استمرار واشنطن في تطوير الحرب التجارية سيكون وبالاً عليها

فتحت الولايات المتحدة جبهات جديدة في حرب تجارية تبدو عازمةً على شنّها على شركائها الاقتصاديين.
فرضت أوامر تنفيذية رسوماً جمركية قدرها 25% على جميع واردات الصلب والألمنيوم، بما يشمل صادرات حلفاء مثل أستراليا وكندا واليابان والمكسيك والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. ثم أعلنت الإدارة مبادرةً أوسع تهدف إلى فرض رسوم جمركية على مبدأ التعامل بالمثل، وهي تشمل الجميع.
كما هو الحال دائماً، يصعب تحديد ما الذي يأمل البيت الأبيض بأن يحققه من هذا كله. لقد علّقت الإدارة جولتها الأولى من الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا بعدما قدمت حكومتاهما تنازلات بخسة، وهذا يشير إلى أن التهديدات كانت أساساً خدعة سياسة. لكن لم تختف هذه النزاعات. إن التصعيدات الأخيرة تزيد تعقيدها فيما تضع بقية شركاء أميركا التجاريين في مرمى نيرانها.
تراجع الأسهم الآسيوية بعد تصريح ترمب بفرض رسوم جمركية جديدة
يسود الارتباك، لكن الإدارة متمسكة بفكرتين هما أن أميركا تتعرض للخداع، وأن المطالبات القاطعة بالتعويض ستحقق نتائج (من نوع ما). لكن كلا الطرحين لا منطقي.
دروس الماضي
لننظر في الرسوم الجمركية الجديدة على الصلب. إنها تحيي وتمدد رسوماً جمركية فُرضت حمايةً “للأمن القومي” في 2018، وكانت تلك السياسة فاشلة بالتأكيد، ولم تحقق نتائج كبيرة لناحية زيادة فرص العمل في صناعة الصلب الأميركية فيما سببت ارتفاعاً في الأسعار وهددت الوظائف في الصناعات التي تحتاج إلى الصلب الرخيص كلقيم. تصل تقديرات تكلفة كل وظيفة أنقذتها هذه السياسة إلى 900 ألف دولار سنوياً دون احتساب الخسائر الإضافية التي أحدثها رد الفعل الانتقامي اللاحق.
ترفع الرسوم الجمركية الأسعار، وتجعل المستهلكين أسوأ حالاً، وما هو أسوأ من ذلك أنها رسالة للمنتجين بأنه ليس عليهم بذل كثير من الجهد. نظرياً، قد يكون لاقتصاد كبير مثل الولايات المتحدة ما يكفي من القوة السوقية لإجبار الموردين على خفض أسعارهم، أي أن يدفع الأجانب الضريبة بدلاً من الأميركيين. لكن الدراسات تظهر أنه في الممارسة العملية، تنتقل التكاليف الأعلى إلى المستهلكين الأميركيين، وتتحمل الأسر ذات الدخل المنخفض الضربة الأكبر.
غموض سياسات ترمب الجمركية يزيد الضغوط على الاتحاد الأوروبي
للوهلة الأولى، تبدو أحدث فكرة للإدارة -التعامل بالمثل جمركياً- أكثر جاذبية، لأن الهدف قد يكون خفض الرسوم الجمركية التي تفرضها الدول الأخرى بدل تذليل ما تتقاضاه الولايات المتحدة على الواردات. تُعد الولايات المتحدة حالياً اقتصاداً مفتوحاً نسبياً: إذ إن شركاءها التجاريين غالباً ما يفرضون رسوماً جمركية أعلى على الصادرات الأميركية مما تفرضه الولايات المتحدة على صادراتهم.
فوز للجانبين أم رسوم هدامة؟
على سبيل المثال، تبلغ الرسوم التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على السيارات الأميركية 10%؛ وتبلغ الرسوم الجمركية الأميركية على السيارات المستوردة من الاتحاد الأوروبي 2.5%. لصد التهديد الأميركي برفع هذه النسبة، يفكر الاتحاد الأوروبي بخفض رسومه، وفي هذا فوز لكلا الجانبين.
لكن للأسف، فإن استراتيجية الإدارة أكثر طموحاً. فهي تقول إن المعاملة بالمثل لا بد أن تأخذ في الاعتبار أيضاً الإعانات والحواجز التنظيمية وغيرها من الممارسات التجارية “غير العادلة”. وهذه تدابير تستخدمها الولايات المتحدة، لكنها تبدو كدعوة للانتقام حين تستخدمها دول أخرى.
كما تقول الإدارة إن ضرائب القيمة المضافة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي هي صنف من الرسوم الجمركية، لكنها ليست كذلك: فهي ضرائب استهلاكية تعامل السلع المحلية والأجنبية على قدم المساواة. من هذا المنظور، تشكل أسعار الفائدة أيضاً سياسة تجارية. وإذا أدت إلى عملة مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية (أي أن تسبب العملة عجزاً تجارياً ثنائياً يشمل دولتها والولايات المتحدة أيضاً)، تصبح هذه أيضاً ممارسةً غير عادلة.
تعريف فضفاض للتعرفة الجمركية
إن تعريف المعاملة بالمثل على هذا النحو الواسع يجلب خلافات مريرة لا تنتهي. وقد تكون الرسوم الجمركية التي قد تعتبرها الولايات المتحدة مبررةً هائلة الحجم. وستكون الصعوبات الإدارية شديدة. سيتطلب الأمر رسوماً جمركية تتفاوت بين سلعة وأخرى ومورد أجنبي وآخر. وسيتعين على المفاوضات الثنائية التي لا نهاية لها أن تقيّم السياسات الاقتصادية الأوسع للشركاء التجاريين. كل هذه التفاعلات من شأنها أن ترسل نفس الرسالة إلى أصدقاء أميركا وحلفائها المحتملين: أنتم تغشون وستُستدعون لتلقي صفعةٍ واحداً تلو آخر.
لا شك أن قائمة متصاعدة من المطالب المستحيلة ستنجح بين الحين والآخر في تغيير سياسات الشركاء، وقد يكون ذلك أحياناً بشكل يساعد البلدان المعنية فضلاً عن الولايات المتحدة. لكن إن استمرت الإدارة بطريقة المواجهة المتهورة، فإن المخاطر هائلة. إن تفكيك النظام التجاري العالمي، وتحويل أصدقاء أميركا إلى أعداء، وفرض الضرائب على مستهلكيها وإغراق منتجيها في ضباب دائم من عدم اليقين ليس صيغةً رابحةً.