الاضطرابات تنهي تفوق سندات الأسواق الناشئة دون الاستثمارية

تسبّب التراجع في الإقبال على المخاطر عالمياً في توجه المستثمرين في الأسواق الناشئة نحو السندات الاستثمارية المقومة بالدولار، في إشارة إلى أن الانتعاش الذي استمر سنوات طويلة في السندات من الدرجة دون الاستثمارية للدول النامية ربما يكون قد بلغ نهايته.
يُقبل مديرو أموال من شركات «باينبريدج إنفستمنتس» (Pinebridge Investments) إلى «تي رو برايس» (T. Rowe Price) و«تي سي دبليو غروب» (TCW Group) على شراء السندات السيادية من دول مثل المكسيك وكولومبيا وجنوب أفريقيا، مستفيدين من ارتفاع سيولتها، وإمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال، وتقييماتها المنطقية. ترى هذه الشركات أن السندات ذات التصنيف الائتماني ما بين “BB” و”BBB” باتت مهيأة جيداً للاستفادة من تراجع عوائد سندات الخزانة الأميركية، وكذلك تحمل تكاليف الاقتراض المرتفعة التي قد تضر بالبلدان الأكثر خطورة.
قال أندرس فيرغمان، كبير مديري الأموال في «باينبريدج إنفستمنتس» بلندن: «نرى قيمة أكبر في السندات من فئة “BBB/BB” في الأسواق الناشئة نتيجةً لقوى السوق الحالية، والانخفاض الطفيف في المعنويات. يعني ذلك تقليل الانكشاف على فئة السندات دون الدرجة الاستثمارية عالية المخاطر، وتبنّي نهج أكثر حذراً تجاه الديون المتأثرة بشدة بتقلبات سندات الخزانة الأميركية».
سجلت سندات الأسواق الناشئة ذات التصنيف الاستثماري ارتفاعاً بلغ 2.5% في 2025، متفوقةً بذلك على السندات عالية المخاطر لأول مرة منذ خمس سنوات. يزداد هذا التفوق وضوحاً في الديون دون الدرجة الاستثمارية عالية الجودة نسبياً؛ إذ حققت السندات الدولارية المصنفة عند “BB” متوسط عائد بلغ 3% للمستثمرين، بقيادة دول مثل بنما والبرازيل وكولومبيا، وفقاً لمؤشر أعدته «بلومبرغ».
الرسوم الجمركية تربك الأسواق العالمية
تعرّضت الأسواق العالمية لتقلبات عنيفة في الأسابيع القليلة الماضية، بسبب سياسة الرسوم الجمركية المتقلبة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والمخاوف المتزايدة من ركود اقتصادي في الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم. ازدادت حالة التذبذب نتيجة عدم اليقين بشأن اتفاق السلام في أوكرانيا، والانتخابات في عدة دول بدءاً من ألمانيا وكندا إلى الأسواق الناشئة.
دفعت هذه الاضطرابات بالمتداولين نحو الأصول الآمنة، حيث ارتفع الذهب بشكل كبير، بينما تراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية. أما في الأسواق الناشئة، فقد دفع ذلك المتداولين بعيداً عن الديون الأكثر خطورة نحو الديون الأعلى جودة، والتي عادةً ما ترتبط بشكل أكبر بالأصول في الأسواق المتقدمة. كما أن احتمال ترقية تصنيف دول مثل المغرب إلى الدرجة الاستثمارية قد يجذب المزيد من التدفقات النقدية إلى السوق، ما يعزز أداء هذه السندات.
يمثل هذا التحول اختلافاً واضحاً عن سياسة «اشترِ أي شيء وأنت مغمض العينين» التي كانت سائدة في سوق الديون دون الدرجة الاستثمارية، وحققت للمستثمرين عوائد من خانتين خلال العامين الماضيين. أما الآن، مع استمرار منع بعض الدول الهشة من دخول أسواق رأس المال العالمية، واتساع هوامش الفائدة، وتضخم مدفوعات الفوائد على ديون تقدر بنحو 29 تريليون دولار، فقد ظهرت فئة جديدة من السندات المتفوقة.
الأسوأ أداءً بين سندات الأسواق الناشئة
في الوقت ذاته، تراجعت الدول التي حققت أعلى المكاسب العام الماضي، مثل الإكوادور والسلفادور والأرجنتين، لتصبح بين الأسوأ أداءً في 2025، حيث يرى المتداولون أن الفوارق في عوائد الديون ذات التصنيفات المنخفضة لم تعد كبيرة بما يكفي لمكافأة المستثمرين.
أوصى مصرف «جيه بي مورغان» الخميس الماضي بخفض الانكشاف على مخاطر السندات المتعثرة، مشيراً إلى مخاوف من أن التقييمات المشددة تاريخياً لن تصمد أمام تصحيحٍ أكبر في الأصول ذات المخاطر، وسط مؤشرات على ضعف الاقتصاد الأميركي، وهو موقف أعاد استراتيجيو المصرف تأكيده هذا الأسبوع.
قال سامي مؤدي، رئيس الدخل الثابت للأسواق الناشئة في شركة «تي رو برايس»، إن السندات السيادية الاستثمارية في الاقتصادات الناشئة ستكون أقل تأثراً بالتحولات السياسية مثل تراجع الولايات المتحدة عن تقديم المساعدات الخارجية، والذي قد يضر بالدول منخفضة الدخل.
أضاف مؤدي أنه حتى المكسيك التي لا تزال تواجه تهديدات التعريفات الجمركية، تتمتع بوضع مالي قوي بما يكفي لتحمل بعض الأخبار السيئة. تمتلك الدولة، وهي واحدة من قلة في أميركا اللاتينية تحظى بتصنيف استثماري، سندات دولارية يصل عائدها إلى أكثر من 7%.
قال مؤدي: «تلك ميزة جاذبة على المدى الطويل؛ إذ يمكنك تحقيق العائد التاريخي لفئة الأصول بشكل أكثر أماناً».
سندات المكسيك وكولومبيا مغرية للمستثمرين
من جانبها، ترى بولينا كورديافكو، رئيسة ديون الأسواق الناشئة في «آر بي سي بلو باي أسيت مانجمنت» (RBC BlueBay Asset Management)، أن الفوارق في السندات السيادية للمكسيك وكولومبيا اتسعت أكثر من اللازم كردة فعل على تهديدات الرئيس الأميركي ترمب بفرض الرسوم الجمركية.
أوضحت كورديافكو أن «التقييمات في هذه الدول تعوض المستثمرين بشكل مبالغ به عن مخاطر الرسوم الجمركية، واحتمال تدهور الأساسيات الاقتصادية»، مضيفةً: «هذه الدول هي من بين استثماراتنا الأساسية ذات الثقل، لأن اتساع الفوارق جاء مدفوعاً بمخاوف من السياسات التي نراها مبالغاً فيها قليلاً».
بحسب بيانات «جيه بي مورغان»، يبلغ الفارق في العائد بين سندات المكسيك الدولارية وسندات الخزانة الأميركية 332 نقطة أساس، وهو ما يزيد عن ضعف نظيراتها التي تحمل التصنيف نفسه. كما أن الفارق في العائد لصالح كولومبيا أيضاً أكبر من متوسط السندات في الأسواق الناشئة المصنفة عند “BB”.
قال ديفيد روبنز، مستثمر الأسواق الناشئة في شركة «تي سي دبليو غروب»: «كان هناك علاوة مخاطر أكبر بكثير مما أدركناه في تلك السندات»، مسلطاً الضوء أيضاً على بنما باعتبارها من أبرز الدول التي حققت مكاسب حتى الآن هذا العام، بعوائد بلغت نحو 6%. أضاف: «بدأنا نرى تضييقاً في الفوارق هناك».
لبنان وبوليفيا وسورينام استثناءات إيجابية محدودة
تفوق عدد محدود من الدول المصنفة بالدرجة “CCC” أو أقل أداءً هذا العام. يستفيد لبنان حالياً من المفاوضات الجارية بشأن الديون ووقف إطلاق النار في الشرق الأوسط. ارتفعت سندات بوليفيا بفضل دفعات الفوائد، ومؤشرات على تغيير محتمل في النظام السياسي، بينما استفادت سورينام من طفرة كبيرة في النفط. لكن بشكل عام، تواجه السندات دون الدرجة الاستثمارية ذات التصنيف المنخفض مزيداً من العقبات مع تدهور المعنويات تجاه المخاطر.
اختتم مؤدي قائلاً: «في عام 2025، يتسم التوجه في سوق السندات السيادية بخفض المخاطر والابتعاد عن الأسواق المبتدئة نحو الأسواق الرئيسية، مع تفضيل الاعتماد على الأسماء التقليدية المعروفة ذات التصنيف الائتماني الجيد».