اكتتابات السعودية تصنع جيلاً جديداً من المليارديرات
لم يكن الكثيرون يعرفون أن محمد العبار، الرئيس التنفيذي لشركة “إعمار العقارية”، يُصنّف ضمن خانة المليارديرات إلا بعد طرح “أمريكانا” للاكتتاب العام الأولي في البورصة السعودية، والذي جمع 6.7 مليار ريال تقريباً، ما أهّل رجل الأعمال الإماراتي، المساهم الرئيسي في الشركة، للانضمام إلى مؤشر بلومبرغ للمليارديرات.
بروز “العبار” والعديد من الأسماء الأخرى، يلقي الضوء على التحولات التي تنتهجها دول الخليج لصناعة “أبطال محليين” جدد عبر القطاع الخاص، في إطار جهود تنويع الاقتصاد.
ومع تحول العالم نحو اقتصادات أكثر تنوعاً ومرونةً، تلعب الأسواق المالية دوراً متزايد الأهمية في إعادة تشكيل معايير الثروة. وفي هذا السياق، باتت المملكة العربية السعودية نموذجاً اقتصادياً ملفتاً، في إنشاء جيل جديد من أصحاب الثروات بعيداً عن صناعة النفط والطاقة ضمن خطط تنويع الاقتصاد وفق رؤية 2030.
من أبرز أدوات هذا التحول، كانت الاكتتابات العامة الأولية التي لم تقتصر على جذب الاستثمارات الدولية وحسب، بل أصبحت أداة فعالة في صناعة الثروات الفردية والجماعية كذلك.
جمعت الاكتتابات الأولية في السعودية 15.2 مليار ريال (4.1 مليار دولار) عبر 16 طرحاً خلال العام الجاري، إلا أن القيمة التي اكتسبتها الشركات المُدرَجة أفرزت عدداً ملحوظاً من أصحاب الثروات. وكان عام 2024 شاهداً على ميلاد 11 من أصحاب الثروات الجدد.
مليارديرات جدد في الطريق
قطاع الرعاية الصحية السعودية كشف وحده عن 5 مليارديرات خلال العام الجاري؛ أبرزهم كانوا الأبناء الثلاثة للدكتور سليمان الفقيه، بعد طرح شركة “فقيه الطبية”، بالإضافة إلى عبدالله الموسى، المالك المؤسس لشركة “الموسى الصحية”.
ورغم أن قطاع الرعاية الصحية لم يكن مصدراً رئيسياً لصناعة الثروة لسنوات، لكنه تغير مع اهتمام الحكومة بالقطاع في خطتها لتنويع الاقتصاد، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في تقديم الخدمات، حيث تسعى حكومة السعودية إلى تغطية 25 مليون مستفيد يمثلون 70% من السكان بالتأمين الصحي الخاص بحلول عام 2030.
نشرة الإصدار الخاصة باكتتاب “الموسى الصحية” كشفت عن توقعات لنمو القطاع بنسبة 6.5% سنوياً حتى عام 2030 ليصل إلى 360 مليار ريال، على أن ترتفع مساهمة القطاع الخاص إلى الربع مقارنة بـ18% في 2023.
والاكتتابات العامة الأولية هي العملية التي تتحول من خلالها الشركات من ملكية خاصة إلى شركة عامة تطرح أسهمها للتداول في البورصة. هذه العملية ليست مجرد وسيلة لجمع الأموال للشركات؛ بل هي منصة للمستثمرين الأفراد لتحقيق مكاسب مالية ضخمة إذا ما استُثمرت بحكمة.
شاب سعودي يكرر قصة “جيف بيزوس”
على غرار جيف بيزوس مؤسس شركة “أمازون دوت كوم”، استفاد عمر العليان، وهو شاب سعودي من فورة التجارة الإلكترونية وعمليات الرقمنة بالمملكة في عام 2017 ليحول متجراً صغيراً إلى شركة بقيمة 4 مليارات ريال في غضون 8 سنوات.
وتخرّج العليان، من الجامعة في 2016، ليؤسس شركة “نايس ون” في العام 2017، مستفيداً من عمليات التحول الاقتصادي والاجتماعي في المملكة، ليصل بشركته إلى الاكتتاب العام الأولي والذي يجري الأسبوع الحالي.
“نايس ون” تحولت إلى شركة ذات مسؤولية محدودة في عام 2018 برأسمال مليون ريال فقط، قبل أن تبدأ الاستعداد لطرح عام أولي، قاد ثروة مؤسسيها؛ عمر العليان، وابن عمه، عبدالرحمن العليان، إلى نحو 1.5 مليار ريال لكل منهما على حدة.
تعمل “نايس ون” كمنصة تجارة إلكترونية لبيع منتجات العناية الشخصية بالأساس، ولديها مستودعات تخزين في الرياض، وجدة، بالإضافة إلى أسطول شحن.
الاسم
|
الشركة
|
الحصة
|
قيمة الحصة بالمليون ريال
|
---|---|---|---|
عمار سليمان الفقيه |
فقيه الطبية
|
39.99% | 6346 |
مازن سليمان الفقيه | فقيه الطبية | 39.99% | 6346 |
منال سليمان الفقيه | فقيه الطبية | 20% | 3147 |
سعد الماجد | الماجد للعود | 22.5% | 819 |
خالد الماجد | الماجد للعود | 22.5% | 819 |
سليمان الماجد | الماجد للعود | 22.5% | 819 |
ماجد الماجد | الماجد للعود | 22.5% | 819 |
عبدالله الموسى وأبناؤه | الموسى الصحية | 95% | 5752 |
وليد آل إبراهيم | مجموعة إم بي سي | 36% | 6583 |
عمر العليان | نايس ون | 40.16% | 1546 |
عبدالرحمن العليان | نايس ون | 37.46% | 1311 |
حققت معظم الشركات المطروحة للاكتتاب العام الأولي خلال عام 2024 قفزات سعرية وصلت في حدها الأقصى إلى 156% خلال الشهر الأول من الإدراج، بحسب مسح لـ”الشرق”.
هذه الارتفاعات استفاد منها مئات الآلاف من المكتتبين الأفراد، وحتى المؤسسات والصناديق العامة والشركات الحكومية التي شاركت في الاكتتابات عبر شريحة المؤسسات. ويعني هذا أن بعض المكتتبين استطاعوا مضاعفة استثماراتهم خلال شهر واحد فقط.
عادةً يشترط مدير الطرح ألا تقل قيمة الاكتتاب عن مليون ريال أو حتى أكثر في شريحة المؤسسات، وبالتبعية فإن هناك آلاف الشركات والمستثمرين ذوي الملاءة المالية نجحوا في كسب الملايين.
توقع علي خالبي، الرئيس التنفيذي لقطاع أسواق رأس المال بالمجموعة المالية “هيرميس”، أن تحقق المملكة أكبر عدد من الاكتتابات في العام المقبل، بما يشمل شركات مملوكة للدولة وأخرى خاصة، قائلاً: “شهدت العديد من الشركات نمواً ملحوظاً خلال السنوات الماضية، وترغب في الاستفادة من الاتجاهات الإيجابية في الاقتصاد الكلي للمملكة”، وفق ما ذكره لوكالة “بلومبرغ”.
على عكس الاتجاه السائد في الإمارات وعُمان حققت بعض الطروحات السعودية مثل “المتحدة الدولية القابضة” و”تمكين” أداءً قوياً في أيام التداول الأولى، وفقاً لبلومبرغ.
قال سامر الدغبلي، الرئيس المشارك لأسواق المال بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا في بنك “إتش إس بي سي” الذي يحتل المرتبة الأولى في ترتيب “بلومبرغ” لصفقات بيع الأسهم بالمنطقة من حيث القيمة: “الشركات التي تتطلع إلى مبيعات إضافية للأسهم ستحتاج إلى التنافس لجذب اهتمام المستثمرين وسط وجود العديد من الأسماء الجديدة”.
وأضاف لـ”بلومبرغ”: “لكي تواصل الشركات طروحات الأسهم، يجب أن تقدم قصة نمو قوية تتيح للمستثمرين تعزيز استثماراتهم”.
عطور بالمليارات
لعل أحد الطروحات البارزة في السوق السعودية هذا العام، هو الاكتتاب العام لشركة “الماجد للعود”، والتي كانت سبباً في إضافة قطاع جديد إلى السوق السعودية لـ”المنتجات المنزلية والشخصية”.
أبناء مؤسس الشركة، “علي بن عثمان الماجد”، حولوا شركة بقيمة 200 ألف ريال، إلى شركة تصل قيمتها السوقية إلى 3.7 مليار ريال بعد إدراجها في البورصة.
تتوزع ملكية الشركة بين الأبناء الستة للمؤسس، فيما يمتلك 4 أبناء حصصاً مسيطرة تبلغ قيمتها 820 مليون ريال لكل منهم، وفق بيانات “أرقام”.
أحد المنافع الجانبية الرئيسية لتحويل الشركات العائلية إلى شركات عامة، هو ما يُعرف بفصل الملكية عن الإدارة. بعض الأبحاث تشير إلى أن 13% فقط من الشركات العائلية يمكنها الانتقال إلى الجيل الثالث في الولايات المتحدة. بينما تُقدر النسبة بنحو 20% في السعودية، بحسب إحصائيات عُرضت في مؤتمر الشركات العائلية بالمملكة عام 2015. وبالتالي يكون لفصل الملكية دور فاعل في ضمان استمرارية الشركات بغض النظر عن خبرات الجيل الجديد من الملاك، مع الالتزام بقدر أكبر من الحوكمة والشفافية.
كما يجنب إدراج الشركات في البورصة الأجيال اللاحقة من النزاع على الملكية وحقوق الإدارة في الشركات العائلية.
خلع عباءة الموظف
اسم محمد العبار، كان لامعاً قبل الإدراج المزدوج لشركة “أمريكانا” في سوقي أبوظبي وتداول السعودية، إلا أن شهرته كرئيس تنفيذي لشركة “إعمار” الإماراتية المملوكة للدولة لم يكشف عن الحقيقة الكاملة عن ملياردير له مساهمات في شركة “أمريكانا” لإدارة المطاعم، و”نون” للتجارة الإلكترونية.
التحول من موظف من ذوي الياقات البيضاء إلى ملياردير ومؤثر، هو إشارة قوية لعمليات التحول الاقتصادي في دول الخليج، وإبراز الإمكانات الكبيرة للاقتصادات من خلال التنوع.
وللإعلام حصته
لعل وليد آل إبراهيم، المؤسس ورئيس مجلس إدارة “مجموعة إم بي سي” (mbc)، اسماً بارزاً في صناعة الإعلام في الشرق الأوسط، وأحد الرواد الأوائل للصناعة في المنطقة.
بدايات آل إبراهيم، كانت أوفر حظاً من العديد من الاسماء في القائمة، إلا أن تصنيفه كملياردير لم يتأت إلا بعد طرح المجموعة التي أسسها قبل أكثر من ثلاثة عقود في البورصة.
تُقدر قيمة حصته في “إم بي سي” بأكثر من 6.5 مليار ريال، إلا أنها ناجمة عن “مغامرة كبيرة” عبر استثمار عدة ملايين في مشروعه الناشئ حين أطلق “إم بي سي”، وفق ما ذكره في بودكاست “ثمانية” في فبراير الماضي.
تكلفة باهظة
أرقام وقيم الثروات لا تعني مطلقاً أنها أموال نقدية في خزائن أصحابها، لكنها مجرد ترجمة لقيمة الحصص مضروبة في أسعار الأسهم السوقية.
ولعل المثال الأبرز على التكلفة الباهظة لتحويل هذه الأموال إلى نقود سائلة، كانت محاولة أغنى رجل في العالم، إيلون ماسك، بيع حصص من ملكيته في شركة “تسلا” لتأمين الأموال اللازمة للاستحواذ على شركة “تويتر” بقيمة 44 مليار دولار.
“ماسك” الذي كانت تبلغ ثروته قبل الصفقة نحو 345 مليار دولار، كان يحاول فقط تدبير 13 مليار دولار، إلا أن قيمة ثروته تراجعت بأكثر من 200 مليار دولار خلال عمليات البيع تلك.
يشتهر في مجتمع المال، أن التمويل بحقوق الملكية هو أغلى أنواع التمويل. إدخال شركاء إلى أعمالك الناجحة يعني في المقابل توزيع أرباح وفقدان بعض السيطرة والمساءلة. فمشتري الأسهم يتوقع دائماً عائداً أعلى من قنوات الاستثمار الأقل مخاطرة، مثل السندات والصكوك.
ختاماً، ومع ازدهار الاكتتابات العامة الأولية وتزايد الاهتمام بالسوق السعودية، تبدو المملكة على أعتاب فصل جديد في رحلتها الاقتصادية. الاكتتابات ليست مجرد أدوات مالية؛ إنها تجسد الرؤية الطموحة للمستقبل، حيث تتشابك فرص الأفراد والشركات لصناعة ثروات غير مسبوقة.