اخر الاخبار

الحياة وراء جدران الرسوم الجمركية صعبة

منذ ثمانينيات القرن الماضي، اعتقد دونالد ترمب بأنه ينبغي للولايات المتحدة أن تتمترس خلف جدار ضخم من الرسوم الجمركية. ربما يدفعه تداعي الأسواق والتوقعات بحدوث ركود لبعض التراجع، لكن بعدما بلغ 78 عاماً من عمره وفيما يمضي قدماً في ولايته الرئاسية الثانية، قد يستمر في انتهاجه للسياسة التي دافع عنها لمعظم حياته. إذا جاء الأمر كذلك، فسيكون إرثه أمةً كئيبةً مستاءةً ومنهزمةً.

المواطن الأميركي العادي غير مستعد للانعزال عن الأسواق العالمية بقدر عدم استعداد المؤسسات الأميركية لهجوم الرئيس الشعبوي القوي. لعلّه ينبغي على من عاشوا كلا الحالين في أرجاء أخرى من العالم أن يصفوا لهم كيف كان الحال.

لقد وعد المستشار الرئاسي ستيفن ميلر بأن الرسوم الجمركية المرتفعة ستؤدي إلى “تحول هائل ” في مستقبل أميركا، وهذا بالضبط ما سيشعرون به. سيبدأ البلد الأكثر حيويةً وحظاً في العالم يشعر بالضياع والتخلف. وستبدأ الولايات المتحدة، التي هي محط حسد العالم وإعجابه، تحسد الآخرين على طريقة عيشهم.

أنا نشأتُ في الهند التي فرضت قيوداً ورسوماً جمركيةً واسعةً على الواردات. وكانت السلع الاستهلاكية، على وجه الخصوص، تخضع لرسوم جمركية تبلغ 50%. وقد جعلنا هذا أمة من المتفرجين، اعتادوا على افتراض أنهم لن يحصلوا على الأشياء الجيدة إلا بعد الآخرين. كنا نسمع ونقرأ عن ابتكارات تقنية لا يستخدمها إلا الأثرياء منا.

بلغت الحادية عشرة قبل أن أمسك بجهاز ”ووكمان“ (Walkman) وكان ذلك في رحلة إلى المملكة المتحدة. يبدو أن عشاق الألعاب الإلكترونية الأميركيين سيذوقون طعم إقصاء مشابه قريباً؛ فقد جمّدت شركة ”نينتيندو“ طلبات شراء ”سويتش 2“ (Switch 2) من زبائنها في الولايات المتحدة. وفي وقت ما في المستقبل، قد يضطرون إلى التعامل مع مشاهدة نظرائهم الأوروبيين أو اليابانيين يفتحون صناديق أجهزة جديدة يصعب الحصول عليها محلياً.

غياب المنافسة يعني الحصول على منتج رديء

حتى لو انطلقت عمليات التصنيع خلف جدران الرسوم الجمركية، فإن غياب المنافسة العالمية يسمح لها بالمبالغة في الأسعار مع تقليص الميزات. قد تعتمد الهواتف الذكية المُصنّعة في الولايات المتحدة بدائل أرخص عن مستشعرات الكاميرات المتطورة (اليابانية) أو أحدث شاشات اللمس (الكورية). وسيتحوّل شعار “صنع في الولايات المتحدة” من فخرٍ إلى اعترافٍ برداءة الجودة، وهذا ما شعرنا به في الهند سابقاً تجاه شعار “صنع في الهند”. لحسن الحظ، تجاوزنا هذه المرحلة منذ انفتاح الاقتصاد.

سيبدأ الأميركيون، الذين انقطعت عنهم أحدث وأفضل المنتجات، بطلب المساعدة من أصدقائهم وزملائهم المسافرين إلى الخارج لإحضار ما يرغبون باقتنائه. عندما كنتُ صغيراً، كان يُفترض من كل زائرٍ يأتي من الخارج أن يحمل معه هدايا من الساعات أو الشوكولا أو حتى أواني طبخ تمنع الالتصاق. قد تتواجد هذه الأشياء في المنازل، لكن فارق السعر جعل قضاء أشهر في البحث عمّن يجلبها عبر الحدود منطقياً.

ستُنشئ المدن الحدودية الكندية مراكز تسوقٍ ضخمةً تستهدف المستهلكين الأميركيين. وكما كانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية تُضيّق الخناق على الأميركيين الذين يشترون الأدوية الموصوفة من كندا، سيتعين إنشاء هيئةٍ بيروقراطيةٍ اتحادية جديدة داخل الجمارك وحماية الحدود الأميركية لتتحقق مما إذا كان المسافرون يُحضرون معهم شحناتٍ من هواتف ”أيفون“ لتفادي الرسوم الجمركية.

مكاسب وعصابات

لسبب وجيه، قد تتمكن من استرداد ثمن تذكرة طائرتك في الخارج عبر بيع بعض الهواتف التي تشتريها بلا رسوم جمركية عبر موقع “إيباي”. بينما قد يجني الأفراد ربحاً سريعاً، ستظهر العصابات الإجرامية حتماً. وهذا أمر آخر يُقلق وزارة الأمن الداخلي، المثقلة بالمهام.

في الماضي، كانت المتاجر الكبرى الفاخرة في آسيا أو أوروبا تعج بسياح صينيين يجرون حقائبهم ويملؤونها بمشتريات فاخرة؛ وفي يوم قريب، قد يكون هؤلاء السياح أميركيين. في بعض البلدان، مثل سريلانكا، ما يزال الإقبال على السلع المعفاة من الرسوم الجمركية كبيراً لدرجة أن متاجر مطار كولومبو تبيع ثلاجات وغسالات للركاب العائدين.

هذه ليست طريقاً إلى حياة سعيدة، فهي تدفع على الغضب والاستياء. لكن قد يعتقد البعض في الإدارة أن على المستهلكين الأميركيين دفع هذا الثمن طواعيةً لكي تزدهر الأجيال القادمة.

هيمنت الولايات المتحدة على العالم تحديداً لأنها وعدت بعكس ذلك. عندما حاور ريتشارد نيكسون نيكيتا خروتشوف عام 1959 وهو يقف في مطبخ نموذجي في ضاحية أميركية. كان الزعيم السوفيتي هو من تحدث عن الأجيال القادمة حينذاك. وكانت أقوى حجج نيكسون هي أن أحدث وأفضل التقنيات كانت بمتناول الأسر الأميركية العادية.

أدركت الولايات المتحدة، التي واجهت الاتحاد السوفيتي، أنه لا ينبغي الاستخفاف بشغف المستهلك، فهو القوة الأقوى في السياسة، وأن الرغبة بالحصول على سروال جينز من إنتاج ”ليفي“ وأسطوانات موسيقى الروك من شأنها أن تُسقط قوةً عظمى، فهكذا انتصرت في الحرب الباردة الأخيرة.

إذا نسيت أميركا هذه الحقائق التي طالما اعتبرتها بديهية، فستخسر الحرب القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *