اخر الاخبار

الرسوم الجمركية سلاح ترمب لتعزيز النفوذ العالمي في ولايته الثانية

بعد أن تعهد خلال حملته الانتخابية بإعادة الرسوم الجمركية وقلب السياسة الاقتصادية الأميركية، تحرك دونالد ترمب سريعاً، معلناً فرض رسوم جمركية جديدة تستهدف شركاء الولايات المتحدة التجاريين. 
 
ويعتمد ترمب في استراتيجيته على فرض رسوم جمركية جديدة وتهديد الآخرين بهدف “الترهيب أو كسب نفوذ” في نزاعات أخرى، وهو ما يشكل تحولاً جذرياً في الاقتصاد العالمي، إذ يسعى معظم اللاعبين الرئيسيين إلى تقليص الحواجز التجارية، حسبما تعتبر “بلومبرغ”. 

وأرسل تنفيذ ترمب أجندته الأساسية “إشارات متضاربة”، إذ ترك مزيج من الإنذارات النهائية والتأجيلات والإعفاءات العديد في حيرة من أمرهم بشأن الهدف الحقيقي الذي يسعى إلى تحقيقه. 

ما الذي فعله ترمب حتى الآن؟

كان التركيز في البداية على الواردات من كندا والمكسيك والصين، أكبر ثلاثة شركاء تجاريين للولايات المتحدة. وشكّلت هذه الدول مجتمعة نحو 40% من إجمالي التجارة السلعية العام الماضي. 
 
وفيما يتعلق بالصين، التزم ترمب بشكل أكبر بتنفيذ تهديداته، فكما وعد، فرضت الولايات المتحدة في أوائل فبراير ضريبة شاملة بنسبة 10% على جميع السلع الصينية المستوردة، قبل أن تتم مضاعفتها إلى 20% بعد شهر واحد. 
 
ومع ذلك، أرجأ ترمب إلغاء الإعفاءات الجمركية على السلع منخفضة القيمة القادمة من الصين وهونج كونج، والتي تشمل الطرود التي تقل قيمتها عن 800 دولار. وكان من شأن هذه الخطوة إغلاق مسار شحن خالٍ من الرسوم الجمركية، يُستخدم بشكل أساسي في الشحن الجوي من قبل شركات التجارة الإلكترونية الصينية التي تحظى بشعبية بين المستهلكين الأميركيين.

وأما مع كندا والمكسيك، فقد تركت استراتيجية ترمب “المتقلبة” المسؤولين الحكوميين والشركات والمستثمرين في حالة من الارتباك. ففي البداية، أعلن ترمب عن فرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 25% على الواردات من البلدين اعتباراً من 4 فبراير الماضي، مع معدل مخفض بنسبة 10% على منتجات الطاقة القادمة من كندا. 
 
لكن هذه الرسوم تأجلت لمدة شهر قبل أن يبدأ تطبيقها فعلياً. وعندما دخلت حيز التنفيذ أخيراً، لم تستمر سوى أقل من يومين، إذ أعلن ترمب عن مهلة إضافية شملت مجموعة واسعة من السلع. 
 
وبعد مناشدات من شركات صناعة السيارات، مُنحت واردات المركبات وقطع الغيار إعفاءً من الرسوم الجمركية حتى 2 أبريل المقبل، بشرط الامتثال لاتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، المعروفة باسم USMCA. ثم وسّع ترمب نطاق التأجيل ليشمل جميع السلع والخدمات المستوردة المشمولة بالاتفاقية، لتتراجع الحرب التجارية إلى مرحلة “التجميد الجزئي”.

ما الهدف التالي؟

وسط هذا التخبط، قد يكون الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري التالي الذي يستهدفه ترمب بالرسوم الجمركية. فقد هدد بفرض رسوم بنسبة 25% على “السيارات وكل شيء آخر” قادم من التكتل المكون من 27 دولة، واصفاً الاتحاد بأنه “أُنشئ للاحتيال” على الولايات المتحدة.
 
وبالإضافة إلى فرض رسوم جمركية على بعض الشركاء التجاريين، أعلن ترمب عن إجراءات تستهدف قطاعات بعينها. فمن المخطط فرض ضريبة جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب والألمنيوم الأميركية اعتباراً من 12 مارس الجاري، وقد أشار الرئيس إلى احتمال استهداف النحاس أيضاً. 

كما صرّح ترمب بأنه قد يفرض رسوماً جمركية بنحو 25% على جميع واردات السيارات وأشباه الموصلات والأدوية اعتباراً من 2 أبريل المقبل. 
 
ويبدو أن 2 أبريل سيكون يوماً حافلاً بالرسوم الجمركية، إذ يعتزم ترمب في هذا التاريخ فرض ما يُعرف بـ”رسوم المعاملة بالمثل”، التي ستُحدد وفقاً لكل شريك تجاري بهدف تعويض أي ضرر محتمل تتعرض له الشركات الأميركية. وحذر ترمب من أن منتجات الأخشاب والألبان الكندية قد تخضع لهذه الرسوم في وقت أقرب.

كيف ردت الدول المستهدفة؟

جاء الرد الصيني سريعاً بعد مضاعفة الرسوم الأميركية، إذ فرضت بكين رسوماً جمركية تصل إلى 15%، استهدفت بشكل رئيسي الشحنات الزراعية الأميركية، كما حظرت تصدير بعض المنتجات إلى شركات دفاعية أميركية. ومع تصاعد التوترات، وصف وزير الخارجية الصيني، وانج يي، الرسوم الأمريكية بأنها “شريرة” و”منافقة”. 
 
وجاء الرد الكندي بنفس الحدة، حيث وصف رئيس الوزراء، جاستن ترودو، الحرب التجارية بأنها “تصرف بالغ الغباء”. وعند دخول الرسوم الجمركية الشاملة حيز التنفيذ، أعلنت الحكومة الكندية عن حزمة واسعة من الإجراءات المضادة ضد المنتجات الأميركية، شملت فرض رسوم بنسبة 25% على سلع بقيمة 30 مليار دولار كندي (20.9 مليار دولار أميركي)، من بينها عصير البرتقال وزبدة الفول السوداني والنبيذ والقهوة. 

وظلت هذه الرسوم سارية رغم تراجع ترمب لاحقاً، إلا أن كندا أرجأت خططها لفرض جولة ثانية من الإجراءات الانتقامية، كانت ستستهدف سلعاً رئيسية مثل السيارات والصلب والألومنيوم. 
 
أما المكسيك، فكان نهجها “أكثر تروياً”، حيث لم تسارع الرئيسة كلوديا شينباوم إلى تبني رسوم انتقامية مماثلة، وركزت بدلاً من ذلك على التفاوض مع إدارة ترمب. ويبدو أنها نجحت في كسب ود نظيرها في الوقت الحالي، وفق “بلومبرغ”. 
 
وعند إعلانه عن تأجيل الرسوم على الواردات من المكسيك حتى 2 أبريل عبر منصته “تروث سوشيال”، قال ترمب إن القرار جاء بناء على “توافق، ومن باب الاحترام للرئيسة شينباوم”.

ما هدف ترمب من الرسوم الجمركية؟

خلال جلسة التصديق على تعيينه وزيراً للخزانة في أوائل يناير الماضي، قال سكوت بيسنت لأعضاء مجلس الشيوخ إن على الناس أن يتوقعوا أن يستخدم ترمب الرسوم الجمركية بثلاث طرق: لمعالجة الممارسات التجارية غير العادلة.

وهو ما قال ترمب إنه سيُنعش الصناعة الأميركية، ولزيادة الإيرادات للموازنة الفيدرالية، وهو أمر مهم للمساهمة في تمويل خططه لتمديد التخفيضات الضريبية؛ وكأداة ضغط على القوى الأجنبية بدلاً من العقوبات، التي يرى ترمب أنها استُخدمت بشكل مفرط.

ما مدى تطرف نهج ترمب؟

أوضحت “بلومبرغ ” أن بعض الرسوم الجمركية الأميركية السابقة على السلع الواردة من الصين وكندا والمكسيك، كانت قريبة من أو ربما تجاوزت المستويات التي حددها ترمب. لكنها كانت تقتصر على فئات محددة من السلع، في حين أن فرضها بشكل شامل يمثل تحولاً كبيراً. 
 
وتغطي الرسوم الجمركية السابقة، رغم ارتفاعها النسبي، جزءاً صغيراً فقط من التجارة الأميركية، ما جعل متوسط معدل الرسوم الجمركية المرجح تجارياً على السلع الصناعية المستوردة يبلغ 2%، وفقاً لمكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة. 

ويتم احتساب هذا المعدل بقسمة إجمالي قيمة الواردات على إجمالي الإيرادات الجمركية. وتشكل هذه السلع 94% من إجمالي الواردات السلعية الأميركية من حيث القيمة، فيما دخل نصفها إلى البلاد دون رسوم جمركية. 
 
وتجاوزت الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترمب تلك التي طُبقت خلال رئاسته الأولى بفارق كبير، مما رفع متوسط الرسوم على الواردات الأميركية إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1943، وفقاً لمختبر الميزانية في جامعة ييل. 
 
وقال المختبر، في تقرير أصدره في 3 مارس الجاري، إن هذه الرسوم قد تضيف ما يصل إلى 2000 دولار من التكاليف الإضافية على كل أسرة أميركية، كما أنها ستؤدي إلى تباطؤ كبير في النمو الاقتصادي للولايات المتحدة، لا سيما إذا ردت الدول الأخرى بإجراءات انتقامية.

هل نهج ترمب جديد؟

فرضت الولايات المتحدة ضرائب مرتفعة على الواردات لفترات طويلة من تاريخها قبل أن تتخلى إلى حد كبير عن هذه السياسة في ثلاثينيات القرن الماضي، مع تبني قادتها لفكرة التجارة الحرة. 
 
وكان أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو رد الفعل على قانون الرسوم الجمركية لعام 1930، المعروف باسم تعرفة “سموت-هاولي”، الذي أدى إلى زيادة تقدر بنحو 20% في متوسط الرسوم على الواردات. وأثار هذا القانون رسوماً انتقامية من حكومات أجنبية، مما أدى إلى تراجع التجارة العالمية وتعميق الكساد الكبير. 

وأدى ذلك الإخفاق إلى فترة استمرت لعقود شهدت صعود التجارة الحرة، وتُوجت بإنشاء الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة عام 1947، ثم تأسيس منظمة التجارة العالمية عام 1995. وخلال تلك الفترة، تجنب الحزب الجمهوري في واشنطن فرض الرسوم الجمركية. 
 
وعاد الجمهوريون لاستخدام الرسوم الجمركية خلال الولاية الأولى لترمب، حيث لجأ إليها في محاولة لإنعاش الصناعة الأميركية والتصدي لما تعتبره الولايات المتحدة ممارسات تجارية غير عادلة من جانب الصين. وواصل الرئيس السابق جو بايدن هذا النهج. 

هل يستطيع ترمب رفع الرسوم دون موافقة الكونجرس؟

بحسب “بلومبرغ”، نعم، فالكونجرس الأميركي يمنح الرئيس صلاحية تعديل الرسوم الجمركية عبر عدد من القوانين لمواجهة مجموعة من القضايا، مثل التهديدات الأمنية، والحروب أو حالات الطوارئ، والأضرار الفعلية أو المحتملة التي تلحق بصناعة أميركية، والممارسات التجارية غير العادلة من قبل دولة أجنبية. 
 
وفي حين يمكن للشركات محاولة الطعن في الرسوم الجمركية المرتفعة أمام المحاكم، فإن مثل هذه التحديات “ستواجه صعوبات كبيرة” بسبب الصلاحيات الواسعة التي مُنحت للرئيس سابقاً، وفقاً لمقال نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وشارك في تأليفه وارن ماروياما، المستشار العام السابق لمكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة.

كيف تُحسب الرسوم الجمركية ومن يدفعها؟

تُحسب الرسوم الجمركية عادةً كنسبة مئوية من قيمة السلعة (كما يتم التصريح عنها خلال عملية التخليص الجمركي) وتُحدد وفقاً لبلد منشأ المنتج. ويصبح الأمر أكثر تعقيداً عندما يُجمع المنتج من مكونات تعبر عدة حدود، مثل سيارة تحتوي على أجزاء مُصنّعة في الولايات المتحدة لكنها تُجمّع في المكسيك ثم يُعاد استيرادها إلى الولايات المتحدة. 

ويمكن أيضاً فرض الرسوم الجمركية كمبلغ ثابت على كل سلعة. وتُمنح البضائع التي تعبر الحدود رموزاً رقمية وفقاً لتسمية موحدة تُعرف باسم “النظام المنسق الدولي”. 
 
ويمكن تخصيص الرسوم الجمركية لرموز منتجات محددة، مثل هياكل الشاحنات، أو لفئات أوسع، مثل المركبات الكهربائية. وتتولى وكالات الجمارك تحصيل هذه الرسوم لصالح الحكومات.

يدفع المستورد أو وسيط يعمل نيابة عنه الرسوم الجمركية، لكن التكاليف غالباً ما تُنقل إلى المستهلكين. ويؤكد ترمب أن المُصدر هو من يتحمل التكلفة في نهاية المطاف، إلا أن الدراسات أظهرت أن العبء يتوزع على نطاق أوسع. 
 
وقد تقرر الشركة الأجنبية المصنعة للمنتج خفض أسعاره كتنازل للمستورد، أو قد تستثمر في بناء مصنع في مكان آخر لتجنب الرسوم الجمركية. 
 
وبدلاً من ذلك، قد يلجأ المستورد، مثل شركتي “وول مارت” و”تارجت”، وهما من أكبر المستوردين في الولايات المتحدة إلى رفع سعر المنتج لحماية هامش ربحه، ما يعني أن المستهلك يتحمل تكلفة الرسوم الجمركية بشكل غير مباشر.

كيف تؤثر الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأميركي؟

قد يكون من الصعب تحديد التأثيرات الاقتصادية للرسوم الجمركية. فهي قد تحفز التوظيف عبر جذب الاستثمارات، مع سعي الشركات إلى تجنب الرسوم الجمركية من خلال نقل مصانعها إلى الدولة التي تفرضها. وفي المقابل، قد تؤدي هذه السياسات إلى فرض رسوم انتقامية من دول أخرى، ما يهدد بفقدان وظائف في قطاعات اقتصادية مختلفة. 
 
وعند فرض دولة ما رسوماً جمركية على الواردات، لا يندفع المصنعون المحليون بالضرورة إلى إنتاج السلع المتأثرة. وإذا لم يكن لدى الدولة بديل محلي لهذه المنتجات، فقد ترتفع أسعارها نتيجة لذلك. 

ما دور الصين في كل ذلك؟

على مدار عقود، حظي مبدأ التجارة الحرة بتوافق بين الحزبين في الولايات المتحدة، كما دعمته الشركات متعددة الجنسيات التي سعت إلى الاستفادة من سلاسل التوريد منخفضة التكلفة والفعالة في الخارج. لكن صعود الصين كقوة اقتصادية عالمية كسر هذا التوافق، بحسب “بلومبرغ”. 
 
ومنذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، حصلت الصين على وصول أوسع إلى الأسواق العالمية، رغم أن منتقديها يؤكدون أنها انتهكت نص وروح قواعد التجارة الحرة من خلال دعم صناعاتها وإجبار الشركات الأجنبية العاملة في البلاد على نقل معرفتها التقنية. 

وخلص عدد من الباحثين إلى أن المنافسة من الصين ساهمت في إبقاء التضخم منخفضاً عالمياً لسنوات، لكنها أدت في الوقت نفسه إلى تراجع التوظيف في المصانع، مع تحول الدولة الآسيوية إلى المنتج المهيمن عالمياً. 
 
وفرضت إدارة ترمب خلال ولايته الأولى رسوماً جمركية جديدة على واردات صينية بقيمة نحو 380 مليار دولار في عامي 2018 و2019. وحافظ بايدن على تلك الرسوم ورفعها في عام 2024 لتشمل بضائع إضافية بقيمة 18 مليار دولار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *