إلى أي حد يجب أن تتعاظم أصول البنك المركزي؟

سيواجه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قريباً قراراً حاسماً: ماذا سيفعل بمحفظته الضخمة من الأوراق المالية التي جمعها في إطار جهوده لإدارة الاقتصاد؟
النهج الأفضل والأكثر أماناً هو إيقاف الانكماش المعروف بالتشديد الكمي في أقرب وقت ممكن. وهذا ما أتوقعه منه.
بعد الأزمة المالية لعام 2008، ومرة أخرى خلال جائحة ”كوفيد“ العالمية، اشترى الاحتياطي الفيدرالي كميات كبيرة من سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري- وهي سياسة تُعرف بالتيسير الكمي. كان الهدف من ذلك توفير حافز نقدي إضافي فيما كانت أسعار الفائدة قصيرة الأجل قريبة من الصفر.
التشديد الكمي ينتشر عالمياً للمرة الأولى.. الأسواق على المحك
بحلول مارس 2022، دفع هذا احتياطيات البنوك لدى الاحتياطي الفيدرالي إلى أكثر من 4 تريليونات دولار. مع انتعاش النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم، عكس البنك المركزي مساره، فرفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل وقلص محفظة أوراقه المالية.
منذ ذلك الحين، يسعى الاحتياطي الفيدرالي إلى الانتقال من نظام الاحتياطيات ”الوفيرة“ إلى نظام الاحتياطيات ”الوافية“. في هذا النظام، تمتلك البنوك سيولة كافية لتلبية احتياجات السوق في معظم الأوقات، ويبقى الاحتياطي الفيدرالي على أهبة الاستعداد (عبر تسهيلات إعادة الشراء الدائمة) لإقراض مزيد من السيولة مقابل أوراق مالية عالية الجودة في ظروف معينة – على سبيل المثال، عندما تتسبب مزادات ديون الخزانة أو مدفوعات ضرائب الشركات في انخفاض الاحتياطيات مؤقتاً إلى ما دون مستوى طلب البنوك.
هل ينبغي للاحتياطي الفيدرالي التوقف عند هذا الحد
يقترب الاحتياطي الفيدرالي الآن من تحقيق هذا التوازن الدقيق. فقد انخفضت احتياطيات البنوك بحدة، إلى أقل من 3 تريليونات دولار، إذ أعادت الخزانة بناء رصيدها النقدي لدى الاحتياطي الفيدرالي في أعقاب أزمة سقف الدين الصيفي. وقد دفع انخفاض الاحتياطيات سعر الفائدة الفعلي على الأموال الفيدرالية إلى الارتفاع ببضع نقاط أساس، ليصل إلى 4.11% من 4.08% قبل شهر.
لقد لجأت البنوك أحياناً إلى تسهيلات إعادة الشراء الدائمة التابعة للاحتياطي الفيدرالي عندما ارتفعت أسعار تمويل الأوراق المالية لفترة وجيزة فوق سعر الفائدة المعروض في التسهيلات وهو 4.25%.
كيف سينهي الاحتياطي الفيدرالي برنامج التشديد الكمي؟
فهل ينبغي على الاحتياطي الفيدرالي التوقف عند هذا الحد، مع محفظة أوراق مالية تزيد عن 6 تريليونات دولار؟ يرى البعض عكس ذلك. على سبيل المثال، تجادل ميشيل بومان، نائبة رئيس الاحتياطي الفيدرالي، بأنه ينبغي على البنك المركزي تقليص “تأثيره في أسواق النقد وأسواق الخزانة” قدر الإمكان.
تقول إنه في ظل نظام الاحتياطيات “الشحيح”، ستصدر السوق إشارات آنية عن ضغوط أو مشكلات في الأداء، وستدير البنوك أرصدتها النقدية بفعالية أكبر، وسيكون لدى الاحتياطي الفيدرالي مجال أوسع للتخفيف من حدة الصدمات المستقبلية “دون القلق بشأن وجود مساحة كافية لتوسيع الميزانية العمومية”.
شح الاحتياطيات يدفع السوق إلى حافة الانهيار
أختلف مع هذا الرأي. لماذا نخاطر بتكرار اضطراب سوق النقد في سبتمبر 2019 في حين أن هذا غير ضروري إطلاقاً؟ إن دفع السوق إلى حافة الانهيار، أو إجبار البنوك على الاعتماد على مصادر تمويل أقل أماناً، سيكون أكثر إثارة للقلق منه للاطمئنان، وسيزيد من تكلفة الاقتراض.
لدى الاحتياطي الفيدرالي قدرة غير محدودة على توسيع ميزانيته العمومية، إما عن طريق شراء أوراق مالية عالية الجودة أو عن طريق الإقراض بضمانها.
بذلك، يوفر للبنوك أصلاً -هو الاحتياطيات- لا يواجه أي مخاطر تتعلق بالسيولة أو التسويات أو أسعار الفائدة. وهذا يجعل النظام أكثر استقراراً والسياسة النقدية أبسط تشغيلياً من نظام الاحتياطيات الشحيحة.
ما يزال طريق التشديد الكمي طويلاً أمام الاحتياطي الفيدرالي
يخشى آخرون من أن حتى الانتقال إلى نظام احتياطيات وافرة قد يزعزع استقرار الأسواق المالية، في وقت بدأت فيه معاناة شركة “تريكولور هولدينغز” (Tricolor Holdings) لإقراض السيارات عالية المخاطر، وشركة “فيرست براندز غروب” (First Brands Group) لتوريد قطع غيار السيارات، تنذر بمشكلات بالفعل.
أشك في أن يكون هذا النظام ذا أهمية. فعندما كانت الاحتياطيات وفيرة، كانت السيولة الفائضة في الغالب لدى الاحتياطي الفيدرالي. احتفظت البنوك باحتياطيات أكثر من المطلوب، واستثمرها البنك المركزي في سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، ما أدى إلى انخفاض طفيف في عوائد وأسعار الرهن العقاري طويلة الأجل.
لقد حدد سعر الفائدة على الاحتياطيات، الذي حدده الاحتياطي الفيدرالي، أسعار سوق النقد وحجم نشاط الائتمان في القطاع الخاص.
نهاية دورة التشديد الكمي وشيكة
أتوقع أن ينهي الاحتياطي الفيدرالي التشديد الكمي قريباً جداً، ربما هذا الشهر. سيُعاد استثمار سندات الخزانة الأميركية البالغة قيمتها 5 مليارات دولار، التي كان الاحتياطي الفيدرالي يسمح بسحبها شهرياً، بالإضافة إلى الدفعات المسبقة للأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري -أكثر بقليل من 15 مليار دولار شهرياً- في سندات الخزانة الصادرة حديثاً.
يُرجح أن تركز إعادة الاستثمار على سندات الخزانة قصيرة الأجل، والتي لا تمثل حالياً سوى 195 مليار دولار من محفظة الاحتياطي الفيدرالي البالغة 4.2 تريليون دولار. وعلى المدى الأطول، سيتعين على الاحتياطي الفيدرالي زيادة حيازاته من سندات الخزانة، حتى يواكب عرض الاحتياطيات النمو الاقتصادي.
الذهب والسندات يتجهان نحو تسجيل تدفقات قياسية العام الجاري
على الرغم من أن الانتقال من التيسير الكمي سيسير بسلاسة على الأرجح، ما يزال على الاحتياطي الفيدرالي تقديم بعض التوضيحات. أولاً: هل فاقت فوائد سياسات ميزانيته العمومية التكاليف؟ من المرجح أن يكلف برنامج التيسير الكمي في عصر الجائحة ما بين 500 مليار دولار وتريليون دولار من دخل الفوائد الضائع.
تتجاوز خسائر الاحتياطي الفيدرالي، الموضحة على أنها “تحويلات مستحقة لخزانة الولايات المتحدة”، 240 مليار دولار، وما تزال تتراكم. كجزء من مراجعة إطار سياسته النقدية، ينبغي على الاحتياطي الفيدرالي إعداد تحليل واضح للتكاليف والفوائد لتوجيه الاستخدام المستقبلي للتيسير الكمي والتشديد النقدي، والتمييز بوضوح بين عمليات شراء الأصول المصممة لتوفير التحفيز النقدي وتلك التي تهدف إلى دعم أداء السوق خلال فترات التوتر.
إضافة إلى ذلك، ينبغي على الاحتياطي الفيدرالي أن يوضح بمزيد من التفصيل كيف قد تتطور ميزانيته العمومية في ظل نظام احتياطياته “الوافية”. على سبيل المثال، ما هو التكوين المطلوب لحيازات الاحتياطي الفيدرالي من الأوراق المالية من حيث النوع والمدة؟ كيف سيصل إلى ذلك؟ هل سيبيع الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري لتسريع الانتقال إلى محفظة سندات الخزانة المطلوبة؟
حتى مع انتهاء التشديد الكمي، سيظل عمل الاحتياطي الفيدرالي بعيداً عن الإنجاز.



