الأميركي يأكل 19 كيلوغراماً من الجبن سنوياً وقد يزيد استهلاكه
هل يستطيع المرء أن يقول اكتفيت من الجبن؟ يراهن منتجوه على امتداد الولايات المتحدة بمليارات الدولارات على أن الناس لن يقولوا ذلك. لقد ازداد استهلاك الفرد الأميركي للجبن بأكثر من الضعف منذ باشرت الحكومة بتتبع الأرقام عام 1975، إذ بلغ نحو 19 كليوغراماً سنوياً، أي أكثر من إجمالي استهلاكه للزبدة والمثلجات واللبن الرائب معاً.
لذا فإن منشآت صناعة الأجبان تشكل أكثر من نصف مشاريع الألبان التي بدأت أو ستبدأ العمل بين 2023 و2026، بحسب الجمعية الدولية لمنتجات الألبان.
دور الحميات الغذائية
لقد خصصت مثلاً شركة “غريت ليكس تشيز” (Great Lakes Cheese) أكثر من 700 مليون دولار لإنشاء معمل في نيويورك من شأنه مضاعفة ما تستهلكه الشركة من حليب، فيما أقدمت شركة “لاكتاليس يو إس إيه” (Lactalis USA) على ما وصفته باستثمار “ضخم” للتوسع نحو إنتاج جبنة الفيتا، كي تواكب ارتفاع الطلب على هذا النوع من الجبن الأبيض في ظلّ الإقبال على الطهي في المنازل وانتشار وصفة معكرونة جبنة الفيتا بالفرن عبر الإنترنت.
أمّا شركة “سارجينتو فودز” (Sargento Foods) فجدّدت معملين في ولاية ويسكونسن، وكانت قد أبرمت أيضاً قبل فترة وجيزة شراكة مع “مونديليز إنترناشونال” (Mondelēz International) لطرح أكياس صغيرة بها تشكيلة من قطع الجبنة مع كعك “تشيبس أهوي” (Chips Ahoy) وبسكويت “تيدي غراهامز” (Teddy Grahams). وقال رود هوغان، كبير مسؤولي الابتكار في “سارجينتو”: “يكاد يستحيل أن تتجوّل في أي من منشآتنا دون أن تمرّ أمام لافتة مكتوب عليها (تحت الإنشاء)”.
بيّن كوري غايغر، الخبير الاقتصادي المتخصص بشؤون الألبان في مصرف “كوبنك” (CoBank) الزراعي إنه خلال فترة رواج الحميات الغذائية قليلة الدهون في بداية التسعينيات، شُنّت “حرب غذائية” على الدهون المشبّعة، فأقبل الأميركيون على الحليب واللبن الرائب الخاليين من الدسم، واستمر ذلك إلى حين برزت الحميات الغذائية منخفضة الكاربوهيدرات مثل حمية “أتكينز” و”ساوث بيتش” في مطلع الألفية، ما أعطى دفعة جديدة للأجبان.
رغم تجنب أتباع حمية “الباليو” والأشخاص النباتيين لمنتجات الألبان في السنوات التي تلت، إلا أن الطلب المتزايد على الأطعمة الغنية بالبروتين أعاد الجبن إلى قوائم الطعام.
الإغلاقات زادت رواج الأجبان
أسهمت أيضاً جائحة كورونا في تعاظم الإقبال على الأجبان. فحين أغلقت المطاعم أبوابها، تحول الناس إلى تحضير أطباقهم المفضلة بأنفسهم في المنزل، واستعملوا فيها كميات وفيرة من الجبنة، فيما اغتنم آخرون فرصة العمل من المنزل على بعد أمتار من ثلاجاتهم ليتلذذوا بالطعام. وقدّر مصرف “كوبنك” قيمة الوجبات الخفيفة المصنوعة من الجبنة حول العالم بنحو 75 مليار دولار.
يحتوي الجبن التقليدي على أربع مكوّنات فقط: الحليب والملح والبكتيريا وأحد أنواع الأنزيمات، فتضيف بساطته إلى جاذبيته. وقال مايكل بوردني، رئيس شركة “تشالنج ديري برودكتس” (Challenge Dairy Products) المتخصصة بإنتاج الزبدة في كاليفورنيا إن كلمة “دهون” لم تعد مصطلحاً سلبياً كما كانت في السابق، بيد أن مطلح “معالج بشدّة” هو المكروه راهناً.
تنتج شركة “أغري–مارك” (Agri-Mark) مالكة لتعاونية “كابوت كريمري” (Cabot Creamery) قطع جبنة مربعة الشكل بحجم معد خصيصاً لتوضع على البسكويت الهش من دون الحاجة لتقطيعها بالسكين. وكانت هذه التشكيلة من الأجبان المقطعة حسب حجم البسكويت بدأت مع ستّة أصناف جبنة مختلفة في 2017، ليرتفع العدد إلى 12 اليوم بعد إضافة جبنة غودا في مايو.
تصنع تعاونية “كابوت” أكثر من 140 نوعاً من الجبن، حيث تفوّقت الإصدارات الجديدة من الجبن على باقي فئات الألبان التي تنتجها الشركة، بحسب سارة هيلي، نائبة الرئيس الأولى لشؤون التسويق. قالت هيلي: “تحولت الجبنة من وجبة خفيفة كان يشعر المستهلكون ببعض الذنب إذا ما تناولوها إلى أمر يجلب لهم السعادة”.
هل يجاري الطلب العرض؟
توفّر هذه الاستثمارات في صناعة الأجبان متنفساً لقطاع الألبان الذي يترنح بعد عقود من تراجع الإقبال على شرب الحليب في أكواب كبيرة كما سلف، ويعزى بعض هذا التراجع إلى ظهور بدائل نباتية مثل حليب اللوز أو حليب الشوفان.
لكن تأثير الحليب النباتي لم يمتد إلى الأجبان، فهنالك أجبان نباتية، لكنها لم تحظ برواج كبير لعدم قدرتها على مضاهاة قوام الجبن الحيواني وثبات نكهته وذوبانه.
إلا أن الأسر الأميركية قد لا تستهلك ما يكفي من الجبن لمواكبة الارتفاع الكبير المرتقب في إنتاج الأجبان، فنزعات الحميات الغذائية تتغير باستمرار. مثلاً، يشهد جبن “القريش” رواجاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يجعله وغيره من أنواع الجبن بين الأطعمة المفضلة لدى متبعي حمية كيتو.
لكن من ناحية أخرى، الجبن هو أيضاً أحد المكونات الرئيسية في أصناف أخرى من المأكولات الغنية بالسعرات الحرارية مثل البيتزا وتشيز برغر، وهما من أول المأكولات التي يتخلى عنها الراغبون باتباع نمط حياة صحي.
قالت إيريكا مايدكي، نائبة الرئيس في الشركة البحثية “إيفر دوت إيه جي إنسايتس” (Ever.Ag Insights) “ببساطة، لا يوحي مستوى الطلب المحلي ولا الظروف الاقتصادية باستمرار النمو على هذا النحو السريع، ونعتقد أن موجة الاستثمارات هذه بالأخص في مجال الأجبان، ستقود إلى فائض في المعروض، أقلّه على المدى القصير”.
قدرة السوق على التكيف
مع ذلك، يمكن لزيادة الإنتاج أن تحمل بشرى سارة للمستهلكين الذين عانوا من ارتفاع الأسعار إلى معدلات قياسية خلال العامين الماضيين، رغم أنها عادت وانخفضت بشكل طفيف. كذلك، يمكن لخفض الأسعار أن يساعد أيضاً المنتجين الأميركيين في الاستحواذ على حصة أكبر من الأسواق الدولية.
رغم أن الولايات المتحدة استوردت في العام الماضي أجباناً بقيمة قياسية بلغت 1.8 مليار دولار، منها أصناف جبن تصعب محاكاتها من دول مثل فرنسا وإسبانيا، فهي تعدّ دولة مصدّرة مكتفية ذاتياً. وكانت مبيعات الأجبان الأميركية في الخارج، من جبن شيدر ويسكونسن إلى جبن كوتيخا واسعة الشعبية في المكسيك، قد سجلت معدلات قياسية على الصعيد الشهري في مارس.
ترى كارا ميرفي من شركة “هاي غراوند ديري” (HighGround Dairy) المتخصصة بتحليلات سوق الألبان أنه حتى في حال تراجع الإقبال على الأجبان، يمكن أن يساعد اللبن الرائب والكريمة ومسحوق بروتين مصل اللبن في دعم القطاع، على الرغم من أن الحليب العادي لم يعد محرّك نمو مثلما كان سابقاً.
وقالت: “الجبن والزبدة هما العمود الفقري لصناعة الألبان الأميركية، وما يميز صناعة الألبان هو قدرتها الفائقة على التكيف”.