إمبراطورية ماسك تروي قصتها الخاصة مع إدارة الكفاءة الحكومية

قلةٌ، وخاصة دافعو الضرائب، سينكرون أن تقليل تكلفة الحكومة وعدم كفاءتها مع القضاء على الاحتيال هو هدف جدير بالاهتمام. وهناك منطق مذهل حول فكرة أن إيلون ماسك هو الشخص المثالي لهذه المهمة. لهذه الغاية، يحاول أغنى رجل في العالم، الذي كلفه أقوى رجل في العالم، إعادة ابتكار حكومة تنظم الأعمال وتدعمها وتجري صفقات معها. يمتلك ماسك ثروة شخصية تقارب 350 مليار دولار، وسجلاً حافلاً بإدارة شركات رائدة ذات قيمة عالية، من “تسلا” إلى “سبيس إكس” (SpaceX) و”نيورالينك” (Neuralink)، على سبيل المثال لا الحصر.
لكن مع مرور الوقت، تصبح تضاربات المصالح المالية التي تحيط بكل ما يفعله ماسك لصالح الرئيس دونالد ترمب كرئيس فعلي لإدارة الكفاءة الحكومية التي أُنشأت حديثاً، أكثر وضوحاً.
بينما لا يمكن إنكار نجاحات ماسك في عالم الأعمال، إلا أن الحكومة ليست شركة. تخفيف ميزانية فيدرالية تصل إلى تريليونات الدولارات يتطلب قرارات صعبة حول سبل توزيع الخدمات العامة، وهو أكثر تعقيداً من مجرد تسريح العمال. الكثير مما أنجزته إدارة الكفاءة الحكومية حتى الآن هو أداء استعراضي، وإن كان لافتاً ومثيراً للاضطرابات. علاوة على ذلك، كان أحد أبرز إخفاقات ماسك في السنوات القليلة الماضية يتعلق بـ”تسلا”، التي أعلنت عن سيارة كهربائية منخفضة التكلفة، ثم أخفقت في طرحها.
هل سيحظى ماسك بنفوذ لا محدود؟
تُظهر الزيادة في قيمة شركات ماسك المختلفة منذ يوم الانتخابات أن المستثمرين يعتقدون أنه سيستفيد مالياً. وفقاً لبيانات “بلومبرغ”، اقتربت ثروة ماسك الصافية من نصف تريليون دولار في منتصف ديسمبر. كما تضاعفت قيمة أكبر أصوله من حيث الحجم والسيولة، وهي حصة 12.8% في “تسلا”، تقريباً في الأسابيع الستة التي تلت الانتخابات، ما رفع القيمة السوقية للشركة إلى أكثر من 1.5 تريليون دولار.
في الوقت نفسه، اُعيد تقييم “سبيس إكس” بنسبة 67% في جولة جمع أموال في ديسمبر، مما جعلها أكثر شركات التكنولوجيا الناشئة قيمة في العالم. حتى شركة “إكس هولدينغز” (.X Holdings Corp) يُقال إنها تجري محادثات لجمع أموال جديدة بتقييم يعادل 44 مليار دولار، وهو ما دفعه ماسك لشراء شركة التواصل الاجتماعي المتعثرة قبل بضع سنوات، في تحولٌ لافت يعكس الحافز الذي حصل عليه المعلنون بفضل ارتباط مالكها بالحكومة، بالإضافة إلى حصتها في مشروع الذكاء الاصطناعي “إكس إيه آي” (xAI).
مع ذلك، فإن الفوائد التي تعود على ماسك موزعة بشكل غير متساوٍ عبر إمبراطوريته، ومصحوبة بالمخاطر. فقد خسر سهم “تسلا” أكثر من 80% من مكاسبه التي حققها بعد انتخاب ترمب، حيث يقيّم المستثمرون ما إذا كان تركيز ماسك على إدارة الكفاءة الحكومية يفيد الشركة بشكل أسرع من تأثيره السلبي على العلامة التجارية، وتعويض نقاط الضعف الحالية. كما انخفضت مبيعات “تسلا” بنسبة 45% الشهر الماضي في أوروبا، في حين شهدت شركات صناعة السيارات الكهربائية المنافسة زيادة في الطلب.
كيف أثر ظهور ماسك على “تسلا” و”سبيس إكس”؟
على الرغم من أن “سبيس إكس” تبدو في وضع تُحسد عليه، إلا أن رعاية ترمب ليست مضمونة تماماً. كما أن تصوير ماسك للديمقراطيين بشكل سلبي قد يعرض شركة تطوير الصواريخ للخطر عندما تتحول السلطة مرة أخرى في واشنطن.
بالإضافة إلى ذلك، كلما أصبح ماسك أكثر ظهوراً في المشهد، زادت احتمالية إثارة شكوك حول تضارب المصالح، ما يجعل المزيد من الأميركيين يتساءلون عن الحكمة وراء تحكم رجل واحد في العديد من الشركات ذات التقنيات الحيوية التي تضم وسائل إعلام ونقل واتصالات مرتبطة بمصالح مع الحكومة، وبعضها له آثار على الأمن القومي.
أكثر ثلاث فوائد محتملة وواضحة تجنيها “تسلا” من دور ماسك في الحكومة تتعلق بالتشريعات، والوصول إلى الأسواق الخارجية، والمشتريات الفيدرالية. ومع ذلك، تبدو هذه الفوائد كامنة مقارنة بالمشاكل الحقيقية التي تحيط بالشركة.
تحديات “تسلا” في الأسواق العالمية
أجندة ترمب لإلغاء القيود التنظيمية التي تم تعزيزها من خلال تسريح موظفي إدارة الكفاءة الحكومية تشير إلى إضعاف وترهيب الهيئات الحكومية المسؤولة عن مراقبة “تسلا”، مثل الإدارة الوطنية للسلامة على الطرق السريعة، والمجلس الوطني للعلاقات العمالية، ولجنة الأوراق المالية والبورصات، ووزارة العدل. تخفيف القيود على طموحات “تسلا” في مجال المركبات ذاتية القيادة، بالإضافة إلى تشريعات فيدرالية داعمة للمركبات ذاتية القيادة، يُعتبران من الآفاق المثيرة للاهتمام بشكل خاص للمستثمرين.
لكن هناك أقل مما يبدو للوهلة الأولى. المشكلة الكبيرة لـ”تسلا” ليست التنظيم المفرط، بل المنتج غير الناضج. روّج ماسك لرؤية “سيارات أجرة ذاتية القيادة واسعة النطاق” لسنوات. لكن الإطلاق الوشيك لخدمة محدودة جغرافياً في مدينة أميركية واحدة فقط، وهو ما فعلته شركة “وايمو” (Waymo LLC) المنافسة منذ فترة، يمثل تراجعاً كبيراً. كما أنه ليس من الواضح أن التشريعات الفيدرالية للمركبات ذاتية القيادة ضرورية لتشجيع الانتشار، كما يظهر توسع “وايمو”. علاوةً على ذلك، أي محاولة لتخفيف الرقابة التنظيمية قد تقوض ثقة الجمهور في المركبات ذاتية القيادة.
دور ماسك في السياسة الدولية
اجتماع ماسك الأخير مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أظهر كيف يمكن لماسك استخدام البيت الأبيض كغرفة اجتماعات شخصية مع قادة العالم. مرة أخرى، يبدو هذا متفائلاً، لكن دخول “تسلا” إلى الهند قد يكون مرتبطاً بتقدم اتفاقية تجارية أوسع بين الولايات المتحدة والهند، حيث وصف ترمب فكرة بناء مصنع “تسلا” هناك بأنها “غير عادلة” للولايات المتحدة.
بالمثل، قصة غامضة حول اقتراح لوزارة الخارجية بشراء سيارات “تسلا” كهربائية “مدرعة” بقيمة 400 مليون دولار تظهر احتمال تدفق الأموال الفيدرالية مباشرة إلى “تسلا”. تم إلغاء الصفقة بعد تعرضها للتدقيق الإعلامي، ولكن حتى لو لم يتم إلغاؤها، فإن “تسلا” ستحتاج إلى الكثير من هذه الصفقات لتعويض أكبر مشاكلها الملموسة، وهي تراجع مبيعات السيارات الكهربائية عالمياً.
هناك أدلة متزايدة على أن تبني ماسك لسياسات أقصى اليمين يؤدي إلى إحجام العملاء في أسواق رئيسية مثل كاليفورنيا وأوروبا عن سيارات الشركة؛ إذ تمثل معاً حوالي 30% من مبيعات “تسلا” للسيارات الكهربائية في عام 2024.
وفقاً لاستطلاعات أجرتها “يوغوف” (YouGov) في ألمانيا والمملكة المتحدة في منتصف يناير، تبيّن أن التصور تجاه ماسك سلبي، وأن تدخله في سياسات هذه المناطق لا يحظى بالقبول.
على عكس “تسلا”، دخلت “سبيس إكس” عصر إدارة الكفاءة الحكومية بزخم. يتمتع ماسك بنفوذ هائل على صناعة الفضاء التجارية ووكالة “ناسا”، حيث طورت “سبيس إكس”، التي يمتلك فيها حصة 42%، نظام إطلاق صواريخ أقل تكلفة بنسبة 90% من البدائل السابقة. كما أن وحدة “ستارلينك” للاتصالات الفضائية تحظى بجاذبية تجارية واستراتيجية لدى الحكومات والأفراد في جميع أنحاء العالم.
يقول ترمب إن ماسك لن يتعامل مباشرة مع القضايا المتعلقة بالفضاء في عمله مع إدارة الكفاءة الحكومية. حتى إذا ثبت ذلك، فإن النفوذ على الميزانيات وأعداد العاملين، بالإضافة إلى القدرة على التحدث مباشرة مع الرئيس، يتيح طرقاً فعالة لتشكيل الوكالات الفيدرالية.
والجهة الأكثر صلة في هذا الصدد هي إدارة الطيران الفيدرالية، المسؤولة عن تنظيم وسائل النقل الجوية، ووكالة “ناسا”، وهي أكبر عملاء “سبيس إكس”. ماسك يحث إدارة الطيران الفيدرالية على ترقية شبكات تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها باستخدام أجهزة اتصال “ستارلينك”الفضائية، حيث يسعى لإرسال 4 آلاف جهاز إلى الوكالة، وقد تم بالفعل تركيب جهاز واحد على الأقل، وفقاً لتقارير “بلومبرغ نيوز”. (ليس من الواضح كيف يؤثر هذا على عقد بملياري دولار مُنح في عام 2023 لشركة “فيريزون كوميونيكشنز” (.Verizon Communications Inc) لتحسين منظومة المجال الجوي الوطني. كما أنه ليس من الواضح من يجرؤ في الوكالة أن يقول “لا” لماسك، والمخاطرة برد فعل سلبي من ترمب).
إضافة إلى ذلك، هناك أمر تنفيذي حديث سعى من خلاله ترمب للحصول على مزيد من السيطرة على الوكالات المستقلة، بما في ذلك لجنة الاتصالات الفيدرالية. تعتمد “ستارلينك” على موافقات لجنة الاتصالات الفيدرالية لإطلاق وتشغيل 7 آلاف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. كانت وزارة الدفاع تعمل مع “سبيس إكس” قبل تولي ترمب لمنصبه على نسخة عسكرية من خدمة “ستارلينك” تُسمى “ستارشيلد”.
تهديدات للمنافسين
كما أن نفوذ ماسك مهم أيضاً لمنافسي “سبيس إكس” مثل “بوينغ” و”لوكهيد مارتن”، اللتين واجهتا صعوبات في مواكبة التطورات. على سبيل المثال، دعا ماسك مؤخراً إلى تقاعد مبكر لمحطة الفضاء الدولية التي تمثل عقداً كبيراً لـ”بوينغ”. بدلاً من ذلك، يريد ماسك أن تركز “ناسا” على هوسه الشخصي، وهو هدف طموح لـ”سبيس إكس”، بإرسال رواد فضاء إلى المريخ. الوضع أكثر حساسية بالنسبة للشركات الناشئة مثل “روكت لاب يو إس إيه” (.Rocket Lab USA Inc)، التي تسعى لتقليد نموذج “سبيس إكس” في تقديم خدمات الأقمار الاصطناعية الشاملة من خلال الشراكات، وتعتمد على جهات تنظيمية عادلة لتمهيد الطريق لتطوير صواريخها وإطلاقها.
لدى “سبيس إكس” و”ستارلينك” أيضاً أبعاد تتعلق بالأمن القومي والسياسة الدولية. قد يجني قادة العالم الذين يسعون لكسب ود ترمب فوائد محتملة، حتى لو لم يكن ماسك مشاركاً مباشراً. قد تكون هذه هي الحال في فيتنام التي تخطط لتغيير قانون يقيّد الملكية الأجنبية لشركات خدمات الاتصالات. هذه التغييرات ستسمح لـ”ستارلينك” التي دخلت محادثات مع الحكومة لسنوات، بنشر نظامها مع الاحتفاظ بملكية كاملة.
هذا ليس مباشراً مثل الضغط الذي مارسه ماسك بمساعدة ترمب على رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا لتخفيف قانون يهدف إلى تصحيح عدم المساواة العرقية الناتجة عن الفصل العنصري.
القانون كان سيجبر “سبيس إكس” في جنوب إفريقيا، مسقط رأس ماسك، على تخصيص 30% من الأسهم لمجموعات اعتُبرت تاريخياً محرومة. خلال مناقشة مع رامافوسا على منصة “إكس”، وصف ماسك القانون بأنه “عنصري”.
بعد أيام، وقع ترمب أمراً تنفيذياً ينتقد قانوناً حول المصادرة، بالإضافة إلى موقف البلاد من إسرائيل. في صفعة أخرى لرامافوسا، لن يحضر أي من أعضاء حكومة ترمب اجتماع مجموعة العشرين الذي تستضيفه جنوب إفريقيا. ربما تكون هذه مصادفة، ولكن حتى الآن لم تفز “سبيس إكس” بإعفاء من القانون، حيث توقفت المحادثات
مخاطر استراتيجية ماسك
ما يميز ماسك عن سلسلة طويلة من أباطرة الشركات الذين لديهم ميل للسلطة السياسية هو استراتيجيته.
بدلاً من المراهنة المعتادة على كلا الطرفين نظراً لتقلب السلطة بين الحزبين كل بضع سنوات، فإن تبني ماسك لترمب وحركة “لنجعل أميركا عظيمة” هو، باستخدام عبارته المفضلة، “قاسٍ”.
ربما يعتبر ماسك أن نتيجة الانتخابات الأخيرة تمثل نوعاً من التغيير الهيكلي؛ حيث إن الديمقراطيين الذين يحتقرهم الآن لن يتمكنوا من استعادة السلطة. هذا افتراض غريب، نظراً لأن ترمب فاز بأقل من نصف الأصوات، وحصل الجمهوريون بالكاد على الأغلبية في الكونغرس. كما أنه افتراض مقلق، نظراً لنزعات ترمب الاستبدادية التي ظهرت بوضوح في محاولته لمحو هزيمته في انتخابات عام 2020.
من الممكن أن يعتبر أغنى رجل في العالم، الذي يمتد نفوذه من شاشات الهواتف الذكية إلى السفر إلى الفضاء وحتى البيت الأبيض، نفسه غير خاضع للمساءلة. قد يفسر هذا سبب اختياره أن يكون لاعباً نشطاً في لعبة قد تمتد حتى بعد انتهاء فترة إدارة الكفاءة الحكومية المخطط لها في يوليو 2026.
مغامرة ذات حدين
هذه المغامرة تجلب قوة كبيرة، ولكن أيضاً قد تجرّ مخاطر عليه وعلى شركاته. وفقاً لاستطلاع أجرته “واشنطن بوست-إبسوس”، فإن ما يقرب من نصف الأميركيين يقولون إنهم لا يوافقون على أداء ماسك.
كما أن الاحتجاجات الأخيرة في معارض “تسلا” تشهد على رد فعل عنيف يتراكم. في الصين، موطن أكبر مصنع لـ”تسلا” للسيارات الكهربائية، قد يُترجم دور ماسك كمستشار لترمب إلى تفضيل لعملياته هناك، أو ببساطة يجعل منه هدفاً لبكين.
في النهاية، قد يسهل الدور الغريب لماسك كمستشار مستقل لأقوى شخص في العالم على ترمب إلقاء اللوم عليه عندما تتبدل الأحوال إلى الأسوأ، ثم التخلص منه مثل العديد من الآخرين في عالم ترمب عندما يصبحون غير مفيدين.
المبدأ الأساسي للحكم في الولايات المتحدة هو أن السلطة ليست مطلقة ولا دائمة. أن يتصرف ماسك كما لو أن هذا ليس بالضرورة صحيحاً قد يكون أكبر نقاط ضعفه. أو ربما نقطة ضعفنا.