إندونيسيا تفتتح عاصمتها الجديدة اليوم وسط تحديات اقتصادية وسياسية
على بعد أكثر من ألف كيلومتر شمال شرق عاصمة إندونيسيا، جاكرتا، يشيد عمال البناء مقراً إدارياً جديداً للبلاد وسط غابات بورنيو المطيرة.
من المقرر أن تكون “نوسانتارا”، المدينة المخطط لها، أكبر إرث يتركه وراءه الرئيس المنتهية ولايته جوكو ويدودو لتصبح مركزاً جديداً للحكومة، يخلو من الاكتظاظ السكاني والفيضانات، وهما المشكلتان اللتان تعاني منهما جاكرتا. رغم ذلك، فشل المشروع في جذب استثمارات كبيرة، وشهد تأخيرات في أعمال البناء.
افتتاح عاصمة إندونيسيا الجديدة
في أواخر يوليو الماضي، بدأ جوكوي، كما يشتهر الزعيم الإندونيسي، العمل من القصر الرئاسي قيد الإنشاء في نوسانتارا. ووضع هدفاً يتمثل في الانتهاء من القصر حتى يمكنه الاحتفال بعيد الاستقلال هناك اليوم السبت، وافتتاح العاصمة الجديدة رسمياً. لكنه اضطر لتخفيض قائمة الضيوف بأكثر من 80% إلى 1300 شخص بسبب صعوبات لوجستية. ومع تولي رئيس جديد المنصب في أكتوبر المقبل، فإن مصير المشروع الضخم بأكمله أصبح مجهولاً.
وبعد عامين من بدء العمل في نوسانتارا، تُظهر مخططات المدينة المرسومة على صور أقمار اصطناعية من منتصف يوليو الماضي أن أعمال البناء الجارية في مراحلها الأولية.
تقدم أعمال البناء في نوسانتارا
يتكون أكثر من 40 هكتاراً (99 فداناً) من الأراضي الواقعة شرق المنطقة الحكومية الأساسية من تراب ومياه راكدة. وما تزال بعض الطرق غير معبّدة. وعندما تهطل الأمطار؛ يغطي الوحل الطرق المؤدية إلى القصر. كما أدت قيود الطقس إلى تأخير الافتتاح المزمع للعمليات التشغيلية لمطار نوسانتارا، والذي كان من المقرر افتتاحه بعيد الاستقلال.
جرى تأجيل النقل التدريجي لأكثر من 10 آلاف موظف مدني -كان مقرراً في بداية الأمر خلال مارس ثم يوليو الماضيين- مرة أخرى حتى سبتمبر المقبل لأن مكاتبهم ومجمعات سكنهم غير جاهزة، وربما تتأخر أبعد من هذا التاريخ. اكتمل البناء في مبنى إداري واحد فقط، وهو مخصص لاستضافة أربع وكالات حكومية. بدأت الكهرباء والمياه -التي يتم تزويدها من خلال كابلات وأنابيب مدفونة في أنفاق تحت الأرض- في التدفق إلى بعض المكاتب هناك. عندما يصل الموظفون المدنيون، وقد يُضطرون إلى تشارك الغرف والعمل من أماكن مؤقتة، مثل الكافيتريات.
لماذا يجري نقل العاصمة الإندونيسية؟
أعلن جوكوي عن نقل العاصمة في عام 2019 لتخفيف الضغط على جاكرتا. نظراً لأن جاكرتا تغرق بسرعة حيث يبلغ منسوب الأمطار بها حوالي 30.5 سنتيمتر سنوياً، ويتوقع الخبراء أن يغرق ثلث المدينة تحت الماء بحلول 2050. كما أن حوالي 40% من جاكرتا تقع بالفعل تحت مستوى سطح البحر. وتتعرض المناطق الساحلية في المدينة لفيضانات بسبب ظاهرة المد، والتي تسبب خسائر تزيد عن تريليوني روبية (128 مليون دولار) سنوياً. يُعتبر التلوث الهوائي أمراً واقعاً بشكل يومي لنحو 10 ملايين نسمة من سكان جاكرتا، وكذلك الازدحام المروري الشديد. وتُقدر تكلفة الازدحام المروري بحوالي 100 تريليون روبية سنوياً من الإنتاجية المفقودة لمنطقة جاكرتا الكبرى، المعروفة باسم جابوديتبك، والتي تضم 30 مليون نسمة.
وقع الاختيار على المكان المخصص للعاصمة الجديدة بمنطقة في مقاطعة شرق كاليمانتان بجزيرة بورنيو، والتي تشترك فيها إندونيسيا مع ماليزيا وبروناي. ويبعد الموقع حوالي 1400 كيلومتر (870 ميلاً) شمال شرق جاكرتا، في منتصف إندونيسيا جغرافياً، وهو محمي إلى حد كبير من أنواع الكوارث الطبيعية (الزلازل وتسونامي والبراكين) التي تصيب جزر الأرخبيل الأخرى. وبدأ البناء خلال 2022 بعد أن تم تعليقه بسبب جائحة كوفيد-19.
خطة تطوير نوسانتارا
تتمثل الخطة في إستكمال جزء من المنطقة الحكومية الأساسية بحلول نهاية العام الجاري, بعد ذلك، يتركز الاهتمام على توسيع البنية التحتية الأساسية والمباني الإدارية بهدف نقل عشرات الآلاف من الموظفين المدنيين إلى نوسانتارا بحلول نهاية 2029.
لكن هذا مجرد بداية لحلم جوكوي الطموح للغاية. فرؤيته هي أن تحتضن نوسانتارا معاهد تعليمية تضاهي المستويات العالمية ومستشفيات حديثة وحدائق نباتية. من خلال نظام نقل صديق للبيئة يستخدم فقط المركبات الكهربائية، يهدف إلى تحقيق صافي انبعاثات كربونية صفري في المدينة. ومن المقرر الانتهاء من الخطة بأكملها خلال 2045. بحلول ذلك الوقت، تتوقع الحكومة أن يعيش 1.9 مليون شخص في نوسانتارا، ومن المتوقع أن ينتقل أعداد من سكان جاكرتا إلى هناك أيضاً.
نقص الاستثمار الأجنبي
يُعد بناء مدينة جديدة من البداية باهظ الثمن. إذ تبلغ تكلفة نوسانتارا نحو 29 مليار دولار، وفق تقديرات رسمية. تتمثل فكرة جوكوي في أن يأتي التمويل من مصادر متنوعة من الحكومة والمؤسسات المملوكة للدولة والشركات الخاصة والشراكات بين القطاعين العام والخاص، مع تحميل الدولة أقل قدر من التكاليف.
لكن حتى الآن، لم تجرِ الأمور على هذا النحو. فمنذ بدء العمل، أنفقت الدولة ما يقرب من 72 تريليون روبية ( 4.6 مليار دولار) على تطوير البنية التحتية الأساسية، وهو ما يقارب الحد الأقصى الذي يمكن للحكومة أن تنفقه، حسب خطتها التنموية الرسمية. رغم الحوافز المختلفة التي تقدمها الحكومة، مثل الإعفاءات الضريبية وحقوق الملكية طويلة الأجل، فإن نوسانتارا لم تجذب سوى أقل من 50 تريليون روبية من إجمالي الاستثمارات، والتي جاءت جميعها من الشركات المحلية والمؤسسات المملوكة للدولة. وتأتي الشركات الأجنبية بين أكثر من 400 شركة وقعت خطابات نوايا للاستثمار، ولكن لم تقدم أي منها حتى الآن تعهداً ملزماً.
مستقبل غامض لعاصمة إندونيسيا الجديدة
أكد الرئيس المنتخب برابوو سوبيانتو الإثنين الماضي التزامه بمواصلة المشروع. لكنه من المحتمل أن يواجه صعوبات في تمويل العاصمة الجديدة دون الإضرار بميزانية إندونيسيا، علاوة على وعود حملته الانتخابية. وتعهد برابوو بتقديم وجبات غذائية مجانية وصحية لأكثر من 80 مليون طالب مدرسة. وتُقدر تكلفة هذا البرنامج بنحو 450 تريليون روبية سنوياً عندما يعمل على نطاق كامل.
يشير المسؤولون في إندونيسيا إلى النجاح في نقل ما لا يقل عن 30 عاصمة أخرى في القرن الماضي، بما في ذلك برازيليا (في البرازيل)، وآستانا (في كازاخستان)، وكانبرا (في أستراليا).
من جهة أخرى، ما زالت نيبيدو، التي صممها النظام العسكري السابق في ميانمار، فارغة عملياً. بينما تستضيف عاصمة جديدة عادة المباني الحكومية، فمن النادر رؤية انتقال واسع النطاق للأعمال التجارية الخاصة والعاملين بالقطاع الحكومي. في مصر، وانتقلت حوالي 1500 أسرة حتى الآن إلى ما يُسمى بالعاصمة الإدارية الجديدة- خارج القاهرة؛ في حين أن المستهدف هو استيعاب 6.5 مليون نسمة.