اتهام أداني يضع ترمب أمام اختبار الحفاظ على نفوذ بلاده في الهند
في عام 2018، أحدث اعتقال مديرة تنفيذية لدى شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة “هواوي تكنولوجيز” لانتهاكها القوانين الأميركية، صدمة في نفوس دائرة المقربين من الرئيس شي جين بينغ، وأثار تساؤلات حول ما إذا كان الرئيس الأميركي حينذاك دونالد ترمب سيتدخل في القضية ويتخذ إجراءً بشأنها.
يواجه ترمب الآن معضلة مماثلة بعد أن اتهم ممثلو الادعاء في الولايات المتحدة غوتام أداني-أقوى رجل أعمال في الهند والحليف الوثيق لرئيس الوزراء ناريندرا مودي- في قضية رشوة مالية بقيمة 250 مليون دولار.
في حين وصف حزب مودي توجيه الاتهام إلى أداني بأنه شأن خاص، ونفت شركة “أداني” الاتهامات، فإن القضية تهدد بزعزعة العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والهند.
ترمب والتدخل في قضية أداني
رغم أن ترمب لم يتدخل في قضية “هواوي”، التي تمت تسويتها في نهاية المطاف خلال عام 2021 بعد مغادرته منصبه، فإنه على ما يبدو سيكون لديه حافز أكبر للتدخل أو إيجاد تسوية بسرعة لقضية أداني.
إلى جانب العلاقة الشخصية التي تربط ترمب بمودي، شكل الرئيس الأميركي القادم فريقه من المعادين للصين، الذين يسعون لتعزيز العلاقات مع الهند لموازنة نفوذ بكين في المنطقة.
مع ذلك، حتى لو قدم ترمب خدمة لأداني، الذي أشاد “بالإصرار الذي لا ينكسر” للرئيس المنتخب بعد فوزه في الانتخابات، فإن القضية بمثابة تذكير آخر على مدى نفوذ القانون الأميركي، والذي يمكن أن يؤثر على الأصدقاء والأعداء في جميع أنحاء العالم.
كما أن اتساع نطاق العقوبات الأميركية التي تستهدف روسيا والصين وحتى الهند، (على الرغم من حصول نيودلهي على إعفاءات في الغالب)، أدى إلى توسع مجموعة “بريكس” بسرعة، إذ تسعى الدول إلى إيجاد بديل لهيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي.
بالنسبة للهند على وجه الخصوص، فإن التهم الموجهة ضد أداني تعزز استراتيجيتها في الحفاظ على موطئ قدم في كلا المعسكرين الرئيسيين، حيث تبقى صديقة للولايات المتحدة وفي الوقت نفسه تحافظ على علاقات جيدة مع روسيا والصين وغيرهما من الاقتصادات الكبرى في ما يُعرف بقوة “الجنوب العالمي”.
وتواصل الهند الاعتماد على الأسلحة والطاقة الروسية، وتخطط قريباً لاستضافة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأول مرة منذ بدء الحرب في أوكرانيا.
قال براهما تشيلاني، أستاذ الدراسات الاستراتيجية لدى “مركز أبحاث السياسات” (the Center for Policy Research) في نيودلهي: “يُنظر إلى لائحة الاتهام الموجهة إلى أداني في نيودلهي على أنها ذات دوافع سياسية، وسيكون لها تأثير على التعاون والثقة المتبادلة بين الولايات المتحدة والهند ما لم تُسقط إدارة ترمب القادمة الملاحقة القضائية. وسيعتمد الكثير على كيفية سعي الإدارة الأميركية القادمة لرسم مسار العلاقة مع الهند”.
رفضت وزارة الشؤون الخارجية الهندية التعليق عندما تم الاتصال بها للحصول على مزيد من المعلومات. فيما لم يستجب فريق ترمب لطلبات الحصول على مزيد من المعلومات.
مودي تحت نيران المعارضة
في الوقت الحالي، يظل من غير الواضح ما إذا كان مودي سيسعى للابتعاد عن أداني، إذ يواجه ضغوطاً أكثر حدة من جانب المعارضة، التي ضاعفت عدد مقاعدها في البرلمان بعد الانتخابات في وقت سابق من العام، وتدفع السلطات الفيدرالية إلى فتح تحقيقات بشأن أداني. كما فقد حزب مودي بعض قوته في الانتخابات، الأمر الذي أجبره على تشكيل حكومة ائتلافية مع شركاء آخرين لأول مرة.
مع ذلك، إذا كان للهند بطل وطني، فهو “أداني غروب”. وتربط علاقات عميقة بين مودي والملياردير يعود تاريخها إلى عدة عقود مضت في ولاية غوجارات، التي ينحدران منها، وكان أداني له دور حاسم في مساعدة مودي على استعادة سمعته عندما تعرض للهجوم بسبب أعمال الشغب الدينية في عام 2002.
الاختلاف بين نهج الهند والصين
بعد اعتقال منغ وانزهو، ابنة مؤسس “هواوي”، صور الحزب الشيوعي الحادث بأنه بمثابة هجوم على الصين واحتفل بعودتها، حتى أنه قال إن شي أعطى تعليمات شخصياً بشأن القضية.
لكن مودي قد يتبنى نهجاً مختلفاً، وربما يلجأ إلى علاقاته الشخصية مع ترمب والاحتياج الاستراتيجي للولايات المتحدة لدعم الهند في المنطقة كأداة ضغط. وعلى الرغم من العلاقة الودية الموجودة بين ترمب ومودي، حيث يظهر كل منهما احتراماً كبيراً للآخر، إلا أنه لطالما انتقد الهند بسبب استغلالها للولايات المتحدة في التجارة.
قال ميلان فايشناف، مدير وزميل بارز في برنامج جنوب آسيا لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “ليس لدي أدنى شك في أن إشارات تم إرسالها بالفعل إلى فريق ترمب”. و”من المؤكد أن إدارة ترمب قد تقرر عدم متابعة هذه القضية أو تسويتها بسرعة ودون ضجة. السؤال بالطبع هو ماذا يريد ترمب المشهور بأنه يبحث عن تحقيق المصلحة خلال تعاملاته في المقابل؟.
تأثير فريق ترمب على القضية
يعتمد الكثير من تطورات قضية “أداني غروب” أيضاً على الشخص الذي سيتولى وزارة العدل في الولايات المتحدة. وتمت ملاحقة ترمب شخصياً أمام القضاء في عدد من القضايا التي يقول إنها ذات دوافع سياسية.
ويوحي ترشيح ترمب الأولي لأن يتولى مات غيتس منصب وزير العدل، واختياره لاحقاً لحليفته منذ فترة طويلة بام بوندي، بأنه ستكون هناك حواجز أقل للتدخل في القضايا ذات الحساسية السياسية.
ورشح ترمب بالفعل العديد من الأشخاص الرئيسيين لفريقه من المؤيدين للهند. ففي يوليو قدم ماركو روبيو، المرشح الذي اختاره ترمب لمنصب وزير الخارجية، مشروع قانون إلى مجلس الشيوخ الأميركي لتعزيز العلاقات الدفاعية مع الهند، ومعاملة الدولة الواقعة في جنوب آسيا كحليف لحلف شمال الأطلسي “ناتو” مثل اليابان. وحل مايك والتز، الذي اختاره ترمب مستشاراً للأمن القومي، ضيفاً على مودي في احتفالات الهند بيوم الجمهورية العام الماضي.
من المتوقع أيضاً أن تواجه الحكومة الأميركية تحدياً في التوازن بين مواقفها تجاه التعامل مع أداني، إذ منحته تأييدها العام الماضي عندما أعلنت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أنها ستوفر 553 مليون دولار لتمويل إحدى شركات مجموعته لبناء محطة ميناء في عاصمة سريلانكا، مما يمثل أكبر استثمار للهيئة الحكومية في البنية الأساسية لدى آسيا. من غير الواضح ما إذا كان هذا المشروع سوف يستمر.
حيادية السياسة الخارجية الهندية
بالنسبة للهند، التي اقتربت من الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، فإن قضية أداني تبرز فقط المخاطر الناجمة عن الانغماس الزائد في المعسكر الأميركي.
كانت التوترات مرتفعة بين البلدين بالفعل بعد أن اتهم المدعون الأميركيون موظفاً حكومياً هندياً بقيادة مؤامرة فاشلة لاغتيال انفصالي سيخي يحمل الجنسية الأميركية في نيويورك.
ووصف وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار ذات مرة السياسة الخارجية لبلاده بأنها ذات طابع “تحوطي” (التوازن أو الحياد بين الاختيارات المتعددة). وسمح هذا النهج للهند بالحفاظ على علاقات ودية مع الولايات المتحدة وحلفائها مع الحفاظ على علاقات طيبة مع بوتين، الذي تُعد بلاده مورداً رئيسياً للنفط والأسلحة.
قال سوشانت سينغ، المحاضر في قسم دراسات جنوب آسيا بجامعة ييل: “قد تكون الهند أكثر حذراً في تنويع مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، لكن حكومة مودي تدرك أن الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى في العالم ولا تستطيع الهند مواجهتها بشكل مباشر”.