الأسهم الآسيوية تسجّل أكبر قفزة منذ عامين مع تراجع ترمب عن الرسوم

سجّلت الأسهم الآسيوية أكبر ارتفاع لها منذ أكثر من عامين، مدفوعةً بتعافي الأسواق المالية العالمية، بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعليق معظم الرسوم الجمركية الانتقامية واسعة النطاق. كما شهدت سندات الخزانة الأميركية موجة ارتفاع عقب جلسة متقلبة.
وارتفعت المؤشرات في مختلف أنحاء آسيا يوم الخميس، في حين قفزت العقود الآجلة للمؤشرات الأوروبية بأكثر من 9%، بعد أن صعد مؤشر “إس أند بي 500” الأميركي بنسبة 9.5% يوم الأربعاء، محققاً أفضل أداء يومي له منذ الأزمة المالية العالمية.
وتراجعت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بعد ارتفاع بمقدار 34 نقطة أساس خلال الأيام الثلاثة الماضية، ما أثار مخاوف بشأن استقرار أكبر سوق ديون في العالم. كما انخفض مؤشر الدولار لليوم الثالث على التوالي، بينما ارتفع سعر الذهب بعد تحقيقه أكبر مكاسب يومية له منذ 18 شهراً.
استيعاب تداعيات الرسوم
جاءت التحركات في الأسواق الآسيوية امتداداً للتقلّبات الحادة التي شهدتها الأسواق خلال الأسبوع الماضي، مع محاولة المستثمرين استيعاب تداعيات الرسوم الجمركية المفاجئة التي فرضها ترمب، قبل أن يتراجع عنها بشكل مفاجئ.
انتقد عدد من المستثمرين تلك الرسوم، بينما حذّر اقتصاديون من احتمال دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود، وخفّض خبراء استراتيجيات السوق توقعاتهم لأداء الأسهم، في ظل محاولة الرئيس الأميركي إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي. وشهدت سوق السندات الأميركية تقلبات عنيفة لفتت انتباه ترمب، ما دفعه إلى التراجع عن نهجه.
وقال فريدريك نيومان، كبير الاقتصاديين في آسيا لدى بنك “إتش إس بي سي”: “تنفّس المستثمرون في آسيا وخارجها الصعداء. فتعليق الرسوم الجمركية الانتقامية من قبل الولايات المتحدة يمنح مزيداً من الوقت أمام المفاوضات. وهذا الأمر بالغ الأهمية بالنسبة لاقتصادات آسيا المعتمدة على التصدير، نظراً لما كان لتلك الرسوم الأميركية المرتفعة من تأثيرات سلبية على النمو”.
بعد أن تسببت التقلّبات في محو ما يقرب من 10 تريليونات دولار من القيمة السوقية لأسواق الأسهم العالمية، وتراجعت سندات الخزانة الأميركية بشكل حاد، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعليقاً لمدة 90 يوماً على الرسوم الجمركية الانتقامية التي طالت عشرات الشركاء التجاريين عقب دخولها حيز التنفيذ عند منتصف الليل. ومع ذلك، تم رفع الرسوم الجمركية على الصين إلى 125%، وذلك بعدما ردّت بكين بفرض رسوم بنسبة 84% على السلع الأميركية.
مكاسب في أسواق الصين
ووفقاً لمسؤول في البيت الأبيض، فإن الدول التي طُبّقت عليها الرسوم الانتقامية الأعلى اعتباراً من يوم الأربعاء، ستخضع مؤقتاً للحد الأدنى القديم البالغ 10%، والمُطبق على دول أخرى، باستثناء الصين التي ستظل خاضعة للرسوم الأعلى.
وانتقلت موجة الارتياح إلى الأسواق الصينية، حيث سجّلت المؤشرات الرئيسية في هونغ كونغ والصين مكاسب قوية، رغم أن اليوان في السوق الداخلية تراجع إلى أضعف مستوياته منذ عام 2007.
وكان ترمب وصف يوم الأربعاء سوق الديون الأكبر في العالم بـ”الجميلة”، بعدما تسبّب تراجعها المفاجئ عن سياسته التجارية في تقلبات حادة في سوق السندات. وتفاقمت خسائر سندات الخزانة قصيرة الأجل، التي تُعد ملاذاً آمناً للمستثمرين في أوقات الاضطراب، مع انتقال رؤوس الأموال إلى سوق الأسهم بعد تعافيها الكبير.
وقال رايان نومان من شركة “زيفير” للاستشارات المالية: “كانت الأيام الماضية بمثابة رحلة قطار ملاهي. لكن هناك شيء واحد مؤكد: إذا كان هناك ما هو مؤكد في عالم الاستثمار، فهو أن الأسواق والمستثمرين لا يحبون عدم اليقين. وهذا بالضبط ما رأيناه، فالرسوم الجمركية كانت متقلبة وغير متوقعة، والتعافي اليوم أشبه بموجة شراء بعد الانخفاض، أو ما يُعرف برالي الارتياح”.
وفي أسواق السلع، استقرّ النفط بعد تعافيه من أدنى مستوى له خلال أربع سنوات.
دعوة الرئيس للشراء
قبل أقل من ساعة من تصريحات الرئيس ترمب، شهدت عملية بيع سندات لأجل 10 سنوات بقيمة 39 مليار دولار طلباً جيداً، رغم القلق الذي انتاب بعض المستثمرين في السوق من أن سياساته قد تُثني المشترين الأجانب. وكان ذلك قد تبع رد فعل فاتر على بيع سندات لأجل ثلاث سنوات يوم الثلاثاء، ما يعزز من الخلفية الأكثر إيجابية لمزاد سندات لأجل 30 سنة المقرر يوم الخميس.
جاء التعافي في أسواق الأسهم بعد حوالي ثلاث ساعات من دعوة ترمب للأميركيين بالبقاء هادئين ومواصلة الاستثمار، حيث نشر على وسائل التواصل الاجتماعي قائلاً: “هذه وقت رائع للشراء”. وكان ذلك بعد أيام من توتر الأسواق التي شملت أسواق المال والفوارق الائتمانية، بالإضافة إلى سلسلة من المناشدات من حلفاء ترمب من أصحاب المليارات لوقف تنفيذ برنامجه للرسوم الجمركية العالمية.
وفي وسط تقلبات الجلسات السابقة، نصح بعض مراقبي السوق بالحذر في تفسير التوجه الصعودي للأسواق. فتهديدات ترمب بالرسوم الجمركية قد أضرت بقدرة مديري الشركات على التخطيط للمستقبل، وأثرت على العلاقات الدولية إلى درجة جعلت النمو الاقتصادي العالمي يظل موضع شك طويل الأمد.
علامة مشجعة
قال مارك هاكيت من شركة “ناشيون وايد”: “إن فترة التوقف لمدة 90 يوماً علامة مشجعة على أن المفاوضات مع معظم البلدان كانت مثمرة”. وأضاف: “كما أنها تضخ بعض الاستقرار الضروري في السوق التي اهتزت بسبب عدم اليقين. ومع ذلك، لم نخرج من الأزمة بعد. يجب تجنب إغراء ملاحقة الزخم والحفاظ على السيطرة على العواطف”.
قام اقتصاديون من مجموعة “غولدمان ساكس” بإلغاء توقعاتهم بشأن حدوث ركود في الولايات المتحدة بعد أن أعلن الرئيس ترمب عن فترة توقف لمدة 90 يوماً على معظم الرسوم الجمركية التي تم الإعلان عنها سابقاً.
قال فريق “غولدمان ساكس” بقيادة يان هاتزيوس يوم الأربعاء في مذكرة: “في وقت سابق اليوم، قبل إعلان الرئيس ترمب، كنا قد تحولنا إلى فرضية الركود استجابة للرسوم الجمركية الإضافية المحددة لكل دولة، والتي دخلت حيز التنفيذ هذا الصباح. الآن نعود إلى توقعاتنا السابقة التي لا تتضمن الركود”.