اخر الاخبار

الحرب في الشرق الأوسط لن توقف مسيرة “طريق السيليكون” الجديد

السمة الأبرز في سلاسل التوريد الآسيوية خلال العقد الأخير كانت إعادة توجيه بوصلة التصنيع إلى وجهات مختلفة. حيث قلصت صناعات بأكملها اعتمادها على الصين عبر نقل عمليات التصنيع إلى دول منخفضة التكلفة مثل فيتنام والهند.

اختارت شركات السيارات اليابانية وشركات الأدوية الهندية التوسع في المكسيك لتكون على مقربة من السوق الأميركية. غير أن مساراً جديداً أخذ يتبلور في الآونة الأخيرة، يربط آسيا بالشرق الأوسط.

التكهنات بشأن احتمال انضمام الولايات المتحدة إلى الهجوم الإسرائيلي على إيران قد تربك خطط قادة الأعمال وتؤدي إلى تأجيل الأنشطة التجارية على طول هذا الممر الجديد. مع ذلك، ما لم تتصاعد الأعمال العدائية إلى كارثة كبرى مثل إغلاق مضيق هرمز الحيوي أمام حركة الشحن، فمن غير المرجح أن تُقوّض هذه التوترات المبررات الاقتصادية لإحياء طريق الحرير التاريخي.

تنجذب الشركات الآسيوية إلى الشرق الأوسط بفعل الشهية القوية لدى السعودية وقطر والإمارات لاستثمار ثرواتها النفطية، عبر ضخ تريليونات الدولارات، في قطاعات عديدة تشمل السيارات الكهربائية والذكاء الاصطناعي.

“طريق السيليكون” يربط آسيا بالخليج

الممر الناشئ، الذي أُحبّ أن أُسميه “طريق السيليكون”، بات يجتذب كبار التنفيذيين من سول وشنغهاي وتايبيه ومومباي نحو الفرص الاستثمارية المتاحة في الرياض وأبوظبي ودبي والدوحة. كما أن المصرفيين من لندن وسنغافورة وطوكيو  يسرعون الخطى للحاق بهذا التوجه الجديد نحو الاستثمار في “طريق السيليكون”. 

الدليل الأقوى على هذا التحول الجديد يأتي من استطلاعات “كوليشن غرينتش” (Coalition Greenwich)، التي تجري سنوياً مقابلات مع أكثر من 1500 شركة ضمن دراستيها المتعلقتين بالخدمات المصرفية للشركات الكبرى وتمويل التجارة في آسيا.

في دراسة تمويل التجارة على وجه التحديد، تبيّن أن استراتيجيات التنويع الجغرافي التي تصدّرت قائمة أولويات المسؤولين التنفيذيين منذ الولاية الأولى للرئيس دونالد ترمب، قد اكتسبت زخماً متزايداً العام الماضي، حيث قال 34% من بين أكثر من 700 مشارك إنهم اتجهوا إلى مواقع جديدة، مقابل 29% فقط خلال عام 2023.

وكما كان متوقّعاً، تصدّرت الهند وفيتنام قائمة الوجهات الجديدة، فيما برز اسم اليابان في بعض الحالات، بفضل ميزة التصدير الناتجة عن انخفاض قيمة الين. لكن الشريحة التي استحوذت على أكبر قدر من اهتمام عملاء البنوك، بحسب استطلاع “كوليشن”، كانت تلك التي تسلّط الضوء على ازدهار العلاقات البنكية بين الشركات الآسيوية ودول منطقة الخليج العربي.

 الهيمنة الكورية في مشاريع الخليج

تحظى التكتلات الكورية الجنوبية المعروفة باسم “تشيبول” بحضور راسخ في منطقة الشرق الأوسط، يمتد عبر طيف واسع من الصناعات التقليدية والحديثة. فعلى سبيل المثال، كانت وحدة الإنشاءات التابعة لمجموعة “سامسونغ” هي المقاول الرئيسي في مشروع بناء “برج خليفة” الشهير في دبي.

فيما تولت الذراع الهندسية التابعة لمجموعة “هيونداي موتور” بناء مفاعلات نووية في الإمارات. وتتجه المجموعة الآن إلى إنشاء مصنع لتجميع السيارات في المملكة العربية السعودية. قامت شركة الإنترنت الكورية العملاقة “نيفر كورب” (Naver Corp) بإنشاء نماذج رقمية افتراضية واسعة النطاق لمدن مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، بهدف دعم جهود التخطيط الحضري.

أصبح النجاح الكوري نموذجاً يُحتذى به للآخرين. فمقارنة بعام 2020، ارتفعت نسبة الشركات التايوانية والهندية التي تشير إلى الشرق الأوسط كسوق تعزز فيها الأعمال المصرفية الخارجية بنسبة 9%، كما زادت النسبة بين الشركات الصينية وتلك العاملة في هونغ كونغ بما يتراوح بين 5% و6%.

هذا التوجه لا يبدو مجرّد موجة عابرة. يقول روتشيرنغاد أغاروال، رئيس وحدة الخدمات المصرفية المؤسسية في آسيا والشرق الأوسط لدى “كوليشن غرينتش”: “لا يزداد فقط عدد الشركات التي تشير إلى هذا الممر، بل كذلك عدد البنوك التي تستعين بها تلك الشركات لإنجاز معاملاتها”.

 ثبات الحضور الأوروبي في تمويل الشركات

أما من حيث الاستخدام، فتبلغ حصة البنوك الأوروبية نحو 29% من سوق الخدمات المصرفية للشركات في هذا الممر، وهي نسبة مستقرة لا تُثير الاستغراب، بالنظر إلى التاريخ الطويل لمؤسسات بريطانية مثل “إتش إس بي سي” و”ستاندرد تشارترد” في كل من آسيا والشرق الأوسط.

كما اتجه بنك “بي إن بي باريبا” (BNP Paribas)– الذي تعود جذوره إلى عمليات أسّسها سلفه في الصين والهند عام 1860، إلى منطقة دول الخليج العربي في أوائل السبعينيات، سعياً وراء عائدات النفط (البترو-دولار).

اللافت في نتائج الاستطلاع  هو تنامي الاعتراف بدور البنوك الصينية واليابانية. ففي مركز دبي المالي العالمي، تُهيمن أكبر خمسة بنوك صينية على نحو 30% من أصول الخدمات المصرفية وأسواق رأس المال. 

السعودية تقود ممر آسيا– الشرق الأوسط 

لقد برز ممر آسيا– الشرق الأوسط استجابةً للجهود السعودية الطموحة الرامية إلى تقليص اعتماد المملكة على النفط. قد تُنفق السعودية تريليوني دولار لتحقيق هذا الهدف، وهو ما سيحفّز الطلب على كل شيء بدءاً من البنية التحتية المادية وصولاً إلى برمجيات الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات. في المقابل، تستعد دبي لإطلاق خدمة سيارات الأجرة الطائرة.

سـتـكـون الـشـركـات الآسيوية هي المزوّد الرئيسي للأدوات والتقنيات اللازمة لهذه “الاندفاعة الاستثمارية الكبرى” في الشرق الأوسط، على غرار من وفّروا المعاول والمجارف خلال اندفاعة الذهب التاريخية. وستعتمد بشكل متزايد على مصارفها المحلية أو على بنوك إقليمية مثل مجموعة “دي بي إس هولدينغز” (DBS Group Holdings) السنغافورية لتوفير رأس المال التشغيلي. أما المؤسسات الأوروبية المتخصصة في تمويل التجارة، فقد تجد نفسها مضطرة لبذل جهد أكبر من أجل الحفاظ على نفوذها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *