التقلبات تضرب وول ستريت مجدداً وسط تصاعد حرب ترمب التجارية

اهتزت الأسواق مجدداً تحت وطأة موجات من التقلبات، حيث تعرّضت الأسهم والسندات والسلع لتقلبات حادة، بفعل سيل جديد من الأخبار المرتبطة بحرب الرئيس الأميركي دونالد ترمب التجارية، والتي عززت من الضبابية التي تخيم على آفاق الاستثمار والاقتصاد.
واجه المتداولون الذين يبحثون عن قاع في سوق الأسهم الأميركية بعد موجة بيع بلغت قيمتها تريليونات الدولارات، سلسلة من التقلبات يوم الإثنين. فعلى الرغم من ابتعاد مؤشر “إس آند بي 500” عن عتبة السوق الهابطة، إلا أن تحركه خلال اليوم بنسبة 7% كان الأكبر منذ عام 2020، عندما أدت جائحة كورونا إلى تعطيل الأسواق العالمية.
وتراجعت السندات الأميركية في جلسة مضطربة، حيث ارتفعت العوائد على جميع آجال الاستحقاق بما لا يقل عن 10 نقاط أساس، وهو انعكاس حاد عن الهبوط الذي سُجّل في وقت سابق من اليوم.
قال ترمب إنه لا يفكر في تعليق خطته لفرض رسوم جمركية إضافية على عشرات الدول، على الرغم من تواصل الشركاء التجاريين الراغبين في تجنب هذه الرسوم، لكنه في الوقت ذاته أبدى انفتاحاً على بعض أشكال التفاوض.
وفي الوقت الذي تمايلت فيه الأسواق، أطلق بعض عمالقة وول ستريت تحذيرات قوية. فقال بيل آكمان إن الولايات المتحدة “تتجه نحو شتاء اقتصادي نووي من صنع يدها”. وتوقّع بواز وينشتاين أن “الانهيار لم يبدأ بعد فعلياً”. وقال جايمي دايمون إن الوضع “قد يكون كارثياً على المدى الطويل”.
قال كريس لاركن من “إي*تريد” التابعة لـ”مورغان ستانلي”: “في الوقت الراهن، يبدو أن الأخبار القادمة من واشنطن ستستمر في دفع تقلبات السوق في هذا الاتجاه أو ذاك”.
وأضاف: “الجانب الآخر من المعادلة هو أن بعض أدنى مستويات السوق الملحوظة في العقود الماضية قد سبقها تقلبات مماثلة، رغم أنه من المستحيل دائماً التنبؤ بمتى ستصل الأسعار إلى القاع”.
تحذيرات من خيبة أمل للمراهنين على التعافي السريع
بحسب مات مالي من “ميلر تباك”، فإن أولئك الذين يأملون في تعافٍ سريع على شكل “V” في سوق الأسهم سيصابون بخيبة أمل كبيرة.
قال مالي: “من المحتمل أن نشهد ارتداداً قوياً في وقت قريب، لكن عملية إعادة تسعير السوق بما يتناسب مع الواقع الاقتصادي ستستغرق وقتاً”. وأضاف: “سيكون هناك متسع من الوقت للتحرك بقوة عندما يتضح أكثر أن الأسوأ قد أصبح خلفنا”.
أما الاستراتيجي في “إتش إس بي سي”، ماكس كيتنر، فيرى أن هناك إمكانية لـ”ارتداد قصير جداً” في أسواق الأسهم، وقد تستفيد مجموعة “العظماء السبعة” (أمازون، ألفابت، إنفيديا، أبل، ميتا، مايكروسوفت، تسلا) من ذلك أكثر من غيرها. لكنه حذر من أن هذا الارتداد قد يمهد الطريق لهبوط آخر.
من جانبه، يرى مايكل ويلسون من “مورغان ستانلي” أن على المستثمرين الاستعداد لمزيد من الهبوط في مؤشر “إس آند بي 500” إذا لم تتراجع المخاوف المرتبطة بالرسوم الجمركية.
قال جوناثان كرينسكي من “بي تي آي جي”: “كثير من المؤشرات وصلت إلى مستويات ذعر عادة ما تكون مرتبطة بقاعات سوقية مهمة على مدار الأربعين عاماً الماضية”. وأضاف: “المشكلة هي أنه عندما تدخل الأسواق في منطقة الاستسلام، فإنها غالباً ما تتحرك إلى ما هو أبعد مما يتخيله كثيرون”.
فيما يخص مؤشر التقلبات “VIX”، فقد ابتعد عن مستوى 60 نقطة الذي بلغه في وقت سابق يوم الإثنين، لكن منحنى العقود الآجلة يشير إلى أن التقلبات قد تظل مرتفعة لأشهر، مما يخلق بيئة تداول صعبة.
نشاط صناديق التحوط يعيد رسم التوقعات
عادة ما تصل موجات البيع الكبرى إلى ذروتها في أجواء من الخوف الشديد، وهو ما لم يتم بلوغه بعد، على الأقل وفقاً لمؤشر التقلبات “VIX”.
فقد بلغ المؤشر، الذي يقيس الطلب على حماية المحفظة الاستثمارية من تقلبات الأسهم، ذروته عند حوالي 66 نقطة في أغسطس، خلال موجة بيع بسبب فك صفقات الشراء الممولة بالين الياباني، وبلغ 85 نقطة في موجة بيع 2020 المرتبطة بجائحة كورونا. أما في عام 2008، فقد قفز إلى ما يقرب من 90 نقطة بفعل الذعر من الأزمة المالية الكبرى.
كتب استراتيجيو “بيسبوك إنفستمنت غروب”: “ستسمعون كل أنواع الآراء حول متى وأين ستلامس السوق القاع، لكنها كلها مجرد تخمينات”. وأضافوا: “لا أحد يعرف حتى الآن”.
لكن بصيص الأمل قد يكون في ما يُعرف بـ”الأموال الذكية”، التي ربما تقترب من نقطة قاع تكتيكي.
فقد زادت صناديق التحوط من رهاناتها ضد مجموعة من الأصول الأميركية الكلية بنسبة 22% الأسبوع الماضي، وهي أكبر قفزة خلال أكثر من عقد، بحسب فنسنت لين من “غولدمان ساكس غروب”.
لكن ما يبقى خطراً كبيراً هو أن المستثمرين الأفراد لم يبيعوا بعد الأسهم الأميركية بشكل ملحوظ، ما يشكل تهديداً إضافياً لسوق الأسهم.
قال ريتشارد سابرستين من “تريجري بارتنرز”: “الهبوط السريع والمفاجئ في سوق الأسهم هو إعادة تسعير تعكس ركوداً وشيكاً ناتجاً عن أعباء الرسوم الجمركية”.
وأضاف: “لن تنتعش الأسواق قبل أن يتم التفاوض على الرسوم وتخفيضها، وقبل أن تنخفض التقييمات إلى مستويات جذابة للغاية، وتحسن المؤشرات الأساسية، ولا شيء من هذه العوامل متوفر في الوقت الحالي”.
خفض التوقعات للمؤشرات والرهان على خفض للفائدة
أدى الانخفاض في الأسهم إلى تراجع تقييمات الأسهم الأميركية إلى أدنى مستوى منذ أواخر عام 2023.
لكن بالنسبة إلى لاري تنتاريلي من “بلو تشيب ديلي ترند ريبورت”، ينبغي على المستثمرين الحفاظ على تموضع دفاعي، ومستويات سيولة أعلى من المتوسط، وتقليل أو تجميد عمليات الشراء الجديدة حتى تهدأ التقلبات.
قال تنتاريلي: “اتجاه السوق في بداية الأسبوع سيعتمد على دورة أخبار الرسوم الجمركية”. وأضاف: “إذا طرأ تغيير إيجابي كبير في الأخبار، فقد تستفيد الأسواق. وحتى ذلك الحين، استعدوا لنطاقات تداول واسعة جداً”.
وفي ظل تهديد الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب والتي قد تقلب النظام الاقتصادي العالمي، يسارع محللو وول ستريت إلى تعديل توقعاتهم بشأن الأسهم الأميركية.
فقد خفض دوبرافكو لاكوس-بوغاس من “جيه بي مورغان تشيس” توقعاته لنهاية العام لمؤشر “إس آند بي 500” من 6500 إلى 5200 نقطة. وخفّض جون ستولتزفوس من “أوبنهايمر”، الذي كان من أكثر المتفائلين حتى مارس، توقعاته من 7100 إلى 5950 نقطة. كما خفضت مؤسسات أخرى مثل “إيفركور آي إس آي”، و”غولدمان ساكس”، و”سوسيتيه جنرال” أهدافها في الأيام الأخيرة.
كتب ستولتزفوس في مذكرة للعملاء يوم الإثنين إن حالة عدم اليقين “بلغت مستويات يصعب على المستثمرين التعامل معها”، وأضاف أن ذلك “يترافق مع نغمة سلبية توحي بأن الأمور ستظل قاتمة إلى ما لا نهاية”.
أما سوليتا مارسيللي من “يو بي إس لإدارة الثروات العالمية”، فقالت: “في السيناريو الأساسي، نتوقع أن تبدأ معدلات الرسوم الجمركية الفعلية الأميركية في التراجع اعتباراً من الربع الثالث، بعد مرحلة أولية قد ترتفع فيها الرسوم. كما نتوقع أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 75 إلى 100 نقطة أساس لدعم الاقتصاد. وفي هذا السيناريو، نعتقد أن مؤشر إس آند بي 500 قد يتعافى ليصل إلى 5800 نقطة بحلول نهاية العام”.
الاحتياطي الفيدرالي تحت الضغط
أثار الانهيار العنيف في الأسواق المالية بسبب تصاعد الحرب التجارية لترمب، تكهنات يوم الإثنين بشأن إمكانية تدخل الاحتياطي الفيدرالي لكبح الخسائر. لكن العديد من المراقبين حذروا من التعويل على ذلك.
فمع استمرار التضخم فوق هدف البنك المركزي الأميركي، وظهور زيادات في الأسعار نتيجة الرسوم الجمركية، يقول اقتصاديون ومحللون إنهم يعتقدون أن مسؤولي الفيدرالي سينتظرون حتى يظهر تأثير الأزمة على الاقتصاد الحقيقي قبل خفض الفائدة، وهو ما قد يستغرق شهوراً للظهور في البيانات الرسمية.
قال مايكل جابين، كبير الاقتصاديين الأميركيين في “مورغان ستانلي”، لقناة “بلومبرغ” يوم الإثنين: “إذا لم نحصل على ركود، سيكون من الصعب على الفيدرالي أن يتجاهل هذا التضخم على المدى القصير”. وأضاف: “الفيدرالي سيظل في حالة انتظار في المستقبل المنظور”.