اخر الاخبار

استعادة قناة السويس نشاطها “هدية” لسوق السلع في 2026

تعرضت صناعة شحن البضائع حول العالم لسلسلة من الصدمات منذ عام 2000، بلغت ذروتها مع تعطل مسار البحر الأحمر وقناة السويس منذ نوفمبر 2023. 

ومن دون مبالغة في التفاؤل، هناك احتمال قوي بأن يُعاد فتح هذا الممر المائي في عام 2026، ما قد يخفّض تكاليف النقل ويخفف الضغط عن سلاسل الإمداد العالمية.

تتمتع القناة بأهمية كبيرة، حيث تمثل نقطة مرور لنحو 15% من تجارة السلع العالمية، وتصل هذه النسبة إلى الضعف تقريباً فيما يتعلق بحركة الحاويات.

لماذا تراجع الشحن في قناة السويس؟

تعطلت عمليات الشحن في القناة إلى حد كبير منذ نوفمبر 2023، حين بدأ الحوثيون، وهم جماعة متمردة تسيطر على مساحات واسعة من اليمن، في مهاجمة السفن التجارية عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ما أدى إلى إغراق ما لا يقل عن أربع سفن، وإشعال النيران في عدد آخر، ومقتل عدد من البحارة.

هذا التعطل أجبر شركات الشحن على سلوك الطريق الأطول حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، مضيفاً نحو 10 أيام لمدة الإبحار من آسيا إلى أوروبا، وملايين الدولارات من التكاليف الإضافية. ويقدّر بنك “آي إن جي” (ING Bank NV) أن هذا التحويل في المسار يطال حالياً نحو 6% من طاقة الأسطول العالمي، نتيجة طول الرحلات.

جاء ذلك بعد خمس سنوات عجاف لصناعة الشحن، شملت تداعيات جائحة كورونا، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وجنوح سفينة حاويات عملاقة في قناة السويس عام 2021، إضافة إلى اضطراب حركة الملاحة بين الأطلسي والهادئ خلال عامي 2023 و2024 بسبب جفاف ضرب قناة بنما.

تراجعت هجمات الحوثيين بعد رعاية الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة أواخر سبتمبر. ورغم هشاشة هذه الهدنة، فإن استمرارها -وهو أمر غير مضمون- قد يسمح بعودة حركة الملاحة عبر هذه الممرات. 

شركات الشحن تختبر قناة السويس

رسمياً، تقول كبرى شركات الشحن وأكبر تجار السلع في العالم إن العودة إلى القناة ليست خياراً متاحاً بعد. ولكن في الكواليس، بدأت هذه الجهات اختبار الأوضاع بحذر، عبر إرسال سفن منفردة، من بينها بعض أكبر سفن الحاويات في العالم، ذهاباً وإياباً في البحر الأحمر لمعرفة ما قد يحدث.

وحتى الآن، عبرت هذه السفن دون مشكلات. ووفق بيانات جمعتها بلومبرغ، بلغ عدد السفن العابرة للقناة في نوفمبر أعلى مستوياته منذ أكثر من عام ونصف.

اقرأ أيضاً: مصر تتوقع عودة حركة السفن في قناة السويس إلى طبيعتها خلال 3 شهور

الأهم من ذلك أن بعض الشركات بدأت اتخاذ خطوات تتجاوز اختبارات السفن الفردية، مقتربة أكثر من إعادة فتح جزئية. فشركة “سي إم إيه سي جي إم” (CMA CGM) الفرنسية، ثالث أكبر شركة شحن في العالم، ستلتزم للمرة الأولى منذ عامين بخدمة منتظمة من الهند إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة عبر مسار قناة السويس، ابتداء من مطلع 2026.

وبينما تتكتم شركات أخرى على تفاصيل جداولها، إلا أنها تشير إلى أن موقف “الانتظار والترقب” الذي تتخذه قد يتغير قريباً.

قال فينسنت كليرك، الرئيس التنفيذي لشركة “ميرسك”، الشهر الماضي إنه “إذا صمد وقف إطلاق النار، فسنكون قد اجتزنا مرحلة مهمة، وخطونا خطوة كبيرة نحو العودة للشحن عبر البحر الأحمر”.

3 مخاوف في قطاع الشحن..

مع ذلك، لدى القطاع ثلاثة أسباب رئيسية للحذر.

الأول: يتعلق باليمن وغزة. فالصراعان مرتبطان، واستمرار الهدوء في البحر الأحمر يعتمد على استدامة السلام بين إسرائيل وحماس. وإذا انهار الاتفاق، فقد يستأنف الحوثيون هجماتهم على السفن.

أما السبب الثاني: فهو حرص شركات الشحن على تجنب ما يُعرف بـ”الاضطراب المزدوج”، أي مخاطر العودة المبكرة إلى البحر الأحمر، ثم الاضطرار لاحقاً إلى التحول مجدداً للمسار الطويل حول أفريقيا إذا استأنف الحوثيون هجماتهم. 

هذه الضبابية تستدعي اختبار مسار قناة السويس عبر رحلات محدودة قد تمتد حتى ستة أشهر قبل التفكير في استئناف كامل، بحسب مسؤولي القطاع. والسيناريو الأرجح هو أن تواصل سفن الحاويات الإبحار حول أفريقيا عند انطلاقها من آسيا إلى أوروبا وهي محمّلة بالكامل، حيث تكون الجداول الزمنية حاسمة، فيما قد تختبر مسار السويس في رحلة العودة إلى آسيا، حيث تكون الحمولة أقل والتوقيت أقل حساسية.

والسبب الثالث، يتمثل في بقاء تكاليف التأمين على الملاحة في البحر الأحمر عند مستويات مرتفعة، ما يضعف الجدوى الاقتصادية لهذا المسار. يضاف إلى ذلك أن أسعار الوقود هبطت إلى أدنى مستوى في خمس سنوات عند نحو 350 دولاراً للطن المتري، مقارنة بذروة تجاوزت 500 دولار في 2003، ما يقلل من كلفة الإبحار حول أفريقيا. 

اقرأ أيضاً.. إنفوغراف: إيرادات قناة السويس تهبط لأدنى مستوى منذ عقدين

ومع اجتماع هذه العوامل كلها، تصبح الحوافز المالية للعودة إلى مسار القناة محدودة نسبياً.

..سبب رابع غير معلن للحذر

قال كونستانتين باك، الرئيس التنفيذي لشركة “إم بي سي كونتينر شيبس” (MPC Container Ships ASA)، للمستثمرين مؤخراً: “نعتقد أن الأمر سيستغرق بضعة فصول للابتعاد عن مسارات التي تحولت لها السفن تدريجياً. المسألة تتعلق بالموازنة بين الأمن والتأمين وتعديلات الشبكة واحتمالات الازدحام، وغيرها”.

كما هناك سبب رابع غير معلن للحذر، وهو: المال. فبمجرد إعادة فتح القناة، من المرجح أن تهبط أسعار الشحن بشكل حاد، إذ لن تكون هناك حاجة لنحو 6% من الطاقة العالمية التي استُخدمت لتغطية المسافات الإضافية حول أفريقيا.

بالفعل، بدأت تكاليف شحن الحاويات في الانخفاض استباقاً لذلك. فقد تراجع المؤشر المرجعي للقطاع إلى نحو 2000 دولار للحاوية القياسية بحجم 12 متراً، من قرابة 4000 دولار في بداية العام، وأكثر من 10 آلاف دولار خلال ذروة 2021، بحسب مؤشر “درويري العالمي لشحن الحاويات”. ومن المرجح تسجيل المزيد من التراجع إذا تحسنت الصورة اللوجستية.

ضغوط على أسعار الشحن والوقود

ولا تقتصر الآثار المحتملة لانحسار اختناقات الشحن على تكاليف النقل وحدها. فقد تتعرض أسعار النفط أيضاً لضغوط، مع تلاشي الزيادة في استهلاك الوقود الناتجة عن الإبحار حول أفريقيا. كما قد تتأثر سلع أخرى، مع تراجع المخاطر المحتملة على سلاسل الإمداد التي دفعت الشركات إلى الاحتفاظ بمخزونات أعلى كإجراء وقائي.

وبعد خمس سنوات مضطربة، لا يرغب الكثير من المديرين التنفيذيين في قطاع الشحن المغامرة والمبالغة في الحديث عن فرص إعادة فتح مسار البحر الأحمر.

ولكن أخيراً، هناك ضوء في نهاية القناة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *