إيران تطلق مئات الصواريخ على إسرائيل وسط تصاعد الصراع

أطلقت إيران مئات الصواريخ الباليستية على إسرائيل رداً على هجوم غير مسبوق استهدف منشآتها النووية، مما أدى إلى تصعيد حاد في النزاع بين خصمين لدودين يُنذر بتفجر مواجهة في قلب منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط.
استهدفت طهران المدن الإسرائيلية بموجات متتالية من الصواريخ ووابل من الطائرات المسيرة ابتداءً من مساء الجمعة، والتي نجح بعضها في اختراق أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، فيما تدخلت القوات الأميركية لاعتراض عدد من المقذوفات.
وبحسب ما أعلنته الشرطة وخدمات الطوارئ، لقي ثلاثة أشخاص مصرعهم في منطقة تل أبيب، وأُصيب ما لا يقل عن 40 آخرين في ضربات متفرقة. وأظهرت لقطات فيديو وقوع انفجار كبير واحد على الأقل في تل أبيب، إلى جانب تقارير عن دوي انفجارات في سماء القدس. ولا يزال حجم الأضرار الكامل قيد التقييم.
تتسم أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، بما في ذلك القبة الحديدية ومقلاع داوود، بمعدل اعتراض يتجاوز %90. وتزداد فعالية هذه الأنظمة في إسقاط الأهداف المعادية بشكل كبير عند تنسيق عملها على مستويات ارتفاع متفاوتة.
إسرائيل تواصل تصعيدها العسكري
واصلت إسرائيل استهداف منظومات الدفاع الإيرانية يومي الجمعة وصباح السبت، بعدما قتلت بعض كبار القادة العسكريين الإيرانيين وألحقت أضراراً جسيمة بالبنية التحتية العسكرية الأساسية خلال ضرباتها الأولى التي نُفذت ليلة الخميس.
شاركت أكثر من 200 طائرة في العملية الجوية الأولى التي نفذتها إسرائيل، والتي استهدفت قرابة 100 موقع داخل إيران. وقال سفير إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرفاني، إن الضربات أسفرت عن مقتل 78 شخصاً، وإصابة أكثر من 320 آخرين في مناطق متفرقة من البلاد.
وأفادت وسائل إعلام إيرانية أن عدة مبانٍ سكنية في ضواحي طهران تعرضت للقصف.
في غضون ذلك، تلقت الأسواق ضربة جديدة جراء تصاعد التوترات، إذ فقد مؤشر “إس آند بي 500” أكثر من 1% يوم الجمعة، لتتلاشى مكاسب هذا الأسبوع. وقفزت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط بأكثر من 7%، وهي أكبر زيادة منذ مارس 2022، كما سجلت أسعار الذهب والدولار الأميركي ارتفاعاً.
تصعيد غير مسبوق يغير المعادلة
يشكل التصعيد نقطة تحول حاسمة لكل من إسرائيل وإيران، إذ يختبر حدوداً جديدة في عدوانيتهما واستعدادهما للتصعيد. ففي المرتين اللتين استهدفت فيهما الدولتان بعضهما البعض العام الماضي، كانت هناك فجوة زمنية أطول، وشعور بأن تبادل النيران سيتبعه نوع من التهدئة. أما الآن، فقد لمحت إسرائيل إلى أن عمليتها العسكرية قد تمتد لأسابيع، بينما أشارت إيران إلى أنها لن تتراجع عن الرد.
كما يلقي القتال بظلال من الشك على مستقبل المفاوضات الأميركية مع إيران بشأن التوصل إلى اتفاق يحد من أنشطتها النووية.
قال إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إن “الطرف الآخر ارتكب أقدم على خطوة تُفقد الحوار معناه”، دون أن يوضح ما إذا كانت الجولة السادسة من المحادثات، المقرر عقدها في سلطنة عُمان يوم الأحد، سيتم إلغاؤها.
وقد يحشد أي تصعيد إضافي، خاصة في حال استهداف منشآت عسكرية أو دبلوماسية أميركية في المنطقة، دعم سياسي محلي لصالح حكام إيران، ويفاقم الصراع بشكل دراماتيكي. ولم يتضح بعد ما إذا كانت طهران تفكر في خيارات قصوى، مثل إغلاق مضيق هرمز، أحد أهم شرايين النفط في العالم، وهو سيناريو من شأنه أن يُثير قلق المستثمرين.
من جانبه، توعد المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، بالرد “بقوة”، وذلك في رسالة فيديو مسجلة مسبقاً بثها التلفزيون الرسمي. وقال خامنئي في بيان صدر بعد أن بدأت إيران ردها الانتقامي، إن إسرائيل “يجب ألا تعتقد أن الأمر قد انتهى. لن نسمح لها بالإفلات دون عقاب من هذه الجريمة الكبرى التي ارتكبتها”.
إيران تهدد بتوسيع المواجهة نحو القواعد الأميركية
نقلت وكالة “فارس” الإيرانية شبه الرسمية عن مسؤول عسكري لم يُفصح عن هويته، أن نطاق المواجهة “سيتوسع قريباً” ليتجاوز الأراضي الإسرائيلية، ويشمل القواعد الأميركية في المنطقة.
حتى الآن، امتنعت إيران عن إدخال الولايات المتحدة في دائرة الصراع، في خطوة اعتبرتها “بلومبرغ إيكونوميكس” الخيار الأكثر ترجيحاً، نظراً لعدم قدرة طهران على خوض حرب مع أقوى جيش وأكبر اقتصاد في العالم.
في المقابل، تعرضت مكانة إيران الإقليمية وبنيتها القيادية العسكرية لأضرار جسيمة، إذ أسفرت الغارات الإسرائيلية عن مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، ورئيس أركان الجيش محمد باقري. كما قُتل ما لا يقل عن اثنين آخرين من كبار قادة الحرس الثوري، وتم استهداف عدة منشآت نووية.
وأفاد التلفزيون الرسمي الإيراني أن أمير علي حاجي زاده، قائد القوات الجوية الفضائية التابعة للحرس الثوري، لقي مصرعه أيضاً.
استهداف المواقع النووية الإيرانية
أبلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إسرائيل ضربت الموقعين النوويين في فوردو وأصفهان في إطار موجة هجماتها الأخيرة، وفقاً لما أبلغ به المدير العام للوكالة، رافائيل ماريانو غروسي، لمجلس الأمن الدولي يوم الجمعة.
وأضاف غروسي أن الوكالة لا تملك معلومات سوى مؤشرات على وقوع نشاط عسكري حول تلك المنشآت. وإذا تم تعطيل منشأة أصفهان، فسيؤدي ذلك إلى إضعاف قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم بكميات كبيرة بشكل جدي.
سعي إقليمي لخفض التصعيد
في حين صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن هجمات يوم الجمعة قد عرقلت الجهود الدبلوماسية، لا يزال المسؤولون في المنطقة يسعون من أجل خفض التصعيد.
في اتصال هاتفي مع عراقجي، دعا وزير خارجية الإمارات، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، إلى ممارسة “أقصى درجات ضبط النفس” لمنع اتساع دائرة الصراع. وذكرت سلطنة عمان أن وزير خارجيتها على اتصال بالدول المعنية لاحتواء “التوترات والتصعيد العسكري الخطير في المنطقة الناجم عن الهجمات الإسرائيلية المباشرة على إيران”، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية.
في غضون ذلك، ومع اجتماع قادة مجموعة السبع في جبال روكي الكندية، سينصبّ الاهتمام على رد فعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب. قبل انطلاق القمة، كانت هناك رغبة مشتركة في إبقاء القضايا الجيوسياسية الشائكة بعيدة عن طاولة النقاش، لكن ذلك سيكون صعباً نظراً للآثار غير المباشرة لارتفاع أسعار النفط على التضخم وصادرات الطاقة.
ترمب يحذر إيران
تُعدّ المنطقة ملتقى طرق رئيسياً لشحن النفط والسلع الاستهلاكية، ومن شأن أي حرب شاملة أن تزيد من الضغط على نظام التجارة العالمي المُضطرب بالفعل بسبب التوترات التجارية.
أجرى ترمب مقابلات قصيرة عبر الهاتف مع عدد قليل من الصحفيين، وخاصةً من شبكات الأخبار التلفزيونية، لكنه لم يُدلِ بتصريحات علنية. وحذّر إيران عبر وسائل التواصل الاجتماعي من إبرام صفقة “قبل فوات الأوان”.
يوم السبت، الموافق عيد ميلاد ترمب التاسع والسبعين، من المقرر أن يشهد الرئيس الأميركي عرضاً عسكرياً للاحتفال بالذكرى الـ 250 لتأسيس الجيش الأمريكي.
ووفقًا لمسؤول في البيت الأبيض، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وترمب هاتفيا يوم الجمعة لمناقشة الصراع.
أكدت الولايات المتحدة أنها لم تلعب دوراً في الضربات الإسرائيلية الأولية، وحذرت إيران من الانتقام باستهداف أفراد الجيش الأمريكي. يُعد دور واشنطن في مساعدة الدفاع الجوي الإسرائيلي أمراً معتاداً، لكن ما ستفعله لاحقاً سيكون مهماً.