إدارة واشنطن الجديدة تصيغ مصطلحات للاستخفاف بالتغير المناخي

دأب الرئيس الأميركي دونالد ترمب على إنكار الأسس العلمية للتغير المناخي. لكن منذ عاد إلى البيت الأبيض، لم تعد إدارته تركّز على الإنكار بقدر ما تتبنى الاستخفاف بهذه القضية، سواء من قبيل الاستهانة بالمخاطر، أو الاستهزاء بها، أو رفض فكرة أن التغير المناخي يستحق الدراسة أو يستوجب أي جهد لكبحه.
تخوض الإدارة الحالية ما تسميه أستاذة الاتصال والصحافة في جامعة “تكساس إي أند إم” جنيفر ميرسيكا “حرب الأطر الخطابية”، أي إعادة تشكيل اللغة والمصطلحات المرتبطة بالقضية بهدف تغيير نظرة الجمهور إليها.
ثمة فرق بين وصف الأدلة على التغير المناخي بأنها “دامغة”، كما يجمع العلماء والحكومات، والقول بأنها “هراء” كما جاء على لسان وزير الدفاع الأميركي. إذ تلعب هذه المفردات دوراً حاسماً إما لدفع الناس كي يتحركوا أو لتثبيط عزيمتهم.
في ما يلي تفكيك للمفردات المعتمدة في الخطاب الجديد، منها مثلاً بيان للمتحدث باسم البيت الأبيض، تايلور روجرز الذي قال: “لا ينبغي تحميل الأجيال القادمة ثمن تهديدات مناخية غامضة على حساب الحلم الأميركي”.
“الفحم الجميل النظيف” – دونالد ترمب
رغم التراجع الحاد في استهلاك الفحم بالولايات المتحدة خلال القرن الحادي والعشرين، وتلاشي ميزته السعرية بالمقارنة مع مصادر الطاقة المتجددة كطاقة الرياح والشمس، ما يزال الرئيس دونالد ترمب يتمسّك بهذا الشعار القديم، آخرها في أمر تنفيذي هدف إلى إنعاش صناعة الفحم المتداعية في الولايات المتحدة.
مصطلح “الفحم النظيف” لم يحظَ يوماً بتعريف واضح أو موحّد، رغم أن الحكومة الأميركية تستخدمه منذ ثمانينات القرن الماضي، حتى أنه تحوّل إلى شعار لحملة ترويجية للقطاع في العقد الأول من الألفية.
وخلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 2000، أعلن كل من آل غور وجورج بوش الابن دعمهما للفحم، إلا أن غور عاد لاحقاً ليشبّه مفهوم “الفحم النظيف” بـ”السجائر الصحية”. وبالإضافة إلى انبعاثات الكربون، تخلّف محطات الفحم الأميركية ملوثات هوائية تتسبب بأمراض القلب والجهاز التنفسي. وبعد أن خفّفت إدارة ترمب القيود على محطات الفحم في ولايته الأولى، قدّرت وكالة حماية البيئة أن هذه الخطوة قد تتسبب في 1400 وفاة إضافية سنوياً بحلول 2030.
اقرأ أيضاً: ترمب يعتزم تقويض السياسة المناخية الأميركية
ورغم كل ذلك، ظلّ الشعار صامداً. وقال جيسون ستانلي، الأستاذ في جامعة ييل الذي يُدرس الدعاية السياسية إن هذا ليس عن عبث، فبمجرد تكرار العبارة بما يكفي، “تبدأ بربط الفحم تلقائياً بعبارة ‘الفحم النظيف الجميل’… فالتكرار هو حجر الأساس في الدعاية”.
“نحن نطعن ديانة التغير المناخي في القلب” – لي زيلدن
يعتمد العلماء، ومنهم المتخصصون بدراسة مناخ الأرض، على منهجية تجريبية دقيقة قائمة على الأدلة للوصول إلى استنتاجاتهم.
لكن وصف التغير المناخي بأنه “ديانة”، كما فعل مدير وكالة حماية البيئة لي زيلدن خلال إعلانه التراجع عن سلسلة من القيود التنظيمية، يُقوّض هذا النهج العلمي، ويُلمّح إلى أن الاهتمام بالمناخ أو دراسته هو نوع من التعصّب.
وقالت جينيفيف غونتر، مؤلفة كتاب (The Language of Climate Politics): “ما يسعون إليه هو زعزعة ثقة الناس بالعلماء.”
“وزارة الدفاع لا تتعامل مع هراء التغير المناخي. نحن ندرّب ونخوض الحروب” – بيت هيغسيث
“لن نضيّع وقتنا بعد الآن في تفاهات التغير المناخي” – بروك رولينز
استخدم كل من وزير الدفاع بيت هيغسيث ووزيرة الزراعة بروك رولينز تعبيرات متشابهة على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) وفي تصريحات لقناة “فوكس بزنس”، لتوجيه رسالة واضحة مفادها أن البرامج المناخية الحكومية تشتت عن المهام الجوهرية لوزارتيهما.
هذا الخطاب لا يتبنّى إنكار التغير المناخي بشكل مباشر، وهو موقف بات يصعب الدفاع عنه في ضوء الأدلة العلمية الساحقة والكوارث المناخية المتكررة.
وقالت ميرسيكا إن الاستخفاف بالقضية أشبه بالقول: “هذا الموضوع لا يستحق حتى نقاشنا. إنه دون مستوى اهتمامنا، فنكتفي بوصفه بالهراء”.
“لن نفلس أنفسنا فيما نلاحق أيديولوجيا التطرّف المناخي” — دوغ بورغوم
تصريح وزير الداخلية دوغ بورغوم يرسم خطاً فاصلاً بين الإدارة ومؤيّديها من جهة، وبين من يصفهم بـ”المتطرّفين” الأيديولوجيين من جهة أخرى.
لكن في ظل انسحاب إدارة ترمب من اتفاق باريس للمناخ، واقتراحها خفض مليارات الدولارات من موازنات البحث العلمي، وإلغاء تنظيمات تهدف إلى مكافحة التلوث، فإن تهمة “التطرّف” قد تنقلب بسهولة على مطلقيها.
اقرأ أيضاً: ترمب يستهدف إلغاء مكتب الطاقة النظيفة لخفض 9 مليارات دولار
وقال إد مايباخ، مدير مركز التواصل حول تغيّر المناخ في جامعة جورج ميسون: “القول إن الآخر متطرّف بينما نتبنى ممارسات متطرفة، هو من أقدم الحيل البلاغية في التاريخ”.
“أنا واقعي حيال المناخ” – كريس رايت
رغم أن تصريح وزير الطاقة كريس رايت في خطابه خلال مارس يبدو محايداً في ظاهره، فإن اختياره لهذا التعبير يتيح له، بحسب جينيفيف غونتر، التواصل مع جمهور مختلف، وتحديداً من قادة الأعمال الذين يبدي بعضهم تردداً حيال سياسات الإدارة. واللافت أن رايت وصف نفسه بالواقعي خلال مؤتمر (CERAWeek)، أحد أبرز الفعاليات العالمية في قطاع الطاقة.
لكن رايت، المدير التنفيذي السابق لشركة “ليبرتي إنرجي” (Liberty Energy)، إحدى كبريات شركات التكسير الهيدروليكي، سبق أن نفى أن يكون التغير المناخي يطرح أزمة، واعتبر انبعاثات الكربون “ثمناً مقبولاً” لتحسّن مستويات المعيشة. وقد شدّد على أن الوقود الأحفوري “أساسي لتحسين الثروة والصحة وجودة الحياة لجميع البشر”.
وفي الخطاب نفسه، لم يتوانَ رايت عن وصف السياسات المناخية التي انتهجها الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بأنها “غير عقلانية”.
أوضحت جنيفر جاكيت، العالمة البيئية في جامعة ميامي والمتخصصة في استراتيجيات إنكار التغير المناخي، أن خطاب رايت “لا يسعى إلى إقناع الناس بأن التغير المناخي غير موجود”، بل يندرج ضمن نمط جديد من الواقعية التي تستخف بتكاليف التغير المناخي بهدف الترويج لسياسات داعمة للوقود الأحفوري. وقالت: “هذا تمسك بموقف مناهض للتنظيمات”.