اخر الاخبار

إمبراطورية فضاء ماسك على المحك وسط الصراع مع ترمب

ينتشر رمز الفشار بكثرة مع تصاعد الخلاف بين أغنى رجل في العالم وأقوى زعيم في العالم. حتى تييري بريتون، المنظّم الأوروبي الذي كان هدفاً متكرراً لغضب إيلون ماسك، انضم إلى المشهد. ومع أن الخلاف بين الملياردير ودونالد ترمب مسلٍ، إلا أنه يحمل أيضاً دروساً باهظة الثمن لاقتصاد الفضاء البالغ حجمه 630 مليار دولار الذي تهيمن عليه شركة “سبيس إكسبلوريشن تكنولوجيز” (Space Exploration Technologies) التابعة لماسك، وهذه هي خطورة الاعتماد المتبادل بين الاحتكارات الفعلية والدول التي تزداد ميلاً للحمائية.

لم تكن هذه الخطورة ضمن الأجندة خلال ذروة العلاقة الودية بين ترمب وماسك، حين وصف الرئيس المنتخب آنذاك ثورة الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام التابعة لـ”سبيس إكس” بالطريقة ذاتها التي قد يمدح بها ملك في عصر النهضة حملة استعمارية ناجحة؛ بمزيج من الفخر الوطني، والنفوذ الجيوسياسي، والإمكانات المالية: “اتصلت بإيلون. قلت له: ‘إيلون، هل كانت تلك [المناورة الهبوطية] من صنعك؟’ قال: ‘نعم، كانت كذلك’. قلت: ‘…هل تستطيع روسيا فعلها؟’ ‘لا.’ ‘هل تستطيع الصين فعلها؟’ ‘لا.’ ‘هل تستطيع الولايات المتحدة فعلها، عداك أنت؟’ ‘لا، لا أحد يستطيع فعل ذلك.’ ‘لهذا السبب أحبك يا إيلون'”.

زوال الود بين ترمب وماسك

منذ ذلك الحين، زال هذا الود مع تفاقم التناقضات المتأصلة في إمبراطورية ماسك الفضائية البالغة قيمتها 350 مليار دولار، وتسبب النفاق الكامن في صورة الملياردير الذي يروّج لنفسه باعتباره من تيار “ماغا المظلم” (جعل أميركا عظيمة مجدداً) والذي يهاجم الإنفاق الحكومي بضراوة، بينما تستفيد شركتاه “سبيس إكس” و”تسلا” من عقود حكومية تبلغ قيمتها 22 مليار دولار، في تفاقم صراع غرور الرجلين في وقت هدد فيه ترمب بسحب الدعم المموّل من دافعي الضرائب.

في المقابل، جاء تهديد ماسك العابر — والذي سحبه سريعاً — بوقف عمل كبسولة “دراغون” التي تعتمد عليها “ناسا” في نقل رواد الفضاء، شبيهاً بالابتزاز الجيوسياسي المستخدم في ساحة المعركة في أوكرانيا، حيث سبق أن أوقف الملياردير هجمات ضد روسيا من خلال وحدة “ستارلينك” التابعة لـ”سبيس إكس”. وهذه تهديدات عالية المخاطر تحمل تكاليف اجتماعية جسيمة.

“سبيس إكس” بين الريع والابتكار

لم نعد في عهد الغزاة الطموحين، بل أصبحنا أمام إمبراطوريات تجارية مدعومة من دافعي الضرائب ومليئة بالتناقضات. وحتى لو كان ماسك يستحق التقدير لدوره في هيمنة “سبيس إكس” على كل من عمليات إطلاق الصواريخ والاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، بحصة سوقية تبلغ 80% في المجال الأول وأكثر من 8 آلاف قمر “ستارلينك” في المدار، فإن تسليح الفضاء في هذا الخلاف يشير إلى أن الابتكار بات في المقعد الخلفي لصالح المحاباة. 

لم تكن نجاحات “سبيس إكس” هذا العام على منصات الإطلاق، بل في دهاليز السلطة، حيث بدت حصتها السوقية كأداة لاستخلاص الريع بدلاً من الاستكشاف. وفتح تغيير قواعد دعم الإنترنت عالي السرعة الأبواب أمام تقديم منح لـ”ستارلينك”، وكذلك فعل احتمال إنشاء “قبة ذهبية” دفاعية. ورافقت سياسات ترمب القائمة على فرض الرسوم الجمركية على دول أخرى، وفقاً لتقارير، ضغوطاً من أجل الحصول على موافقات تنظيمية لـ”ستارلينك”. أما تعيين حليف لماسك على رأس “ناسا”، فقد بدا وكأنه القشة التي قصمت ظهر حركة “اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً”.

الخلاف فرصة لشركات فضاء أخرى

بينما لا تزال ناسا والبنتاغون يعتمدان بشكل كبير على “سبيس إكس”، فإن الجانب المشرق من كل هذا هو أن على منافسي ماسك استيعاب الرسالة وتكثيف جهودهم، فقد تواصل مسؤولون حكوميون مع شركات الفضاء التجارية الأميركية، بما في ذلك شركة “بلو أوريجين” (Blue Origin) التابعة لجيف بيزوس، للاستفسار عن جاهزية الصواريخ، وفق صحيفة واشنطن بوست (المملوكة لبيزوس).

في الاتحاد الأوروبي، الذي يسعى جاهداً حتى لا تفوته ثورة تكنولوجية أخرى، تُولي الحكومات اهتماماً بالغاً لإعادة تنشيط الشركات العريقة مثل شركة “يوتلسات كوميونيكيشنز” (Eutelsat Communications)، التي تُجري محادثات لجمع 1.5 مليار يورو (1.7 مليار دولار أميركي)، ما سيُضاعف حصة الدولة الفرنسية إلى 30%. كما تتطلع القارة إلى أول اختبار تجريبي لمشروع صاروخ مُعزِّز قابل لإعادة الاستخدام يُسمى “ثيميس”، والذي لمحته أنا خلال جولة قمتُ بها مؤخراً في منشأة التصنيع “أريان سبيس” (Arianespace)، التابعة لشركتي “إيرباص”و”سافران إس إيه” ( Safran SA)، بالقرب من باريس.

تراجع نفوذ ماسك

لكن من الاحتمالات القاتمة أن تؤدي حرب طويلة الأمد بين حركة “اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً” و”ماسك” إلى جعل الفضاء مكاناً أكثر برودة للجميع. تواجه “ناسا” بالفعل خفضاً كبيراً لميزانيتها؛ والانقلابات السياسية والانعطافات الحادة التي تُحرّكها العداوات الشخصية لن تمنح الثقة. (دعونا لا ننسَ أن شركة “أمازون دوت كوم”، ألقت باللوم في وقتٍ سابق على كراهية ترمب الشخصية لـ”بيزوس” في خسارة عقد قيمته 10 مليارات دولار مع وزارة الدفاع الأميركية). 

يُواجه الأوروبيون فجوة هائلة لسدّها: أشار تقرير صادر عن مركز الأبحاث “معهد مونتين” (Institut Montaigne) إلى أن إنفاق أوروبا العسكري في مجال الفضاء يعادل واحداً على خمسة عشر من نظيره الأميركي، في حين قدّر “جون ديفيز” من “بلومبرغ انتليجنس” أن شبكة “ون ويب” (OneWeb) التابعة لشركة “يوتلسات” (Eutelsat) تحتاج إلى أكثر من 4 مليارات يورو إضافية من الإنفاق الرأسمالي بحلول عام 2030.

من المرجّح أن نشهد مزيداً من عمليات الاندماج والتدخّلات الحكومية في عالمٍ يتسم بتراجع نفوذ ماسك، وإن كنا نأمل أن تكون هناك دروسٌ مستفادة في وقت مبكر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *