إنتاج خليج المكسيك للنفط يدعم مساعي ترمب للهيمنة في قطاع الطاقة

يتجه إنتاج النفط الأميركي للارتفاع العام الجاري والمقبل، في ظل ضغوط الرئيس دونالد ترمب لزيادة عمليات الحفر، لكن مع تراجع أسعار الخام، فسيأتي الجزء الأكبر من هذا النمو من مصدر غير متوقع، وهو خليج المكسيك.
بحسب شركة “وود ماكنزي” للاستشارات، سيضيف المنتجون في هذا الممر المائي -الذي أطلق عليه ترمب “خليج أميركا”- 300 ألف برميل يومياً من الإنتاج الجديد العام الحالي. ويُعد هذا النمو الأكبر منذ عام 2009، وسيمثل نحو نصف الزيادة في إنتاج الولايات المتحدة. أما العام المقبل، فسيشكل الإنتاج الجديد من الخليج والبالغ 250 ألف برميل يومياً كامل الزيادة المتوقعة في الإنتاج الأميركي.
خليج المكسيك يستعيد مكانته في إنتاج النفط
تُمثل الأهمية المتزايدة لخليج المكسيك تحولاً عن مسار العقدين الماضيين، إذ تشوهت سمعت المنطقة بسبب كارثة التسرب النفطي في منصة “ديب ووتر هورايزن” (Deepwater Horizon)، وارتفاع التكاليف، وتوقف الإنتاج خلال الجائحة، وتراجعت مكانتها لصالح طفرة النفط الصخري التي جعلت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم.
لكن في الوقت الراهن، ومع تراجع أسعار الخام، بدأ منتجو النفط الصخري في تقليص عدد الحفارات والعمال وخطط الاستثمار، في حين بدأت مشاريع الخليج الكبرى طويلة الأجل في الدخول إلى الخدمة.
قال مايلز ساسر، كبير محللي الأبحاث في شركة “وود ماكنزي”، في مقابلة: “يركز معظم الناس على الإنتاج البري، بينما سيأتي النمو الحقيقي العام الجاري من الإنتاج البحري”. وأضاف: “المشاريع في خليج أميركا تشهد تسارعاً جيداً، وقد يفاجئ ذلك كثيرين”.
ضربة لأسعار النفط جراء سياسات ترمب
وعد ترمب بإطلاق العنان لإنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة، وتعمل إدارته على إعادة صياغة السياسات لدعم زيادة الإنتاج، بما في ذلك من خليج المكسيك. كما أنشأ الرئيس المجلس الوطني لهيمنة الطاقة للمساعدة في توسيع الإنتاج. لكن حربه التجارية العالمية وزيادات الإمدادات من تحالف “أوبك+”، التي شجعها بنفسه، وجهت ضربة قوية لأسعار الخام، مما دفع منتجي النفط الصخري إلى التراجع.
تعتزم شركة “شيفرون” زيادة إنتاجها من الخليج بنسبة 50% مقارنة بالعام الماضي، ليصل إلى 300 ألف برميل يومياً بحلول عام 2026. أما شركة “شل”، فلديها مشروع “سبارتا” (Sparta) بطاقة إنتاجية تبلغ 90 ألف برميل يومياً، من المقرر أن يبدأ تشغيله عام 2028.
إنتاج النفط الصخري يبلغ ذروته
كما تمتلك شركة “بي بي” (BP) سلسلة من المشاريع الممتدة حتى نهاية العقد، والتي من شأنها زيادة الطاقة الإنتاجية بنحو 20% لتتجاوز 400 ألف برميل يومياً. وتأتي كل هذه المشاريع في وقت يحذر فيه منتجو النفط الصخري من أن الإنتاج ربما بلغ ذروته.
أشار جيسي جونز، كبير محللي أنشطة المنبع في شركة “إنرجي أسبكتس” (Energy Aspects)، إلى أن نمو الإنتاج في الخليج لم يتفوق على النفط الصخري سوى في ثلاث من السنوات العشر الماضية، وارتبطت جميعها بظروف انخفاض أسعار النفط وتباطؤ الطلب.
أضاف: “منتجو النفط الصخري يتجاوبون بسرعة أكبر مع ضعف الأسعار”.
قال بروس نيماير، رئيس قسم إنتاج الأميركتين بشركة “شيفرون”، إن أحدث مشاريع الشركة تحقق نقطة التعادل عند أسعار نفط تقل عن 20 دولاراً للبرميل، مما يجعلها من بين الأقل تكلفة على مستوى العالم. استقر مزيج برنت يوم الإثنين عند ما يزيد قليلاً عن 67 دولاراً للبرميل، منخفضاً بنسبة 10% منذ الأول من أبريل.
وأضاف نيماير في مقابلة: “إذا تمكنت من خفض نقطة التعادل، فإنك تجعل استثماراتك أكثر مرونة، وتجعل الشركة أكثر قدرة على الصمود، هذه هي النتيجة النهائية المرجوة”.
تغيير جذري في نموذج الأعمال
يكمن سر انتعاش خليج المكسيك في تغيير جذري في نموذج الأعمال الخاص بالإنتاج البحري، فعندما كان النفط يُتداول باستمرار عند مستوى 100 دولار للبرميل بين عامي 2008 و2015، كان المنتجون يصممون منصات إنتاج ضخمة ومعقدة ومرتفعة التكلفة. أما الآن، فقد أصبح التركيز على هياكل أصغر وأكثر بساطة. فقد خفضت شركة “بي بي” تكلفة مشروع “ماد دوغ 2” (Mad Dog 2) بأكثر من النصف، لتصل إلى 9 مليارات دولار عند بدء تشغيله في عام 2023. كما قلّصت شركة “شل” تكلفة منصة “فيتو” بنسبة 70% مقارنة بالتصميم الأولي. وتقول الشركتان إن نهجهما الجديد يتمثل في “تصميم نموذج واحد، وتكرار بناءه”.
قالت كوليت هيرستيوس، النائبة التنفيذية لرئيس شركة “شل” لمنطقة خليج أمريكا، رداً على أسئلة: “لم يعد الإنتاج في المياه العميقة مرتفع التكلفة بالضرورة بل أثبت كفاءته العالية، وانخفاض اعتماده على رأس المال، ومرونته” خلال دورات أسعار النفط.
استغلال المنصات القديمة
من جانبه، قال بروس نيماير إن شركة “شيفرون” تستغل المنصات القديمة بدلاً من بناء منصات جديدة. فقد بدأ حقل “بالمور” إنتاجه البالغ 75 ألف برميل يومياً في أبريل، دون أن تكون له منصة مخصصة. وبدلاً من ذلك، تم ربط الحقل بمنصة “بلايند فيث” (Blind Faith)، التي بُنيت في عام 2008، عبر خطوط أنابيب تحت البحر تمتد لثلاثة أميال، تُعرف باسم “الوصلات” (tiebacks). ويقع نحو 80% من مناطق الامتياز الاستكشافية لـ”شيفرون” ضمن نطاق الوصلات مع المنشآت القائمة.
قال نيماير: “نبدأ ونحن نضع النهاية نصب أعيننا، وهذا يدفعنا إلى التحلي بانضباط كبير في اختيارات التصميم والتنفيذ، وهو ما يخفض تكاليف نقطة التعادل في النهاية”.
مع ذلك، وكما هو الحال في جميع الحقول النفطية الراسخة، يواجه الخليج حدوداً. فبحسب مايلز ساسر من “وود ماكنزي”، لم تُسجَّل أي اكتشافات كبيرة جديدة منذ عام 2017، عندما عثرت “شل” على النفط في حقل “ويل”.
وأوضح أن المنطقة “تفتقر إلى المشاريع ذات التأثير الكبير التي يمكن أن تحافظ على النمو في السنوات المقبلة”.
التكنولوجيا تتجاوز عقبات إنتاج النفط
لكن شركات النفط الكبرى تُظهر أن التكنولوجيا قادرة على تجاوز هذه العقبات.
فقد اكتشفت “شيفرون” حقل “أنكور” في الطبقات الجيولوجية لعصر الباليوجين عام 2015، لكن احتياطياته البالغة 440 مليون برميل كانت تقع على عمق ستة أميال تحت قاع البحر، وتحت ضغط ودرجات حرارة فائقة الارتفاع. وبعد سنوات من العمل مع موردي الصناعة للوصول الآمن إلى النفط، بدأت “شيفرون” في إنتاج نفط مشروع “أنكور” في أغسطس، تحت معدلات ضغط تصل إلى 20 ألف رطل لكل بوصة مربعة، وهي من بين الأعلى في العالم، وتعادل وزن فيل يقف على عملة معدنية من فئة ربع دولار.
كما اكتشفت “بي بي” نحو 10 مليارات برميل من الموارد في طبقات الباليوجين، ومن المقرر أن تبدأ الإنتاج منها عبر مشروع “كاسكيدا” (Kaskida) في 2029.
قال آندي كريغر، النائب الأول لرئيس الشركة لمنطقة خليج أميركا وكندا، رداً على أسئلة: “الخليج منطقة استراتيجية رئيسية لشركة “بي بي”، نظراً للأحجام الكبيرة للنفط وتكاليفه المنخفضة”.
وأضاف: “هذا أحد أهم الأسباب التي دفعتنا إلى ضخ استثمارات كبيرة في هذه المنطقة على مدى سنوات عديدة، وهو أيضا السبب الذي يجعلنا نعتزم مواصلة الاستثمار فيها، بطريقة منضبطة، لسنوات عديدة قادمة”.