “ليست استثماراً في الرياضات الإلكترونية، بقدر ما هي استثمار في الشباب السعودي، لفتح باب على قطاع كامل”، نحو الهدف الرئيسي.
بداية الرحلة
في سبتمبر 2022، أطلق ولي العهد السعودي استراتيجية للألعاب والرياضات الإلكترونية. كما أطلقت المملكة شركة “ساڤي” في يناير 2022، بهدف تطوير القطاع، والتحضير لبناء البنية التحتية الملائمة للألعاب والرياضات الإلكترونية، سواء عبر تنمية شركات محلية أو الاستثمار بشركات عالمية تعمل في هذا المجال.
أكد الرئيس التنفيذي لمجموعة “ساڤي” براين وارد في مقابلة مع “الشرق”، أن الشركة لديها استراتيجية طويلة المدى للاستثمار في تطوير ونشر الألعاب الإلكترونية، مشدداً على أن شركته ستستمر في تخصيص رأس المال لهذه الغاية.
اعتبر وارد أيضاً أن الشركة تعمل مع الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية على تصميم برامج تطوير وتدريب مرتبطة بالرياضات الإلكترونية، و”الأمر نفسه بالنسبة لقطاع الألعاب، حيث نطرح برنامجاً تدريبياً للنخبة في استديوهات ستير التابعة لنا، لتدريب مواهب جديدة”.
سوق مهمة للشركات
رأى حسن مالك وهو شريك في “ديلويت الشرق الأوسط” للأبحاث، أن المملكة تعتبر سوقاً مهمة للألعاب الإلكترونية، فهي موطن لنحو 24 مليون لاعب، وهو ما يشكل 67% من عدد السكان.
مالك أشار في تصريحات لـ”الشرق”، إلى أن حجم سوق الألعاب الإلكترونية في المملكة قدر بنحو 999 مليون دولار، ويتوقع أن ترتفع هذه القيمة إلى 2.6 مليار دولار في 2026.
أجرت شركة الأبحاث مسحاً شمل الرياضات الإلكترونية، أظهر أن اللاعبين السعوديين على استعداد لإنفاق وقت ومال أكثر من نظرائهم الدوليين.
وبالمقارنة مع اللاعبين الأميركيين، يقضي اللاعب السعودي وقتاً أعلى بـ1.64 مرة مقارنة باللاعب الأميركي، في حين أن متوسط إنفاق الأول أعلى بـ1.4 مرة. المسح أشار أيضاً إلى أن متوسط الإيرادات لكل مستخدم أعلى بـ2.9 مرة عند اللاعبين السعوديين، من نظرائهم في أقرب منافس لهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أدرك حمو أهمية السوق السعودية مبكراً، إذ كانت “طماطم” من أوائل الشركات العربية المطورة للألعاب التي فتحت مكتباً في المملكة، واستفادت من برامج الدعم الحكومية على غرار “ريلوكيت” الذي يدعم الشركات التي ترغب في فتح مقار في المملكة، بالإضافة إلى “الخط السريع” لتسجيل الشركات الذي أطلقته وزارة الاستثمار.
تحديات في السعودية وخارجها
رغم هذا الدعم الحكومي، إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجه الشركات العربية العاملة في مجال تطوير ونشر الألعاب، في السعودية والمنطقة الأوسع.
يشير حمو إلى أن الشركات العربية تعاني في الأسواق العربية الأوسع خصوصاً في العراق ومصر ولبنان، في ظل تقلب العملات هناك، وعدم وجود خيارات دفع كثيرة مرتبطة بالألعاب الإلكترونية.
لا توجد هذه التحديات في السعودية مع وجود خيارات عدة للدفع مثل “فوري” و”إس تي سي باي”، وثبات قيمة صرف العملة مقابل العملات الأجنبية، ولكن سوق المملكة تفرض تحديات من نوع آخر.
من هذه التحديات وفق حمو، أن غالبية الاستثمارات تتوجه للشركات الأجنبية أو العملاقة، معطياً الاستحواذ على “سكوبلي” بقيمة 4.9 مليار دولار مثالاً على ما سبق، بدلاً من توجيه الاستثمارات للشركات العربية الناشئة.
كما اعتبر حمو أن هناك عدم معرفة كبيرة لدى المستثمرين في هذا القطاع، خصوصاً في السنوات القليلة الماضية، وهو ما يظهر من خلال حجم التمويلات التي يمكن أن تحصل عليها الشركات في مراحلها الأولى.
يشرح حمو وجهة نظره من خلال مسيرة شركته في الحصول على استثمارات، معتبراً أنها تمكنت عام 2013 من جذب استثمارات بقيمة 50 ألف دولار من مسرعة أموال، ومع نهاية تلك السنة وصل المبلغ إلى 100 ألف دولار من عدة مستثمرين.
زادت الاستثمارات في 2014، لتتمكن الشركة التي نشرت حتى اليوم نحو 6 ألعاب عربية، من جمع 250 ألف دولار. وحتى عام 2017، بلغت مجمل الاستثمارات في شركته حوالي 2.5 مليون دولار، معتبراً أنه كان من الطبيعي أن تتلقى الشركات حينها استثمارات بقيمة 10 أو 15 ألف دولار فقط.
تغير مشهد الاستثمار
بدأ المشهد العام بالتغير قليلاً بعد ذلك، وبتأثير مباشر من الاهتمام الحكومي السعودية في القطاع، وحجم الاستثمارات الضخم، ما خلق نوعاً من الوعي لدى المستثمرين، وزاد من قيمة التمويلات التي يمكن للشركات الحصول عليها.
هذا الأمر ظهر من خلال حجم التمويلات التي حصلت عليها “طماطم”، فبين 2017 إلى 2019 حصلت الشركة على 3.5 مليون دولار، ومنذ عام 2022، وهو تاريخ إعلان السعودية عن استراتيجيتها وتأسيسها “ساڤي”، حصلت على 11 مليون دولار من مستثمرين عدة أبرزهم شركة “كرافتون” الكورية الجنوبية مطورة لعبة “ببجي” الشهيرة، لتصل الاستثمارات الإجمالية إلى 17 مليون دولار.
ولكن حمو لفت إلى أن الخلط بين الألعاب الإلكترونية والرياضات الإلكترونية لا يزال موجوداً بين المستثمرين، مؤكداً أنهما مختلفان، و”من الظلم الربط بين الاثنين”.
تحديات مختلفة
من جهته، لفت حسن مالك الشريك في “ديلويت الشرق الأوسط” للأبحاث إلى تحديات أخرى، معتبراً أن تفاعل المستهلكين في السعودية مع محتوى الألعاب هو المحرك الرئيسي للإنفاق في السوق. ولتشجيع المحتوى والقصص المحلية أولاً، “فمن الضروري تقديم الدعم للألعاب في مراحل ما قبل الإنتاج والإنتاج وما بعد الإنتاج”.
واعتبر أيضاً أن تطوير المحتوى لتجارب الألعاب الجديدة والمثيرة والمصممة خصيصاً هو أمر أساسي. وهذا من شأنه أن يسمح لمجموعة متنوعة من الوظائف والمهارات القابلة للنقل بالازدهار، مشيراً إلى أن شركات تطوير الألعاب بحاجة للحصول على دعم واضح ومستمر في ما يتعلق بالحوكمة وسهولة ممارسة الأعمال التجارية، مع إقامة شراكات على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي مع الشركاء التمكينيين والمبتكرين.
يبدو أن “ساڤي” أدركت هذا الأمر، وخصوصاً في ما يتعلق بالمحتوى المحلي. إذ وقعت خلال هذا الأسبوع مذكرتي تفاهم مع شركتي “نيانتيك” و”إكس سولا” لدعم تطوير ونشر الألعاب والرياضات الإلكترونية في السعودية، بحسب رئيسها التنفيذي.
وتابع أن “نيانتيك” ستقوم وفق المذكرة بنقل جزء من أنشطتها إلى المملكة، وبالأخص لعبتها الشهيرة “بوكيمون غو”، ودمج مواقع سعودية، مثل العلا وأبها، فيها.
وبخصوص مذكرة التفاهم الثانية، أوضح وارد أنها مع “إكس سولا”، حيث ستقوم الشركة الرائدة في الألعاب الإلكترونية بتأسيس أكاديمية لتدريب وتطوير هذه الألعاب في السعودية.
في المحصلة، فإن الاهتمام الرسمي السعودي استطاع إحياء القطاع، وزيادة نسبة الوعي لدى المستثمرين بشأنه، كما تمكن من وضع البنى التحتية الرئيسية اللازمة للنهوض بالقطاع على غرار الخوادم وأكادميات التدريب والتطوير، وصولاً إلى الهدف الرئيسي المتمثل في إسهام القطاع بـ13.3 مليار دولار أميركي (50 مليار ريال سعودي) في الناتج المحلي الإجمالي، وخلق نحو 39 ألف فرصة عمل بحلول عام 2030.
يشير الأمير فيصل بن بندر بن سلطان في هذا الخصوص، إلى أن المملكة “ليست فقط على الطريق الصحيح” نحو تحقيق أهدافها في هذا المجال، بل قد تصل إلى ما هو أعلى من المستهدف بحلول 2030.