الاستثمارات السعودية في ميامي: كيف تعزز المملكة نفوذها؟

بقلم: محمد البيشي
لطالما كانت ميامي واحدة من أكثر المدن حيوية على الخريطة الاقتصادية للولايات المتحدة، فضلاً عن كونها منصة لتصدير المبدعين، لكنها اليوم تتجاوز دورها التقليدي كمركز مالي وسياحي لتصبح نقطة ارتكاز استراتيجية للمستثمرين الدوليين. في قلب هذا التحول، تبرز السعودية كلاعب رئيسي، مستغلة الموقع الجغرافي الفريد للمدينة لتعزيز حضورها الاقتصادي في الأميركتين.
كانت زيارتي لميامي الأسبوع الماضي واحدة من أبرز التجارب العملية التي خضتها ومن أكثر المؤتمرات الاقتصادية التي وجدت فيها إدراكاً واضحاً لحجم الجهود المستمرة التي تبذلها السعودية في تنويع اقتصادها، والفرص الاستثمارية التي توفرها. في كل ركن من أركان المؤتمر، كان الجميع يتحدث عما وصلت إليه السعودية وآفاق المستقبل.
يعتمد رجال الأعمال على الحقائق والأرقام، وليس العاطفة؛ إذ إن أي قرارات غير دقيقة قد تكلّفهم مبالغ طائلة، ما يجعلهم يحرصون على دقة المعلومات التي يطرحونها، لأن الزمن كفيل بكشف الحقيقة. ولهذا، فإن المليارديرات ورؤساء كبرى الشركات العالمية الذين شاركوا في “قمة الأولويات” (FII Priority Summit)، التي تُنظم سنوياً من قِبل “مبادرة مستقبل الاستثمار” التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، يدركون تماماً أن كل كلمة يدلون بها محسوبة عليهم.
من هذا المنطلق، شعرت بفخر كبير وأنا أستمع إلى رؤساء شركات عالمية مثل “جوجل” و”بلاك روك”، إضافةً إلى مديري صناديق التحوط ورؤساء شركات تقنية متخصصة في الذكاء الاصطناعي والابتكار، وهم يشيدون بالخطوات التي تتخذها السعودية ويؤكدون اهتمامهم بالاستثمار في المملكة.
لماذا ميامي؟
تُعدّ ميامي القلب النابض للأميركيتين، سواء من الناحية الجغرافية أو الاقتصادية، إذ تقع في نقطة محورية بين أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية. ومن هذا المنطلق، تعمل وزارة الاستثمار السعودية وصندوق الاستثمارات العامة والجهات المعنية بالمملكة على الاستفادة من هذه المدينة في تسويق الاقتصاد السعودي داخل القارتين، وخصوصاً في الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك، والبرازيل، وفنزويلا. فميامي تُعدّ نقطة جذب رئيسية تجمع المستثمرين العالميين، مما يجعلها منصة مثالية للحديث عن الفرص الاستثمارية في السعودية.
إن مشاركة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وأحد أثرى رجال العالم، إيلون ماسك، إلى جانب نخبة من كبار المستثمرين والميارديرات، على منصة استثمار سعودية في مدينة أميركية، يُعدّ بحد ذاته إنجازاً تسويقياً استثنائياً للاقتصاد السعودي. فهذا النوع من الحضور الدولي رفيع المستوى لا تحظى به أي دولة بسهولة في عالم اليوم.
وهنا أدركت لماذا اختار صندوق الاستثمارات العامة ومؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار مدينة ميامي لاستضافة هذا الحدث. وأغتنم الفرصة لأُشيد بحسن إدارة وتنظيم هذا الحدث العالمي، الذي تميّز بتغطية اقتصادية واسعة، وكان حافلاً بالنقاشات واللقاءات التي تعكس مكانة السعودية المتنامية على خارطة الاستثمار العالمية.
حقائق اقتصادية عن ميامي
يتميز اقتصاد ميامي بتنوعه الواسع، ما يجعلها واحدة من أكثر المدن ازدهاراً في الولايات المتحدة. فهي وجهة سياحية وتجارية ومالية وتكنولوجية بارزة، ما يعزز من مكانتها كمركز اقتصادي عالمي.
يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لميامي نحو 300 مليار دولار، ما يعكس قوة اقتصادها. وتتميز بمعدل بطالة منخفض يبلغ نحو 3%، وهو من أدنى المعدلات عالمياً وداخل الولايات المتحدة. يبلغ عدد سكان المدينة نحو 460 ألف نسمة، بينما يتجاوز عدد سكان منطقة ميامي الكبرى 6.1 مليون نسمة. فيما يصل متوسط دخل الفرد في ميامي إلى نحو 50 ألف دولار سنوياً.
تستقبل ميامي أكثر من 16 مليون سائح سنوياً، ما يعزز قطاعي الضيافة والخدمات كما أنها تُعد مركزاً تجارياً رئيسياً، حيث يمر عبر ميناء ميامي أكثر من 7 ملايين حاوية سنوياً، مما يجعله من أكبر الموانئ في العالم.
تمتلك قطاعاً مالياً قوياً، إذ تحتضن العديد من البنوك والمؤسسات المالية الكبرى، مثل “بنك أوف أميركا”، “ويلز فارغو”، “سيتي بنك”. ويُعد ميدان بريكل (Brickell) أحد أهم مراكز المال والأعمال في الولايات المتحدة، وهو ليس مجرد مركز مالي، بل تحول أيضاً إلى نقطة جذب سياحي. وهي مركز تكنولوجي مهم بسبب وجود عديد من الشركات التكنولوجية الكبرى مثل “أوراكل”، “إلكترونيك آرتس”، “سيسكو سيستمز”. تمتلك قطاعاً صناعياً متقدماً، حيث يُعد ميناء ميامي أحد أهم مراكز التصنيع في الولايات المتحدة. كما تُعتبر وجهة للشركات الكبرى، مثل “كوكا كولا”، “أميركان إيرلاينز”، “كارنيفال كوربوريشن”. ويعد ميدان وينوود (Wynwood) مركزاً رئيسياً للابتكار والتكنولوجيا، حيث كانت “لوسيد” حاضرة بقوة هناك. كما تمتلك ميامي أحد أقوى أنظمة المترو في أميركا.
قمة ميامي: منصة استثمارية سعودية عالمية
بالعودة إلى الحدث المميز، فقد شهدت قمة ميامي، التي استمرت على مدى 3 أيام، مناقشات موسعة حول الاستثمار، والتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والديون السيادية، وأسواق المال، ومستقبل الاقتصاد العالمي. وقد ضمت قائمة المتحدثين نخبة من صناع القرار، سواء رؤساء تنفيذيين لشركات كبرى أو مسؤولين في مؤسسات مالية واقتصادية مرموقة.
وهذا يؤكد استراتيجية السعودية في اختيار ميامي كوجهة لجذب المستثمرين والمبدعين من مختلف أنحاء العالم، حيث تمثل المدينة بوابة رئيسية لأسواق أميركا الشمالية والجنوبية.
بعيداً عن عالم الاستثمار، تُعرف ميامي أيضاً بشواطئها الخلابة وثقافتها الغنية، مما يجعلها وجهة مثالية تجمع بين العمل والترفيه. لا نهاية للأنشطة التي يمكنك القيام بها في ميامي، فهذه المدينة ليست مجرد مكان إنها بحق تجربة مليئة باللحظات التي لا تُنسى.