إيران تتطلع لانتشال اقتصادها المتداعي خلال عهد ترمب
عندما دخل دونالد ترمب البيت الأبيض للمرة الأولى في عام 2017، كان سيروس رزاقي يدير شركة استشارات تجارية إيرانية، ويقدم المشورة للشركات الأميركية واليابانية والأوروبية حول كيفية اغتنام الفرص في سوق ناشئة بعد سنوات من العزلة الاقتصادية.
لكن كل ذلك تغير في العام التالي، عندما تخلى الرئيس الأميركي آنذاك عن الاتفاق النووي التاريخي الذي وقعته إيران مع القوى العالمية، ليفرض عقوبات اقتصادية صارمة بدلاً من ذلك.
قال رزاقي، رئيس مجموعة “آرا إنتربرايز” للاستشارات، عبر الهاتف من طهران: “كان علينا أن ننوع استثماراتنا بعيداً عن إيران وأن نحمي أنفسنا بطريقة ما من مزيد من الإجراءات العدائية. مضيفاً: “في مرحلة ما، اعتقدنا أن حرباً ستندلع”.
في الوقت الذي يستعد فيه ترمب لولاية ثانية كرئيس للولايات المتحدة، تتجه الأنظار نحو ما إذا كان سيحيي ما يطلق عليها بسياسة الضغط القصوى ضد إيران والتي ميزت فترته الأولى. لكن في ظل معاناة الإيرانيين مع الصعوبات الاقتصادية بعد سنوات من العقوبات، يشير قادتهم إلى حرصهم على إقامة علاقة مختلفة هذه المرة.
في يوم الثلاثاء، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة إن إيران وافقت على وقف إنتاج اليورانيوم المخصب إلى مستويات قريبة من تلك المطلوبة لصنع القنابل، وهي خطوة غير مسبوقة ينظر إليها البعض على أنها تقديم بادرة حسن نية إلى ترمب. وأعطى الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزشكيان، الإصلاحي الخالص، الأولوية لتخفيف العقوبات والتقارب مع الغرب والعودة بالاقتصاد إلى وضعه الطبيعي بما يصب في مصلحة الإيرانيين، وذلك منذ فوزه المفاجئ في الانتخابات التي جرت في يوليو.
وقال رزاقي: “نحن قلقون للغاية ويساورنا الهاجس من عودة ترمب، رغم ذلك، فأنا لا أستبعد التوصل إلى اتفاق مع الرئيس الأميركي العائد”.
تجارة النفط
قد يؤثر النهج المتشدد الذي ينتهجه ترمب بشكل كبير على تجارة النفط الإيرانية، حيث قام الرئيس المنتخب بتقليص تدفقات النفط من الجمهورية الإسلامية خلال ولايته الأولى التي انتهت في عام 2021.
وقال جون إيفانز، المحلل في شركة السمسرة “بي في إم أويل أسوسيشن ليمتد” في لندن: “ستتصدر صادرات النفط الإيرانية قائمة العقوبات. وستكون قواعد اللعبة مماثلة لتلك التي تم ممارستها خلال رئاسة ترمب الأولى”.
شأنها شأن منتجي النفط الآخرين، تواجه طهران انخفاضاً بنسبة 15% في أسعار الخام منذ أواخر يونيو، وسط احتمال أن تؤدي تخمة المعروض العالمي الوشيكة إلى إحداث المزيد من تراجعات الأسعار العام المقبل. تعافى إنتاج النفط الإيراني بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مدفوعاً بمشتريات المصافي في الصين، أكبر عملاء طهران، للبراميل منخفضة الأسعار، كما أن تخفيف إدارة بايدن من فرض العقوبات تساهم في كبح ارتفاع تكاليف البنزين.
من غير الواضح ما إذا كان تعافي الإنتاج سيثبت مرونته في مواجهة ولاية ترمب الثانية، حتى مع الشبكة اللوجستية الهائلة التي بنتها الجمهورية الإسلامية للالتفاف على العقوبات.
صعوبات اقتصادية
يواجه بيزيشكيان تحديات اقتصادية لا حصر لها، تشمل التضخم الذي يزيد عن 30%، ونقص الوقود، وتخارجات رأس المال المرتفعة، وهروب أصحاب المهارات والعمالة المتعلمة بالهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة. انخفض الريال مقابل الدولار إلى أدنى مستوياته القياسية المتتالية، حيث خسر أكثر من 90% من قيمته منذ مايو الماضي.
وقال ماسيج ووجتال، كبير مسؤولي الاستثمار في “أمتيلون كابيتال”: “خفض التوتر مع الولايات المتحدة أمر ضروري لاستقرار إيران الاقتصادي. وتابع” “لقد أرسلت الحكومة الجديدة رسائل واضحة، تشير إلى استعدادها للتفاوض، وهو تحول عن استراتيجيتها المعتادة المتمثلة في تصعيد تخصيب اليورانيوم كوسيلة ضغط”.
رغم ذلك، تظل الخلافات بشأن الأنشطة النووية الإيرانية تشكل عاملا رئيسياً، حيث قالت طهران يوم الجمعة إنها ستزيد عدد أجهزة الطرد المركزي في برنامجها النووي رداً على التوبيخ الذي وجهته إليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حتى مع التزامها بوقف إنتاج اليورانيوم الصالح للاستخدام في صنع الأسلحة.
انقطاع التيار الكهربائي والاحتجاجات
أجبر نقص الاستثمار الملح واللازم في البنية التحتية الإيرانية الحكومة في طهران على زيادة وارداتها من البنزين عالي الجودة حيث تكافح مصافيها الخاصة لمواكبة الطلب، وفي نفس الوقت تعاني البلاد من انقطاعات متكررة للكهرباء وسط تعثر محطات الطاقة لتزويد المنازل والقطاع الصناعي.
كل هذا يشير إلى مزيد من التضخم المرتفع، وهو ما لا يستطيع بيزيشكيان تحمله في وقت يشهد فيه الإقليم صراعاً، إضافة إلى عدم الاستقرار، في الخارج والداخل على السواء. اجتاحت إيران احتجاجات عنيفة في عام 2019، نتيجة ارتفاع أسعار البنزين، لتتبعها انتفاضة وطنية بعد ثلاث سنوات، في أكبر تعبير غضب شعبي ضد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ونظام الحكم الديني في البلاد منذ عام 1979.
قال فالي نصر، المستشار الأول السابق لوزارة الخارجية الأميركية والأستاذ في جامعة جونز هوبكنز: “تتمثل مهمة بيزيشكيان في تحقيق المصالحة الوطنية، وقد نجح إلى حد ما”.
فريق براجماتي
عين بيزيشكيان فريقاً للسياسة الخارجية بقيادة عباس عراقجي، والذي لم يكن مسؤولاً للتفاوض على الاتفاق النووي الأصلي في عام 2015 فحسب، بل كان عليه أيضاً التعامل مع الفوضى التي اندلعت بعد انسحاب ترمب من الاتفاق.
قال نصر إن اختيارهم “يظهر أن الإيرانيين مهتمون بالتأكيد بإبرام صفقة مع الولايات المتحدة، فهم براجماتيون بما يكفي ليعرفوا أنهم إن وجدوا طريقاً للمضي قدماً، فمن الأفضل التعامل مع شخص يمكنه إنجاز صفقة”.
من غير الواضح كيف ستستجيب حكومة ترمب الجديدة للبراجماتية الإيرانية. خاصة أن ترشيحاته لإداراته حتى الآن تشمل حلفاء أقوياء لإسرائيل، التي تبادلت الجمهورية الإسلامية معها الاشتباك المباشر مرتين هذا العام، وأشخاصاً دافعوا عن قصف إيران.
يقول علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية ومقرها واشنطن، إن التحدي الذي تواجهه إيران هو أنها “تحتاج إلى قناة مباشرة مع ترمب للتغلب على مقاومة النظام المناهض لها والذي يحيط بترمب”.
أحد العوامل التي قد تعمل لصالح إيران هو المشهد الجيوسياسي المتغير في الشرق الأوسط. خلال ولاية الأولى، كان مستنداً إلى دعم السعودية والإمارات، حيث توافقتا مع استراتيجيته المتمثلة في الضغط العالي والعقوبات الأكثر صرامة ضد إيران.
لكن العلاقة بين الرياض وطهران تحسنت بشكل كبير منذ ذلك الحين، حيث أدت معارضة استهداف المدنيين في حروب إسرائيل ضد الجماعات التابعة لإيران في غزة ولبنان إلى تقاربهما. وجددت الدولتان اتفاقية ثنائية توسطت فيها الصين في اجتماع بالعاصمة السعودية في 20 نوفمبر الماضي.
بالنسبة لرجل الأعمال سيروس رزاقي، لم يجدّ جديد بشأن حالة عدم اليقين. فهو ينصح العملاء بأن جولة جديدة من الضغوط القصوى تكون أكثر احتمالية من التوصل إلى اتفاق، لكن يجب عليهم دائماً أن يبقوا منفتحين.
قال رزاقي: “في عام 2016، كان هناك الكثير من التفكير المتفائل في طهران بأن هذا ترمب هو رجل أعمال، ويمكنه أن يحقق لنا صفقة جيدة حقاً، لكن سرعان ما استفاق الجميع على الواقع. مضيفاً “رغم ذلك، يجب أن يظل المرء متفائلًا بأن هناك فرصة لا تزال قائمة لعقد نوع من الاتفاق، لأن إيران تعلمت أيضاً من الماضي”.