الذكاء الاصطناعي يدعم حماية التنوع الحيوي بتحليل البيانات الصوتية
يجلس بين وليامز في صمت داخل شقته في لندن، بينما يترقب انبعاث صوت محدد من سماعتيه، سيتعرف عليه عند سماعه. ويقول إن القرقعة القصيرة ستصيبك برعب شديد.
ينصت وليامز، طالب الدكتوراه في علم البيئة البحرية في جامعة يونيفرستي كوليدج لندن، إلى التسجيلات الصوتية لما تحت الماء التي تم تسجيلها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بحثاً عن أدلة صوتية على صيد الأسماك بالتفجير، وهي ممارسة مدمرة تُستخدم فيها المتفجرات لقتل السمك أو شل حركته.
تعد النتائج التي يتوصل إليها وليامز بالغة الأهمية بالنسبة لشركة “غوغل ديب مايند” (Google DeepMind)، حيث يعمل هناك باحثاً، إذ تستخدمها في تدريب أداة ذكاء اصطناعي تُعرف باسم “سيرف بيرتش” (SurfPerch).
استفادة من الذكاء الاصطناعي في مجال البيئة
استخدم علماء البيئة البيانات الصوتية لتحديد المخاطر المحتملة، مثل الصيد الجائر وصيد الأسماك بالتفجير، ولتقدير تعداد الحيوانات، وتقييم سلامة النظام البيئي. لكن الحواسيب بإمكانها أداء المهمة نفسها بشكل أسرع.
بينما قد يستغرق الإنسان أسابيع لفحص تسجيلات صوتية مدتها 40 ساعة، يشير وليامز إلى أن “سيرف بيرتش” ستتمكن من أداء المهمة نفسها خلال ثوانِ، فور تدريبها بشكل صحيح على أقل تقدير. قال: “بإمكانها زيادة حجم البيانات التي نستخدمها عشرات الأضعاف”.
بمقدور “سيرف بيرتش” حالياً التعرف على 38 صوتاً بحرياً، من بينها النقرات التي تصدرها الدلافين وشهقات سمكة دامسل أمبون. وتتدرب الأداة على المقاطع الصوتية التي يجمعها العلماء من جميع أنحاء العالم، بما يشمل برنامج “كولينغ إن أور كورالز” (Calling in Our Corals) الذي تديره “غوغل”، الذي يستعين بمتطوعين وعلماء بيئة بحرية من أجل التعرف على الأصوات في المحيطات.
يقول وليامز وكلير بروكس، مديرة برنامج في “غوغل آرتس آند كلتشر” (Google Arts and Culture)، إن الغاية من “سيرف بيرتش” هي استغلال الذكاء الاصطناعي لتسريع وتيرة الحفاظ على الطبيعة.
الرصد الصوتي يكتسب زخماً
“غوغل” ليست الجهة الوحيدة التي تؤمن بتلك الفرصة. فبينما أفضى التلوث، وإزالة الغابات، وتغير المناخ إلى تقليص مساحة مواطن الحياة البرية، وانقراض أنواع بمعدل أكثر من الطبيعي بنحو 10 آلاف مرة، تتزايد الحاجة إلى فهم الأنظمة البيئية المتنوعة حيوياً، ويكتسب استخدام الذكاء الاصطناعي في تعزيز الرصد الصوتي الزخم، فيُستخدم في تتبع الأفيال في الكونغو، وفك رموز لغة الخفافيش.
تهتم الشركات أيضاً بالذكاء المرتبط بالتنوع البيولوجي، بحسب كونراد يونغ، مؤسس شركة “تشيراب. إيه آي” (Chirrup.ai) التي مقرها في لندن. فمنذ بدء نشاطها في 2022، أجرت الشركة الناشئة رصداً للطيور بمساعدة الذكاء الاصطناعي لصالح أكثر من 80 مزرعة في المملكة المتحدة وأيرلندا.
تجمع “تشيراب” البيانات الصوتية من مكان ما لمدة 14 يوماً، ثم تستعين بخوارزميتها، التي يمكنها التعرف على كل أنواع الطيور المحلية تقريباً، لإحصاء عدد الأنواع وتصنيفها. علماً بأنه كلما زاد عدد الأنواع الموجودة، تحسنت سلامة البيئة.
قال يونغ: “التنوع الحيوي يمثل عاملاً حيوياً من حيث المخاطر والفرص في سلسلة التوريد”. قد تُكافأ المزارع ذات السجل المتميز (في التنوع البيولوجي) بدعم حكومي، وتواجه الشركات ضغوطاً تنظيمية متزايدة لخفض بصمتها البيئية.
دقة الذكاء الاصطناعي قيد التطوير
أدرجت فرنسا المخاطر على التنوع البيئي ضمن الإفصاحات الإلزامية التي تقدمها المؤسسات المالية، وقد يحذو مزيد من الدول حذوها. ففي 2022، وقّعت 195 دولة على اتفاقية تهدف إلى حماية وتجديد 30% على الأقل من مياه الكوكب ويابسته بحلول 2030.
تشير الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في “التنصت” على التنوع الحيوي إلى أنه وسيلة أسرع وأقل تكلفة من الاستعانة بالبشر، كما أن تطبيق هذه التكنولوجيا على نطاق واسع أكثر سهولة. إلا أن دقتها ما تزال قيد التطوير. فعلى سبيل المثال، خصصت “تشيراب” عالم طيور لفحص عينات من نتائج خوارزميتها، وتقييم مستوى الثقة لكل نوع يتم التعرف عليه.
قال ماثيو ماكوون، الشريك المؤسس لشركة “كونسيرفيشن متريكس” (Conservation Metrics)، ومقرها في سانتا كروز بولاية كاليفورنيا: “الواقع أن كل تلك الأدوات لا تعمل بشكل جيد”.
بدأت شركته استخدام الذكاء الاصطناعي في معالجة مجموعات ضخمة من البيانات الصوتية الحيوية في 2014، وأسهمت العام الماضي في نحو 100 مشروع لحماية البيئة.
ويرى ماكوون أن جودة أداء الخوارزمية تعتمد على بيانات التدريب وحدها، وصراحةً، لا توجد بيانات صوتية كافية فيما يخص الحيوانات النادرة. تتزايد الصعوبات في الغابات الاستوائية، موطن العديد من المناطق الحافلة بالتنوع البيولوجي، لكن يوجد بها عدد قليل من الكاشفات الصوتية. كما أن التعرف على بعض الأنواع أمر صعب، فعلى سبيل المثال، يصدر طائر الواق صوتاً يشبه تشغيل محرك جرار.
تكنولوجيا واعدة في المراحل الأولى
الأصوات تحت الماء أكثر تعقيداً، بحسب توم دنتون، كبير مهندسي برامج “سيرف بيرتش”. معظم أنواع الأسماك، والقروش، وأسماك شيطان البحر تصدر أصواتاً منخفضة الشدة من الصعب التقاطها، بينما تنتقل الضوضاء الناجمة عن أنشطة الإنسان، مثل الحفر البحري، لمسافات طويلة، وقد تحجب أصوات الحياة البرية.
وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي بإمكانه المساعدة في تقييم الأنظمة البيئية، هناك شك فيما يتعلق بكيفية استخدام البيانات لدعم الحفاظ على البيئة. بخلاف محاولات الحد من تغير المناخ، التي تركز على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، لا يوجد معيار موحد سهل لحماية التنوع الحيوي، بل وحتى هدف “حماية 30% بحلول 2030″، يتيح مجالاً كبيراً للتأويل.
يقر وليامز من شركة “غوغل ديب مايند” بأن استغلال الذكاء الاصطناعي في حماية البيئة ما يزال في “مرحلة مبكرة”. إلا أن النتائج الأولية تبدو واعدة بقدر ما. فعلى سبيل المثال، تدريب الخوارزمية على التعرف على الصوت الناجم عن صيد الأسماك بالتفجير، يساعد في جمع أدلة ملموسة على ممارسة غير قانونية في عديد من الدول، وإن ظلت شائعة نسبياً.
كما ترصد “سيرف بيرتش” الشعاب المرجانية، التي تمثل أنظمة بيئية بحرية بالغة الأهمية تدعم ما يقدر بنحو 2.7 تريليون دولار سنوياً من السلع والخدمات. هناك، تتجاوز أداة الذكاء الاصطناعي القيود العملية من خلال التركيز على الأنواع المنفردة بشكل أقل، والتركيز بدرجة أكبر على “البيئة الصوتية” في الشعاب المرجانية، أي الأصوات التي تصدرها كل الأنواع التي تعيش فيها مجتمعة. يتعلم الذكاء الاصطناعي التمييز بين البيئات الصوتية للشعاب المرجانية المحتضرة والسليمة، وهو إطار يمكن استخدامه في تقييم جهود التجديد، أو لتحديد الأوقات التي يلزم فيها منع الصيد التجاري.