اخر الاخبار

إسرائيل وإيران خصمان تقليديان منذ عقود.. ما القادم بينهما؟

شكل الصراع بين إسرائيل وإيران ملامح الشرق الأوسط على مدى عقود. وظل هذا الصراع في معظمه على نار هادئة، حيث تبادلت الدولتان الهجمات- غالباً بشكل غير معلن، وفي حالة إيران غالباً عبر وكلاء- مع تجنب اندلاع حرب شاملة.

لكن وتيرة الأعمال العدائية تصاعدت بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية المدعومة من إيران، في أكتوبر 2023.

ومنذ ذلك الحين، تبادلت الدولتان القصف على أراضي بعضهما البعض في حوادث متفرقة باستخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة. ثم جاءت نقلة تصعيدية كبرى عندما شنّت إسرائيل في 13 يونيو ضربات جوية استهدفت منشآت عسكرية إيرانية وبرنامجها النووي، بالإضافة إلى علماء وقادة عسكريين.

وقعت انفجارات عنيفة في العاصمة الإيرانية طهران لدرجة أنها كانت مرئية ومسموعة للسكان. وبحسب التلفزيون الرسمي الإيراني، لقي قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي حتفه في الضربات. ووصفت إسرائيل العملية بأنها “ضربة استباقية” وأعلنت حالة الطوارئ.

قد يصبح التصعيد إلى حرب مفتوحة احتمالاً واقعياً في ظل تجدد التركيز على القدرات النووية الإيرانية. وذلك لأن إسرائيل، التي يُعتقد على نطاق واسع أنها تمتلك أسلحة نووية، تعتبر منذ وقت طويل أن امتلاك إيران للأسلحة النووية يُشكل تهديداً وجودياً لها.

1) ما سبب العداء بين إيران وإسرائيل؟ 

كانت إسرائيل وإيران حليفتين في مطلع خمسينيات القرن الماضي، إبان حكم آخر شاه لإيران محمد رضا بهلوي، غير أن هذه العلاقة انهارت فجأة مع اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979.

دعا القادة الجدد في إيران إلى تدمير إسرائيل، ونددوا بالدولة اليهودية باعتبارها قوة إمبريالية في الشرق الأوسط. ومنذ ذلك الحين، دعمت إيران جماعات تقاتل إسرائيل بانتظام، لا سيما حركة “حماس” و”حزب الله” والمتمردين الحوثيين وجميعها تصنفها الولايات المتحدة كمنظمات إرهابية.

تعتبر إسرائيل احتمال امتلاك إيران للسلاح النووي تهديداً وجودياً. وقد ألمح المسؤولون الإسرائيليون مراراً إلى أن قواتهم ستشنّ هجوماً جوياً على البرنامج النووي الإيراني إذا اقتربت طهران من بلوغ مرحلة القدرة على إنتاج السلاح، تماماً كما فعلت إسرائيل عندما قصفت مفاعلاً نووياً في العراق عام 1981، وموقعاً يُعتقد أنه نووي في سوريا عام 2007. 

 2) هل سبق أن تبادلت إسرائيل وإيران الهجمات بشكل مباشر؟

 قبل توجيه الضربة الإسرائيلية في 13 يونيو، تبادلت إسرائيل وإيران الضربات المباشرة لأول مرة في أبريل 2024، عندما شنّت إيران هجوماً واسعاً بالصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل.

جاء الهجوم الإيراني رداً على ضربة جوية قبلها بأسبوعين استهدفت مباني دبلوماسية إيرانية في العاصمة السورية دمشق. ونُسبت هذه الضربة على نطاق واسع إلى إسرائيل، رغم أنها لم تعترف بتنفيذها.

ورغم أن الهجوم الإيراني ألحق أضراراً محدودة وتبعه رد إسرائيلي محدود أيضاً، فإن المواجهة المباشرة بين الجانبين دفعت الصراع إلى مرحلة أكثر خطورة، وشكّلت سابقة في الاشتباك العلني والمباشر.

في يوليو من نفس العام، اغتالت إسرائيل زعيم المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في قلب العاصمة الإيرانية طهران. ثم تبادل الطرفان جولة جديدة من الهجمات الصاروخية والضربات الجوية في أكتوبر.

3) كيف تبدو موازين القوة العسكرية بين إسرائيل وإيران؟

تتمتع القوات الإسرائيلية بتفوق تكنولوجي هائل مقارنة بنظيرتها الإيرانية، ويرجع ذلك جزئياً إلى الدعم العسكري والمالي من جانب الولايات المتحدة، التي تسعى منذ زمن لضمان تفوق إسرائيل بموجب التزامها بأمن الدولة اليهودية.

كما أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط حتى الآن التي اشترت مقاتلات الشبح “إف- 35” من شركة “لوكهيد مارتن”، وهي أغلى نظام سلاح في التاريخ. كما يُعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، رغم أنها لم تعترف رسمياً بذلك. أما إيران، فلطالما اشتُبه في أنها تسعى لاستخدام برنامجها النووي المدني كغطاء لبناء أسلحة ذرية، وهي نية نفتها طهران مراراً. 

تواصل مخزونات إيران من اليورانيوم عالي التخصيب ارتفاعها، ويمكن رفع نسبة نقائها سريعاً إلى 90%، وهي الدرجة المستخدمة عادةً في تصنيع الأسلحة النووية، إذا ما قررت قيادة الجمهورية الإسلامية المضي في ذلك.

ومع ذلك، يتعيّن على إيران أن تتقن عملية تحويل الوقود النووي إلى سلاح، حتى تتمكن من إنتاج جهاز فعّال يمكنه إصابة أهداف بعيدة.

قيدت العقوبات والعزلة السياسية قدرة إيران للحصول على التكنولوجيا العسكرية الأجنبية، ما دفعها إلى تطوير أسلحتها محلياً. وتعتمد إيران في سلاحها الجوي على طائرات قتالية قديمة تعود إلى ما قبل ثورة 1979.

تأمل إيران في تحديث قدراتها العسكرية من خلال تعزيز تعاونها مع روسيا. ووافقت على شراء مقاتلات ” سوخوي -35″ لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الطائرات قد تم تسليمها.

 ورغم تخلفها التكنولوجي، يُعتقد أن الجيش الإيراني يمتلك مخزوناً كبيراً من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المسيّرة الرخيصة، التي استخدمها في هجماته ضد إسرائيل عام 2024.

كما تبيّن لإيران من تلك الهجمات، فإن اختراق منظومة الدفاعات الجوية الإسرائيلية المتطورة يشكّل تحدياً بالغ الصعوبة، إذ ينبغي أولاً تجاوز مقاتلات سلاح الجو الإسرائيلي.

 ثم تواجه إيران أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية “آرو” و”مقلاع داوود”، والتي، إلى جانب القوات الأميركية والحليفة الأخرى في المنطقة، اعترضت 99% من أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيّرة أطلقتها إيران خلال هجوم أبريل 2024، بحسب الجيش الإسرائيلي.

تشمل ترسانة إيران الدفاعية أنظمة صواريخ أرض-جو مثل منظومة “إس-300” الروسية لمواجهة الطائرات وصواريخ كروز، إضافة إلى منظومة “آرمان” المحلية الصنع المضادة للصواريخ الباليستية.

لكن هذه المنظومات الإيرانية لم تُختبر ميدانياً بنفس الدرجة التي اختُبرت بها الدفاعات الإسرائيلية، ما يعكس تفضيل إيران لأسلوب الحرب غير المتكافئة الذي يمكّنها من فرض تأثير أكبر بدلاً من خوض مواجهات مباشرة.

تمتلك كل من إسرائيل وإيران قدرات متقدمة في مجال الحرب الإلكترونية. فقد تسبّب برنامج تخريبي يُعرف باسم “ستاكسنت” قبل أكثر من عقد في تعطيل عمليات منشأة إيرانية لتخصيب اليورانيوم، في هجوم يُرجَّح أن يكون ثمرة تعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

كما أن إيران قادرة على تنفيذ “مجموعة من العمليات السيبرانية، بما في ذلك حملات التأثير المعلوماتي وصولاً إلى هجمات مدمرة تستهدف شبكات حكومية وتجارية حول العالم”، حسب تقييم صادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأميركية في العام الماضي. 
ومن بين الهجمات الإلكترونية التي شنتها إيران، محاولة اختراق استهدفت تعطيل الحواسيب وتدفق المياه في منطقتين بإسرائيل، بحسب ما أفاد به مجلس العلاقات الخارجية الأميركي.

4) ما مدى صعوبة استهداف إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية؟

 المنشآت النووية الإيرانية كثيرة وموزعة في أنحاء البلاد. وقد جرى خلال السنوات الأخيرة نقل الأصول الأهم منها إلى مواقع تحت الأرض في محاولة لحمايتها من أي هجمات محتملة.

لكن ذلك لم يمنع تنفيذ عمليات تخريبية صغيرة تُنسب بشكل متكرر إلى إسرائيل. ويُعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل تقف وراء اغتيال خمسة علماء نوويين إيرانيين في طهران منذ عام 2010. كما ألقت إيران باللوم على إسرائيل في انفجار وقع في منشأة تخصيب نووي رئيسية عام 2021.

تقول إسرائيل إنها دمّرت معظم أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية وجزءاً كبيراً من قدراتها على تصنيع الصواريخ خلال تبادل الضربات بين الجانبين في أكتوبر 2024، ما قد يجعل شن هجوم ناجح أسهل بالنسبة لها.

 لكن مسؤولين في مجال الاستخبارات حذّروا من أن الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية قد تؤدي فقط إلى تأخير وليس القضاء التام على قدرة إيران لتجميع التكنولوجيا اللازمة لصناعة سلاح نووي.

قال مسؤول عسكري رفيع مسؤول عن حماية البرنامج النووي الإيراني في أبريل 2024 إن بلاده سترد بالمثل إذا استهدفت إسرائيل منشآتها. وذهب إلى أبعد من ذلك حين أشار إلى أن مجرد التهديد قد يدفع إيران لإعادة النظر في سياساتها تجاه ما تصفه بأنه برنامج نووي سلمي.

5) من هم حلفاء إسرائيل وإيران؟ 

أهم حلفاء إيران هم الميليشيات الشيعية في لبنان واليمن والعراق، والتي تدعمها بالمال والسلاح والتدريب. لطالما اعتُبرت ميليشيا حزب الله اللبنانية الأقوى بين وكلاء إيران في المنطقة، لكن الاشتباكات المتواصلة مع إسرائيل منذ اندلاع حرب غزة، بما في ذلك توغل بري إسرائيلي في الأراضي اللبنانية، أضعفتها بشكل كبير. كما خسرت طهران الحليف الإقليمي الوحيد من بين دول الشرق الأوسط  وهي سوريا بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد في ديسمبر 2024.

 من المرجح أن يكون المتمردون الحوثيون في اليمن متحمسين للعب دور في أي حرب شاملة بين إسرائيل وإيران. ومنذ بداية الصراع بين إسرائيل وحماس، أطلق الحوثيون صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة نحو إسرائيل، بالإضافة إلى استهداف سفن تجارية في البحر الأحمر.

في يوليو 2024، أصابت طائرة مسيّرة أطلقها الحوثيون  مبنى في وسط تل أبيب، ما أدى إلى مقتل رجل وإصابة عدد من الأشخاص، في أول هجوم مميت من نوعه على الأراضي الإسرائيلية. في أوائل مايو 2025، سقط صاروخ أطلقه الحوثيون قرب المطار الرئيسي في إسرائيل، ما دفع العديد من شركات الطيران الأجنبية إلى تعليق رحلاتها من وإلى البلاد.

العلاقات بين إيران وروسيا تتسم بالود والتعاون، رغم أن الحرب الروسية في أوكرانيا من المرجح أن تُقيد قدرة موسكو على تقديم الدعم في حال اندلاع صراع. كما تحتفظ الجمهورية الإسلامية بعلاقات جيدة مع الصين، التي تواصل شراء النفط الإيراني رغم خضوع هذه الشحنات لعقوبات أميركية وغربية.

 أما بالنسبة لإسرائيل، فقد ساعدت القوات الأميركية والبريطانية في تدمير بعض الصواريخ والطائرات المسيّرة التي أطلقتها إيران نحو إسرائيل في عام 2024.

كما أعلنت القوات الأميركية عن خطوات لتعزيز وجودها في الشرق الأوسط من خلال إرسال سفن وطائرات مقاتلة وسفن دفاعية مضادة للصواريخ الباليستية.
مع ذلك، فإن العملية الإسرائيلية تمثل أول أزمة كبيرة في السياسة الخارجية خلال الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وذلك بعد أن كان قد حثّ مراراً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على عدم تنفيذ الضربة.

6) كيف قد تتفاعل الدول العربية مع حرب بين إسرائيل وإيران؟

ستجد العديد من دول المنطقة نفسها في موقف صعب. فقد أبرمت أربع دول خليجية عربية اتفاقيات سلام مع إسرائيل في عام 2020 من خلال ما يُعرف باتفاقات إبراهيم، ويرتبط ذلك جزئياً بتقاطع في وجهات النظر بشأن السياسات الإقليمية لإيران.
 لكن هذه الدول سعت أيضاً إلى إصلاح علاقاتها مع طهران في ظل تركيزها على النمو الاقتصادي الداخلي، وبعد أن بدأت الولايات المتحدة، الضامن الأمني التقليدي لها، في تقليص انخراطها بالمنطقة. وعلى عكس ما كان عليه الحال في المحادثات السابقة بشأن البرنامج النووي الإيراني، فإن هذه الدول تدعم الدبلوماسية بشكل علني هذه المرة.

 أعادت إيران والمملكة العربية السعودية علاقاتهما الدبلوماسية في عام 2023 بعد قطيعة دامت سبع سنوات. ومن المرجح أن تفضّل البقاء خارج أي صراع مباشر في الوقت الراهن.

من غير المتوقع أن تُبدي الدول العربية دعماً صريحاً لأي مواجهة بين إسرائيل ودولة مسلمة أخرى، لا سيما إذا كانت تتمتع بثقل إقليمي مثل إيران. لكن تشير بعض التقديرات إلى أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة قد تكون مرت عبر تنسيق غير مباشر للمرور الجوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *