اخر الاخبار

إيلون ماسك يستغل إطلاق سيارة الأجرة ذاتية القيادة لتجاوز خلافه مع ترمب

كانت شركة “تسلا” تراهن منذ البداية على إطلاق سيارتها ذاتية القيادة المرتقب بدرجة كبيرة، حتى قبل أن يُقدم إيلون ماسك على نسف تحالفه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ما أدى إلى هزة في سعر سهم الشركة. واليوم، يترقب المستثمرون نجاحاً يعيد ترميم صورة العلامة التجارية ويعيد “تسلا” إلى مسار النمو.

صرح ماسك أن “تسلا” ستبدأ خدمة سيارات الأجرة الذاتية الجديدة في مدينة أوستن اعتباراً من 22 يونيو الحالي، في خطوة تندرج ضمن رهان الشركة الكبير على الذكاء الاصطناعي وتقنيات القيادة الذاتية. رغم أن “تسلا” قدمت للمدينة تصوراً أولياً عن خطتها، فإنها لم تكشف موعد الإطلاق علناً حتى وقت متأخر من أمس الأول، حين حذر ماسك من أن موعد التدشين قد يتغير نظراً لما وصفه بـ”القلق الشديد من ناحية السلامة”.

التركيز على “تسلا”

جاء هذا الإعلان ضمن سلسلة منشورات كتبها ماسك طوال الليل، تضمنت ما يشبه الاعتذار حين قال: “أشعر بالندم على بعض منشوراتي” بشأن الرئيس، والتي “تجاوزت الحد”. وأسهمت هذه التصريحات في دفع سهم “تسلا” إلى الارتفاع بنسبة 3% أمس، في ظل دعوات المستثمرين لماسك بأن يركز مجدداً على إمبراطوريته التجارية.

اقرأ أيضاً: هل يُعرّض ماسك إمبراطوريته الاقتصادية للخطر بخصومته مع ترمب؟

قال الملياردير إن الإطلاق سيبدأ بشكل تدريجي، عبر تشغيل ما بين 10 إلى 20 مركبة، وتشير منطقة الاختبار التي تحققت منها “بلومبرغ نيوز” إلى أن المراحل الأولى من الخدمة تشبه عرضاً تجريبياً مطوراً أكثر منها إطلاقاً كاملاً.

ولكن ذلك قد لا يُشكل عائقاً أمام أشد المعجبين بـ”تسلا”، ولا حتى أمام سعر السهم. إذ غالباً ما أبدى المستثمرون استعداداً لمنح ماسك هامشاً من الثقة على المدى القصير، إيماناً منهم برؤيته طويلة الأجل.

في الوقت الراهن، تشهد مبيعات “تسلا” تراجعاً عالمياً، وسهم الشركة انخفض بنحو 20% منذ بداية العام الجاري، بينما خفض المحللون توقعاتهم لأداء الشركة. وبينما يسعى ماسك إلى إصلاح الضرر الناتج عن خلافه العلني مع ترمب، فإن التأثير الفوري على سهم “تسلا” وثروته الشخصية يُظهر مدى هشاشة التوازن بأكمله. فالحكومة الأميركية تؤدي دوراً مؤثراً بشكل كبير في إمبراطوريته التجارية، سواء من خلال العقود التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، أو عبر الأطر التنظيمية التي تحكم المركبات الذاتية القيادة وشبكة سيارات الأجرة الروبوتية التابعة لـ”تسلا”.

سيارة “تسلا” ذاتية القيادة

ترى نانسي تنغلر، الرئيسة التنفيذية وكبيرة مسؤولي الاستثمار في شركة “لافر تينغلر انفستمنتس” (Laffer Tengler Investments)، بمقابلة مع “تلفزيون بلومبرغ”، أن ماسك “يجب عليه أن يخفف من الخطاب الدرامي والتركيز مجدداً على مشروعاته مثل روبوت “أوبتيموس” (Optimus) وسيارات الأجرة الذاتية وتقنية القيادة الذاتية الكاملة. هذا ما يشتري الناس السهم لأجله -من أجل عبقريته وبراعته طبعاً- لكن ليس من أجل الاستعراض والمبالغات”.

ماذا ينتظر أسهم “تسلا” بعد الخلاف العلني بين ماسك وترمب؟.. الإجابة هنا

وعد ماسك بإنشاء شبكة طلب سيارات الأجرة لتكون مزيجاً بين “إير بي إن بي” و”أوبر” في آن واحد. ترغب الشركة في بناء الأسطول على أساس تقنيتها الخاصة بالقيادة الذاتية الكاملة، بحيث يشمل في نهاية المطاف مركبات “سايبركاب” (Cybercabs) المصممة خصيصاً بدون دواسات أو عجلات قيادة، إلى جانب سيارات “تسلا” التي تملكها الشركة أو الأفراد. يتوقع ماسك أن يصل عدد هذه المركبات على الطرقات إلى مئات الآلاف بحلول نهاية 2026. ويُعد إطلاق سيارات الأجرة الذاتية الخطوة الأولى لإثبات قدرته على الوفاء بوعوده للمستثمرين.

ستكون “تسلا” رابع خدمة سيارات أجرة ذاتية القيادة تُطلق في أوستن خلال السنوات القليلة الماضية. وبينما يمكن لـ”تسلا” تشغيل سياراتها التقليدية في تكساس دون سائق، فإنها تحتاج إلى إعفاءات فيدرالية لتشغيل مركبة “سايبركاب” ضمن أسطولها. أما في ولايات أخرى، مثل كاليفورنيا، فتواجه الشركة خليطاً معقداً من القواعد التنظيمية. ولم يرد ممثلا “تسلا” وماسك على طلبات للتعليق على الأمر. 

مناطق الاختبار

ظهرت مؤشرات على استعدادات الشركة في مدينة أوستن، إذ شوهدت مركبات “موديل واي” تحمل لوحات تجريبية وهي تجوب أحياء جنوب وجنوب شرق المدينة، التي تضم مناطق سكنية ومراكز تسوق، وتبعد دقائق عن وسط المدينة. في بعض الحالات، بدت المركبات وكأنها تسير في مسارات دائرية.

اقرأ المزيد: هل السيارات ذاتية القيادة آمنة؟

ومن المرجح أن تغطي منطقة التشغيل الأولية بضعة أميال مربعة فقط، بحسب شخص مطلع على الخطة رفض الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث علناً. ربما تتغير المنطقة قبل الإطلاق أو تتوسع سريعاً بعد بدء الخدمة.

تُعد القوانين التي تنظم المركبات ذاتية القيادة في ولاية تكساس ميسرة نسبياً. فبينما يُطلب من شركات طلب سيارات الأجرة التي تستخدم سائقين بشريين الحصول على ترخيص للتشغيل، فإن ثغرة قانونية تتيح لشركات السيارات الذاتية مثل “تسلا” تفادي هذه المتطلبات، بحسب إدارة التراخيص والتنظيم في تكساس. وهذا ما يجعل الولاية وجهة مفضلة للشركات في المراحل الأولى من تطوير خدمات القيادة الذاتية.

حالياً، تُشغل شركة “وايمو” (Waymo)، التابعة لـ”ألفابت” المالكة لـ”جوجل”، نحو 100 مركبة أجرة ذاتية القيادة في أوستن بالتعاون مع “أوبر”، وتخطط لرفع العدد إلى مئات السيارات مستقبلاً. كما تقوم وحدة القيادة الذاتية في شركة “فولكس واجن ” (Volkswagen ADMT) و”زوكس” (Zoox) التابعة لشركة “أمازون” باختبار مركباتهما هناك. بالإضافة إلى عدد من شركات الشاحنات الذاتية التي تُجري تجارب في مناطق مختلفة من الولاية.

تكنولوجيا “تسلا”

وتتبنى “تسلا” نهجاً مختلفاً في تكنولوجيا القيادة الذاتية، إذ تفضل الاعتماد على الكاميرات فقط، بخلاف المنافسين الذين يستخدمون مزيجاً من تقنيات الاستشعار بالليزر (الليدار) والرادار وخرائط المُعدة سلفاً (لمسار القيادة، إضافة مترجم). أكد ماسك مراراً أن هذا الأسلوب سيتيح للشركة التوسع بسرعة أكبر من منافسين مثل “وايمو”، الذين يرى أن تقنيتهم باهظة الكلفة. وتشير بعض التقديرات إلى أن نظام الاستشعار في مركبات “تسلا” لا يتعدى 400 دولار لكل سيارة، بينما تصل تكلفة تجهيز مركبات “وايمو” -يبلغ عددها 1500 مركبة موزعة على ولايات كاليفورنيا وأريزونا وتكساس- إلى نحو 9300 دولار للسيارة الواحدة. ومع ذلك، يرى المنتقدون أن نظام “تسلا” المعتمد على الرؤية فقط أكثر خطورة في ظروف ضعف الرؤية مثل وهج الشمس أو الضباب أو الغبار.

لكن بغض النظر عن تفاصيل المركبات، فإن اختبارات السيارات الذاتية في أوستن وغيرها لم تخل من التحديات. فقد شهدت مدينة سان فرانسيسكو حادثة مروعة ارتبطت بشركة “كروز” (Cruise) المتوقفة عن العمل التابعة لشركة “جنرال موتورز”، حيث جرى سحل أحد المشاة على الطريق ما أدى إلى إصابته بجروح بالغة. كما تسببت مركبات الأجرة الذاتية في اختناقات مرورية أثارت الجدل في أوستن، وقبل أيام، دخلت سيارة “وايمو” إلى منطقة غمرتها المياه بعد عاصفة.

اقرأ المزيد: ماذا يحول دون صنع سيارة ذاتية القيادة يعتمد عليها؟

قالت متحدثة باسم “وايمو”: “السلامة هي أولويتنا القصوى، سواء للأشخاص الذين يختارون الركوب معنا أو الذين نتشارك معهم الطرقات. ونبقى ملتزمين بتحسين السلامة المرورية عبر ما نكتسبه من خبرة وتعلم مستمر”.

استعدادات “تسلا” للتشغيل 

في إطار الاستعداد للإطلاق، تواصلت “تسلا” مع مسؤولي مدينة أوستن وأجهزة الطوارئ لمناقشة متطلبات السلامة، بحسب رسائل بريد إلكتروني اطلعت عليها “بلومبرغ نيوز” تعود إلى مايو 2024 على الأقل. أعلنت “تسلا” أن مركبات الأجرة ذاتية القيادة ستكون خاضعة للرقابة عن بُعد في البداية.

“تسلا” تحدد موعد إطلاق سيارات الأجرة ذاتية القيادة.. تفاصيل أكثر هنا

لكن ما تزال هناك جوانب أساسية من خطة “تسلا” لم تُستكمل بعد بالتنسيق مع فريق عمل المركبات ذاتية القيادة التابع للمدينة، والذي يتواصل مع الشركات المُشغلة في أوستن. قدمت “تسلا” للمسؤولين مسودة أولية فقط من الدليل المخصص لفِرق الاستجابة الأولية، كما لم تُجر تدريبات الطوارئ المطلوبة بعد، وفقاً لأندريه جوردان، رئيس وحدة الأمن الداخلي والعمليات الخاصة في إدارة إطفاء أوستن وعضو الفريق.

قال جوردان: “المركبات ذاتية القيادة مُلزمة باتباع القانون، لكن ماذا يحدث حين تتعارض القوانين مع تعليمات فرق الطوارئ؟ العالم بات معقداً جداً”.

تضرر العلامة التجارية لـ”تسلا”

هذا توقيت صعب بالنسبة لماسك كي يُقدم “تسلا” كعلامة تجارية موثوقة لنقل الركاب – لا سيما أن كثيراً من الناس ليسوا معتادين بعد على فكرة الركوب داخل سيارات دون سائق. فبعد شهور من الخوض في سجالات سياسية في واشنطن، بات ماسك وسياراته أكثر إثارة للانقسام من أي وقت مضى.

رغم أن ماسك سعى إلى تخفيف حدة التوتر مع الرئيس، فإن خلافه العلني مع ترمب قد ينفر شريحة أوسع من الزبائن.

أوضح تيم كالكينز، أستاذ التسويق في كلية “كيلوغ للإدارة” بجامعة “نورث وسترن”: “علامة تسلا التجارية في الوقت الراهن مرتبطة بمشاعر متضاربة بشدة. فإذا كان لدى الناس انطباعات سلبية عن إيلون ماسك، فقد ينعكس ذلك على سيارات الأجرة الذاتية، ولن يكونوا متحمسين لاستخدامها. هناك بدائل كثيرة”.

اقرأ أيضاً: انهيار التحالف بين ماسك وترمب يضع أسهم “تسلا” في مهب الريح

أكد مايك بول، رئيس شركة “ريبيوتيشن دكتور” (Reputation Doctor) المتخصصة في إدارة الأزمات، أن السيارات ذاتية القيادة تتطلب قدراً إضافياً من الثقة، في وقت سيكون فيه المنتقدون مستعدين لتضخيم أي إخفاق.

تابع: “حين تبدأ وأنت في موضع ضعف على مستوى الثقة بالعلامة التجارية، وكل ما يتعلق بإيلون ماسك، سيكون من الصعب جداً تحقيق النجاح”.

ظل ماسك يبني التوقعات بشأن هذا الإطلاق منذ سنوات. بينما ما يزال بعض المستثمرين يمنحونه مرونة في التوقيت والتفاصيل، إلا أن كثيرين يطالبون الآن بإشارات ملموسة على إحراز تقدم.

تدهور سهم “تسلا”

خفض محلل شركة “بيرد” (Baird)، بن كالو، تقييم سهم “تسلا” إلى محايد، مشيراً جزئياً إلى التوقعات المبالغ بها من ماسك بخصوص إطلاق خدمة سيارات الأجرة ذاتية القيادة، فضلاً عن احتدام المنافسة في هذا المجال. كما أشار إلى أن تدهور علاقته مع ترمب زاد من حالة عدم اليقين.

اقرأ ايضاً: ماسك يبدأ معركة مع البيت الأبيض و”تسلا” تتكبد الخسائر

وقال كالو لتلفزيون بلومبرغ: “قيمة السهم ارتفعت إلى ما يتجاوز الواقع، بسبب الرهانات على مشروع الروبوتاكسي. أعتقد أن الإطلاق سيستغرق وقتاً أطول مما يُروج له. في البداية، سيكون هناك حاجة إلى فرق بشرية في مراكز المراقبة، لضمان عدم وقوع الحوادث أو ما شابه”.

اختتم: “لهذا السبب، ربما نشهد بعض المتاعب على المدى القصير. تنفيذ هذا الإطلاق سيكون مهمة صعبة للغاية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *