اخر الاخبار

إدارة ترمب تفكك لجنة مهمة للإحصاءات الحكومية دون سبب مقنع

في اقتصاد يغلب فيه عدم اليقين، اتخذت إدارة الرئيس دونالد ترمب بهدوء الأسبوع الماضي خطوةً قد تكون بداية لخطوات أخرى: لقد حلّ وزير التجارة هاورد لوتنيك اللجنة الاستشارية للإحصاءات الاقتصادية الاتحادية.

أنا أُدرك أن إنهاء عمل لجنة استشارية إحصائية غامضة لا يعتبره أحد فضيحةً ناهيك عن تلقيه كاستفزاز. لكن بصفتي خبيرةً اقتصاديةً تفاعلت مع تلك اللجنة، فقد لمست كيف أنها  حسّنت معلومات تعتمد عليها الحكومة الاتحادية ومؤسسات خاصة في اتخاذ قراراتها الاقتصادية. لا يُدرك معظم الأميركيين مدى اعتماد جوانب كثيرة من حياتهم على وجود بيانات حكومية دقيقة في الوقت المناسب.

هل هي مهمة تنقضي؟

كانت إحدى المسؤوليات الرسمية لتلك اللجنة هي “استكشاف سبل تحسين المؤشرات الاقتصادية للوكالات لجعل توقيتها أفضل وتقديمها بشكل أدق بغرض تلبية المتطلبات المتغيرة واحتياجات البيانات المستقبلية”. في ظلّ اقتصاد أميركي معقد ومتراكب الآليات، يُعدّ هذا جهداً مستمراً – وليس مهمةً لمرة واحدة ”أُنجزت”، وهو ما أعلنته وزارة التجارة كسبب لإنهاء عمل اللجنة.

قدّم أعضاء اللجنة الاستشارية الخمسة عشر، الذين لم يكونوا يتقاضون أجوراً، خبرات تقنية معمقة في مجال القياس الاقتصادي، اكتسبوها من القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والمنظمات غير الربحية. وشكّلوا مرجعاً لمكتب الإحصاء، ومكتب إحصاءات العمل، ومكتب التحليل الاقتصادي، وهي الجهات التي تُنتج جزءاً كبيراً من الإحصاءات الرسمية للبلاد.

البيانات شرط أساسي لتحقيق العدالة في أماكن العمل
 

إذا لم تواكب الإحصاءات التغيرات الاقتصادية، فإنها تفقد فائدتها. في اجتماعها الأخير في ديسمبر، ركّزت اللجنة على قياس استخدام وإنتاج الذكاء الاصطناعي. وعرض موظفو هذه الوكالات النتائج الحالية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مثل تلك الواردة في دراسة اتجاهات الأعمال والتوقعات التي بدأت في 2022، وحددوا جهود جمع البيانات الجديدة. وقد تضاعف استخدام الذكاء الاصطناعي الحالي بين الشركات تقريباً منذ أواخر 2023، كما تتوقع شركات كثيرة اعتماده خلال الأشهر الستة المقبلة.

وقد سُئلت اللجنة عن منتجات البيانات الأنفع. تُعدّ آراء الخبراء، بما فيها طلب توحيد تعريفات الذكاء الاصطناعي في الاستبيانات ومواءمتها مع أحدث الأبحاث، قيّمة بشكل خاص في المراحل الأولى من جمع البيانات. تُعدّ آثار الذكاء الاصطناعي على النمو والتوظيف من أكثر المسائل إلحاحاً التي تواجه الاقتصاد، ويُعد الخبراء الخارجيون عنصراً أساسياً في دعم إنتاج بيانات عالية الجودة.

عمل بأدنى الموارد

غالباً ما يتطلب تحسين الإحصاءات الاقتصادية الرسمية في ظل قيود الميزانية مناهج إبداعية. في اجتماعها في يونيو، ناقشت اللجنة استخدام بيانات القطاع الخاص لإنشاء إحصاءات حول التوظيف الإقليمي والنتائج الأخرى. هناك طلب كبير من الشركات والحكومات المحلية للحصول على تفاصيل جغرافية في الوقت المناسب، إلا أن تكلفة ذلك تمنعه في ظل المسوحات الحكومية الحالية. قدّم أعضاء اللجنة، الذين يعمل بعضهم في شركات مثل ”إنديد“ (Indeed) و“جيه بي موغان تشيس“، معلومات من خبراتهم عن إيجابيات وسلبيات استخدام بيانات القطاع الخاص.

ما الذي يمكن لإدارة الكفاءة الحكومية بقيادة ماسك تحقيقه؟

لم تقتصر مساهمات اللجنة على عقد اجتماعات مرتين سنوياً، بل أقامت علاقات مع القطاع الخاص يمكن للوكالات الحكومية الاستفادة منها في إطار جهودها المتواصلة لتحسين إحصاءاتها.

تُجادل الأكاديميات الوطنية للعلوم، في مناقشتها لأفضل الممارسات للوكالات الإحصائية، بأن اللجان الاستشارية الخارجية تُعدّ وسيلة فعّالةً للتواصل مع مستخدمي البيانات والحصول على مشورة الخبراء. كما ينبغي أن يكون التقييم الخارجي جزءاً من مراجعات دورية للبرامج لضمان الجودة والملاءمة والفعالية من حيث التكلفة، وهذا بالضبط ما فعلته اللجنة.

تحتاج الوكالات الإحصائية الآن إلى موارد أكثر وليس أقل كي تواجه تحدياتها. خلال الحملة الانتخابية، شكك ترمب تكراراً في مصداقية إحصاءات التوظيف الأميركية. وادّعى على وجه الخصوص أن المراجعات التخفيضية الشهرية للرواتب تشي بتدخل سياسي. طلب ​​السيناتوران بيل كاسيدي وسوزان كولينز من مكتب إحصاءات العمل شرح سبب إجراء المراجعات الكبيرة وكيفية تجنبها. وكان من شأن اللجنة الاستشارية للإحصاءات الاقتصادية الاتحادية أن تكون مورداً قيّماً لما يمكن إحداثه من تحسينات.

خسارة كبيرة مقابل توفير هامشي  

لا يُسهم حل اللجنة الاستشارية للإحصاءات الاقتصادية الاتحادية في تحقيق هدف الإدارة المتمثل في زيادة كفاءة الحكومة. في 2024، كان متوقعاً أن تبلغ تكلفة اللجنة 120000 دولار أميركي فقط، تستخدمها لتغطية نفقات التنقل ولدعم هامشي للعاملين. كان يمكن خفض التكاليف عبر الاعتماد على الاجتماعات الافتراضية، هذا إن كان إنفاقها الضئيل مصدر قلق. مع ذلك، فإنّ الفوائد التي تعود على ملايين مستخدمي البيانات من المراجعات الدورية التي يعدّها خبراء خارجيون تتجاوز بكثير هذه التكلفة القليلة.

إنّ استبعاد لجنة منخفضة التكلفة وعالية القيمة لا يُبشّر بخير للاستثمارات الأخرى في الإحصاءات الرسمية. ويُرجح أن يُفضي خفض عدد الموظفين والميزانية إلى تدهور جودة الإحصاءات الرسمية. وقد كانت الوكالات الثلاث تعمل في بيئة ميزانيات ضيقة حتى قبل تولي ترمب منصبه.

ربما يكون انخفاض الشفافية في الإحصاءات الرسمية هو الجانب الأكثر إقلاقاً من حل اللجنة الاستشارية للإحصاءات الاقتصادية الاتحادية. إن حرمان موظفي الوكالة من المستشارين الخارجيين يخلق بيئةً يسهل فيها التدخل السياسي دون أن يُكتشف. ومع ادعاء مسؤولين سياسيين مثل لوتنيك علناً بأن الناتج المحلي الإجمالي يجب أن يستثني الإنفاق الحكومي، تزيد بشدة أهمية الاستعانة بخبراء خارجيين مستقلين.

هذه اللجنة ليست وحدها التي تشكل هدفاً لما يحدث. بموجب أمر تنفيذي، تُنهي الإدارة كثيراً من اللجان الاستشارية في الحكومة الاتحادية، ما يُقلل من الشفافية والموارد الفنية للوكالات. إن هذا نهج قصير النظر قد يُضعف الخدمات الحكومية الأساسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *