اخر الاخبار

أول 100 يوم من التخبط في عهد ترمب 2.0

عندما غادر ستيفن ميلر البيت الأبيض في 2021، ألقى المستشار الرئيسي لدونالد ترمب مزحة أثناء إنهاء عمله مودعاً: “أراكم بعد أربع سنوات”.

وعلى الفور تقريباً، بدأ ميلر ومجموعة من المؤيدين في وضع سلسلة من الإجراءات والأوامر التي سينفذونها إذا تمكن الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة من العودة إلى البيت الأبيض.

صيغت التفاصيل الدقيقة في وقت لاحق في مبنى عادي في مدينة “وست بالم بيتش”، مركز قيادة حملة ترمب لانتخابات 2024، والفترة الانتقالية لاحقاً. غطت أحد الجدران صورة لترمب تمتد من الأرض إلى السقف وعليها عبارة “مرحباً بك في ساحة المعركة”. أعاد الفريق صياغة أولويات ترمب خلال ولايته الأولى لجعلها أكثر قابلية للترسيخ، وكانوا مستعدين لخوض معارك قضائية توقعوها، إن لم يكونوا يسعون إليها في الأساس، جزئياً بدعم من جهود المنظمات المحافظة التي أسسها ميلر ومؤيدون آخرون لترمب بعد هزيمته في انتخابات 2020.

السرعة سمة عهد ترمب الجديد

أتاح هذا الاستعداد، وفق أشخاص مطلعين على العملية، ما أصبح سمة مميزة لأول 100 يوم من ولاية ترمب الثانية: سرعة بالغة باتت أشد أدوات الإدارة الأميركية فاعلية، وأبرز نقاط ضعفها في الوقت نفسه.

فقد مكنت ترمب من التوقيع بقلمه الأسود على عدد مذهل من الأوامر التنفيذية بشأن كل المجالات، من الطاقة إلى التعليم وجهود التنوع، ما أربك معارضي أجندة “إعادة العظمة إلى أميركا” واستفاد من الطابع البطيء الذي تتسم به الطعون القضائية. ويروّج كبار مسؤولي الإدارة لسياسات الهجرة التي صدرت بشكل سريع على أنها ستساعد بشكل كبير في الحد من عبور المهاجرين غير الشرعيين عند الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.

لكن هذا الإيقاع السريع دفع الإدارة نحو مخاطر اقتصادية وسياسية بسرعة. فالرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس على عجالة وعدلها أكثر من مرة أثارت حالة ضبابية كبيرة بين الشركاء التجاريين وفي الأسواق المالية. وأشار المحللون الاقتصاديون إلى أن الرسوم الجمركية ترفع احتمال وقوع ركود في الولايات المتحدة، ما يحتمل أن يمثل ضربة قاصمة لمصداقية رئيس عاد إلى البيت الأبيض بسبب تعهد بكبح زيادات الأسعار وتحقيق الازدهار.

قال مارك شورت، مستشار ترمب خلال ولايته الأولى: “انتُخب الرئيس لمعالجة أزمة الحدود وحل مشكلات الاقتصاد. ينجح في التعامل مع إحداهما دون الأخرى”.

أحد الجهود المميزة الأخرى كانت حملة “إدارة الكفاءة الحكومية” (DOGE)، التي يديرها إيلون ماسك، أثارت الارتباك في ظل تحركها السريع لإقالة آلاف الموظفين الحكوميين وتفكيك مجموعة من البرامج، من بينها مبادرات كان عدد من الجمهوريين يفضل استمرارها.

سيل من الأوامر التنفيذية.. هل تُنفّذ؟

يواجه ترمب حالياً تحدياً هائلاً يتمثل في تنفيذ سلسلة الأوامر التنفيذية التي أصدرها، وهي مهمة يُرجح أن تكون شاقة للغاية في ظل نقص عدد الموظفين في الوكالات الحكومية الرئيسية، مثل وزارات الخزانة والتجارة والطاقة.

أشار بن ليبرمان، الزميل الأول لدى مركز “كومبيتيتف إنتربرايز إنستيتيوت” (Competitive Enterprise Institute) للبحوث، إلى أنه “رائع أنهم يتحركون بسرعة، لكن الأمر سيحتاج إلى جهود مستمرة على مدى السنوات الأربع كلها”.

الوتيرة السريعة التي يتحرك بها ترمب تصاحبها ثقة أكبر في حدسه السياسي، ودائرة مقربة ازداد فيها عدد المؤيدين عن فترته السابقة. وقد زاد هذا المزيج من جرأته لاختبار حدود السلطة التنفيذية بشكل غير مسبوق، مثل دراسة إمكانية إقالة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، وهي فكرة يبدو أنه تراجع عنها.

يشير ترمب وفريقه إلى أنهم تعلموا دروساً من فترته الأولى عن من ينبغي تعيينه، وكيفية النجاح في ترسيخ أجندتهم، حتى لو أظهرت استطلاعات الرأي إشارات تحذيرية على أن القرارات التي اتخذها حتى الآن تؤثر سلبياً على شعبيته. ويتوجه ترمب إلى ميشيغان الثلاثاء للترويج لأجندته الصناعية وسيل القرارات التي اتخذها خلال المئة يوم.

وأوضح ترمب في خطاب ألقاه في الثامن من أبريل: “نحقق أرقاماً قياسية حالياً، لقد حصلنا على موافقات على إجراءات بمعدل يفوق ما أنجزه أي رئيس على الإطلاق خلال أول 100 يوم، وبفارق كبير. وسنستمر على هذا المنوال، إن لم يكن بوتيرة أسرع”.

عاد ترمب إلى أجواء الرئاسة بسهولة. ويمضي الوقت عاكفاً على العمل في البيت الأبيض، ويسافر كل أسبوع تقريباً إلى بالم بيتش، التي تعج بمؤيدي حركة “إعادة العظمة إلى أميركا” ومسؤولي الإدارة الأميركية. كما تابع هجوماً على الحوثيين من غرفة عمليات مؤقتة أُعدت في نادي الغولف.

لا يزال ترمب مستهلكاً شرهاً لقنوات التلفزيون مدفوعة الاشتراك، كما يستمع لنشرات البودكاست عندما لا يستطيع النوم، من بينها واحد عن الحرب الأهلية، وآخر يقدمه مستشاره للعملات المشفرة ديفيد ساكس، بحسب شخص مطلع على عاداته.

أجندة ترمب التجارية

ينشغل تفكير ترمب برئيس سابق: وليام ماكينلي؛ فحين كان عضو في الكونغرس الأميركي فرض رسوماً جمركية بحجم مماثل لما يفكر فيه ترمب حالياً. رغم أن تعريفات ماكينلي لم تحظ بشعبية واسعة النطاق، يرى ترمب أنها جعلت أميركا ثرية.

تُعد أجندة ترمب التجارية جزءاً من خطته الأكبر لإحداث تغيير جذري في أسلوب الحكومة الفيدرالية في القيام بأعمالها، والتخلص مما يعتبرها أوجه قصور في النظام العالمي الحالي، بحسب مسؤول كبير في الإدارة الأميركية.

شكلت الرسوم الجمركية مسألة نادرة تمكنت من اختراق دائرة مغلقة من التأييد لترمب، تشمل كبار مستشاريه وقادة حكومته. حصلت شركات السيارات الأميركية على إرجاء للرسوم الجمركية بعد مناشدة ترمب، وتولى وزير الخزانة سكوت بيسنت بشكل رئيسي قيادة التفاوض مع الشركاء التجاريين حول التعريفات الجمركية بعد أن علقها ترمب مؤقتاً لوقف اضطراب السوق.

رغم الدور المحوري الذي يؤديه بيسنت، لا يزال بيتر نافارو، المؤيد الشديد للرسوم الجمركية، يشغل منزلة خاصة في دائرة ترمب المقربة. فالرئيس ترمب يعتبر الخبير الاقتصادي المتمرس الذي تلقى تعليمه في جامعة هارفارد أحد أشد مستشاريه ولاءً بعدما قضى نافارو أربعة شهور في السجن لرفضه الامتثال لأمر استدعاء للشهادة بشأن أعمال الشغب التي وقعت في مبنى الكابيتول الأميركي في السادس من يناير 2021.

المئة يوم الأولى

قلل مستشارو ترمب ومؤيدوه من أهمية مرحلة المئة يوم الرئاسية، وأكدوا أن وتيرة العمل لن تتباطأ، ووصفوا المرحلة بأنها معيار مصطنع. وكشف مسؤول كبير في الإدارة أن هناك العديد من المبادرات الأخرى، بالأخص فيما يتعلق بقضايا الحرب الثقافية، لم يكشف عنها فريق ترمب بعد.

لكن ترمب نفسه ألمح إلى أنه لم يتجاهل المعيار تماماً. في تجمع انتخابي قبل يوم واحد من تنصيبه، تعهد بـ”أفضل يوم أول، وأهم أسبوع أول، وأكثر أول 100 يوم مذهلة في أي مدة رئاسة في التاريخ الأميركي”.

ربما كان التاسع من أبريل هو اليوم الأكثر اضطراباً خلال ولاية ترمب الثانية، عندما أعلن الرئيس بشكل مفاجئ اعتزامه تعليق معظم ما يُطلق عليها “التعريفات المتبادلة” الشاملة التي دخلت حيز التنفيذ قبلها بنحو 13 ساعة، بينما رفع التعريفة الجمركية المفروضة على الصين بمعدل أكبر. وأدى هذا التراجع إلى موجة ارتفاع كبير مصحوبة بالنشوة في سوق أسهم كانت على وشك دخول منطقة السوق الهابطة.

مع ذلك، ففي اليوم الذي ترتبت عليه تبعات ضخمة، انتقل الرئيس بسرعة إلى شأن آخر يمس قلبه، أو رأسه على الأقل، عندما وقع أمراً تنفيذياً يوجه بإلغاء معايير المحافظة على المياه التي تقيد تدفقها عبر مِرَش الاستحمام.

وعبّر ترمب عن استيائه من ذلك للصحفيين في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض بقوله: “عليّ الوقوف تحت المِرش لمدة 15 دقيقة ليبتل جسدي، فالمياه تتدفق نقطة تلو الأخرى، هذا أمر سخيف”.

تعكس هذه اللحظة استراتيجية “إغراق الساحة” (flood-the-zone) التي يدعمها ميلر، حيث ينتقل الرئيس بسرعة من سياسته الجمركية التي تقوض النظام العالمي إلى موضوع يبدو بسيطاً، كما أن هذه السياسة تسلط الضوء على الاستراتيجية الأوسع نطاقاً التي تنتهجها الإدارة في الأوامر التنفيذية.

سعى ترمب خلال ولاياته الأولى إلى إلغاء القيود على ضغط المياه، التي قال إنها تجعل غسل “شعره الرائع” صعباً. إلا أن التعديلات التي أُجريت في 2020 في هذا الشأن جرى إلغاؤها في عهد الرئيس السابق جو بايدن، وكان مستشارو ترمب يخططون لإعادة العمل بها منذ ذلك الحين.

غير أنهم استعدوا هذه المرة، وتزودوا بخطط لبدء التحول التنظيمي على الفور. ويتضمن الأمر التنفيذي الذي وقعه ترمب هذا الشهر بمناورة مثيرة للجدل، وتنطوي على مخاطر قانونية، لتسريع وتيرة التعديلات عبر إلغاء المتطلبات التي تقتضي أن يصاحب التعديلات التنظيمية الكبرى إشعار رسمي وفترات للتعقيب. بدلاً من ذلك، أعلن ترمب في أمره التنفيذ: “عدم الحاجة إلى الإشعار والتعليق لأنني أصدر أمر الإلغاء”.

ترمب يسعى لتوسيع نطاق صلاحياته

إنها سمة تقليدية لترمب خلال ولايته الثانية، استخدام أمر تنفيذي للتعامل مع الشكاوى والأعمال التي لم تُنجز خلال فترته الأولى، بينما يختبر حدود السلطة الرئاسية بسبل مبتكرة.

وهذا يتسق مع الرسالة التي وجهها أكثر من مرة إلى المسؤولين والمحامين الذين ساعدوه في صياغة الأوامر التنفيذية، فبدلاً من التساؤل عن إمكانية فعل أمر ما، يجب أن يكون السؤال لمَ لا يمكن أن نفعله، بحسب شخص مطلع على الأمر.

استعان ترمب بالأوامر التنفيذية لتوسيع نطاق سلطات منصبه إلى أقصى ما يمكن، إذ فعّل صلاحيات الطوارئ ودواعي الأمن القومي لفرض التعريفات، وترحيل الأجانب الموجودين في الولايات المتحدة، ووقف التمويل الفيدرالي في تحدٍّ للكونغرس، وتجريد شركات محاماة على صلة بالمعارضين السياسيين من تصاريح أمنية. كما يسعى العديد من الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترمب إلى توسعة نطاق نفوذ الحكومة الفيدرالية إلى ما يتجاوز واشنطن، عبر توجيه وزارة العدل بإجراء تحقيقات وإصدار تفويضات أدت إلى تغييرات امتدت من مقرات حكومات الولايات إلى مجالس إدارة الشركات.

يشير المعارضون إلى أن بعض الأوامر التي أصدرها ترمب تناقض القانون الفيدرالي بشكل سافر. لكن ذلك قد يشكّل ميزة -لا عيباً- لمسؤولي الإدارة والمؤيدين الذين يستمتعون علنياً بفرصة صدور أحكام من المحكمة العليا بشأن صلاحيات الرئيس.

سنوات من الاستعداد

يعمل مؤيدو دونالد ترمب منذ سنوات على إعداد خريطة طريق لولايته الرئاسية الثانية. فقد أسسوا مركز “أميركا فيرست بوليسي إنستيتيوت” (America First Policy Institute)، الذي يتمتع بتأثير واسع في دوائر صنع القرار، كما أنشأ ستيفن ميلر مؤسسة “أميركا فيرست ليغال” (America First Legal) بهدف تفادي التبعات القانونية لفترة ترمب الأولى في البيت الأبيض. وبعد ذلك بعامين، أطلقت مؤسسة “هريتيج فاونديشن” (Heritage Foundation) وثيقة “مشروع 2025” (Project 2025).

نجحت هذه الكيانات الثلاثة، إلى جانب شبكة من مراكز البحوث والسياسات والمحامين، في بلورة خيارات سياسية جاهزة تعكس تصريحات ترمب العلنية وتسعى لترجمتها إلى واقع تطبيقي.

وقال تشاد وولف، المسؤول السابق رفيع المستوى في إدارة ترمب ونائب الرئيس التنفيذي حالياً في “أميركا فيرست بوليسي إنستيتيوت”: “الاستعداد عنصر مهم، ويكون العامل الحاسم في حالات أخرى”.

أما مايك ماكينا، المستشار السابق في البيت الأبيض، فأكد أن جهود التحضير للولاية الثانية ارتكزت على ثلاثة من أبرز الشخصيات الفكرية التي تحيط بترمب: ستيفن ميلر، وستيف بانون الذي لطالما كان له تأثير قوي على الرئيس السابق رغم الانتقادات المتبادلة، والمستشار التجاري بيتر نافارو.

مع تصاعد زخم حملة دونالد ترمب الانتخابية لعام 2024، فعّل مؤيدوه البنية التنظيمية التي أُعدّت مسبقاً لدعم برنامجه السياسي. وفي هذا السياق، نظم المحافظون بالتعاون مع مؤسسة “هريتيج فاونديشن” سلسلة من جلسات النقاش شارك فيها مئات الخبراء وممثلون عن قطاعات حيوية، من بينها الرعاية الصحية، والتمويل، والطاقة، والزراعة.

وقد أُديرت هذه الجلسات وفق نهج الفئات التجريبية، إذ عمل المنظمون على تحفيز المشاركين لتجاوز النمط التقليدي المتمثل في عرض قوائم أمنيات سياسية، والتركيز بدلاً من ذلك على تقديم أفكار أكثر ابتكاراً وتجديداً. وأسفرت هذه اللقاءات عن توصيات سياسية، لكنها أسهمت، وبنفس القدر من الأهمية، في بناء شبكة مترابطة من الخبراء، لا سيما أن بعض المشاركين يتولون حالياً مناصب داخل الحكومة، وفقاً لأحد المطلعين.

في موازاة ذلك، كانت فرق متخصصة من المحامين، والمسؤولين الحكوميين السابقين، وخبراء مراكز الأبحاث المحافظة في واشنطن، تعمل على إعداد مسودات سياسات تنفيذية محتملة تشمل ملفات لم تُستكمل خلال ولاية ترمب الأولى. وتضمنت تلك الجهود إعداد أوامر تنفيذية وخطط تنظيمية رئيسية في مجالات عدة، من الطاقة إلى الخدمات المالية، بحسب أشخاص مطلعين على المبادرة.

إدارة الكفاءة تخفض سقف طموحاتها

لم تُعَدّ جميع مبادرات دونالد ترمب الكبرى بإحكام مُسبق، إذ أقرّ مسؤول في البيت الأبيض بأن برنامج “إدارة الكفاءة الحكومية” – الذي يشرف عليه إيلون ماسك ويستهدف إعادة هيكلة الجهاز الفيدرالي – نشأ على عجل خلال الأيام المئة الأولى من الولاية، ولم يكن نتاج تخطيط طويل الأمد.

وأثارت قرارات ماسك، التي اتخذها بشكل منفرد أحياناً، مفاجأة واستياء لدى بعض مسؤولي الإدارة، إذ لم يكونوا على اطلاع دائم على خططه، ولم يوافقوا دائماً على منهجيته، مثل قراره المثير للجدل بمنع دخول الموظفين الفيدراليين إلى مكاتبهم لأغراض استعراضية.

وقد يفسر ذلك أسباب انحسار الطموحات التي ارتبطت بـ”إدارة الكفاءة الحكومية”، حيث كان ماسك يطمح في البداية إلى تحقيق وفورات تصل إلى تريليوني دولار، لكنه خفّض الهدف لاحقاً إلى 150 مليار دولار فقط.

جهود الفريق الانتقالي

بعد فوز دونالد ترمب على كاملا هاريس في انتخابات نوفمبر، تولى ستيفن ميلر، إلى جانب المستشار السياسي فينس هيلي، قيادة الجهود الخاصة بإعداد الأوامر التنفيذية والمذكرات الرئاسية، ما أتاح تجهيز حزمة قرارات جاهزة للتوقيع فور تنصيب ترمب. وضم فريق السياسات الانتقالية عدداً من الوجوه المألوفة من إدارته الأولى، من بينهم روس فوت، ومارك باوليتا، وماي ميلمان، الذين شاركوا مباشرة في صياغة تلك الأوامر، وفقاً لأشخاص مطلعين على التفاصيل.

وحرص الفريق الانتقالي، بحسب أحد مستشاري ترمب، على إبقاء المرشحين للحقائب الوزارية خارج دائرة الاطلاع على التفاصيل الكاملة للخطط الموضوعة، وذلك لتجنيبهم الحرج أو التأثير السلبي خلال جلسات التصديق في مجلس الشيوخ.

في الوقت ذاته، عمل فريق منفصل من الناشطين الرقميين المقربين من ترمب على وضع استراتيجية ضغط ممنهجة تهدف إلى ضمان تصديق مجلس الشيوخ حتى على أكثر المرشحين إثارة للجدل، مستخدمين أسلوب التهديد السياسي وممارسات الضغط الأولي ضد أي مشرّع لا يلتزم بالتصويت، من خلال تعريضه لمنافسة شرسة في الانتخابات التمهيدية.

ولعب نائب الرئيس، جيه دي فانس، دوراً محورياً في التنسيق مع الكونغرس، لا سيما في خضم إجراءات التصديق المثيرة للجدل. وأكدت عضوة مجلس الشيوخ الجمهورية، مارشا بلاكبرن، أن فانس وفريق البيت الأبيض “يتواصلون باستمرار، يردون على الاتصالات، ويبادرون إلى المحادثات، ولا يتركون مجالاً للمفاجآت”.

 

من تصريحات إلى واقع

تميّزت إدارة دونالد ترمب الجديدة بدرجة أكبر من الانضباط والتماسك مقارنة بولايته الأولى، ويُعزى ذلك جزئياً إلى أن العديد من مستشاريه الجدد كانوا جزءاً من حملته الانتخابية، ما عزز وحدة القرار داخل البيت الأبيض. وتولت سوزي وايلز منصب كبير موظفي البيت الأبيض بصلاحيات واضحة، في مشهد يختلف تماماً عن بدايات الإدارة الأولى، حينما شهدت دوائر القرار صراعاً على النفوذ بين رينس بريبوس وجاريد كوشنر وستيف بانون.

ويظهر التزام المستشارين بتحويل تصريحات ترمب السياسية إلى قرارات عملية بشكل فوري، ما يجعل من أي تعليق عابر خلال خطاب أو تصريح إعلامي نواةً محتملة لسياسة رسمية. هذه السرعة في التجاوب تفرض ضغطاً إضافياً على الطواقم العاملة، التي تُضطر لإعادة توجيه جهودها باستمرار نحو مبادرات جديدة بدلاً من التركيز على الأولويات بعيدة المدى للإدارة.

تجلى ذلك بوضوح في تعهّد ترمب غير المتوقع خلال مؤتمر عُقد في 8 أبريل، حيث أعلن نيته تقديم ضمانات حكومية لدعم شركات الفحم في مواجهة التغيرات السياسية في واشنطن. وقد أقرّ لاحقاً أن الفكرة راودته قبل 15 دقيقة فقط من صعوده إلى المنصة، إلا أن فريقه كان قد بدأ فعلياً العمل عليها.

وأعرب ترمب عن رضاه إزاء وتيرة العمل السريعة، حيث زُيّنت جدران الجناح الغربي من البيت الأبيض بصور له أثناء توقيع الأوامر التنفيذية، كنوع من التوثيق الرمزي للإنجازات المبكرة.

تخفيضات ضريبية

رغم الزخم الكبير الذي رافق عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، فإن بعض تعهداته على الساحة الدولية لم تُترجم إلى نتائج ملموسة. فقد أخفق وعده بإنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا سريعاً، ولا توجد مؤشرات فعلية على تنفيذ التزامه بمواجهة إيران، كما أعرب عن شكوكه إزاء مآلات صفقة تبادل الرهائن بين “حماس” وإسرائيل، رغم محاولته نسب الفضل لنفسه في إبرامها. وأوجز أحد المسؤولين أجندة الإدارة للمرحلة المقبلة بأربع كلمات فقط: “اتفاقات تجارية، اتفاقيات سلام”.

داخلياً، يشكل “مشروع قانون مهم ورائع” للإصلاحات الضريبية ركيزة أساسية في استراتيجية ترمب الاقتصادية، إذ يُنظر إليه كأداة لتعويض التأثيرات السلبية للرسوم الجمركية التي فرضها، وتعزيز رؤيته بشأن ضبط الحدود. ومع ذلك، فإن مصير المشروع لا يزال غير محسوم، وسط تحذيرات من أنه قد يفاقم عجز الموازنة العامة بتريليونات الدولارات.

وفي مواجهة هذا التحدي، كثّف ترمب جهوده للضغط على المشرعين الجمهوريين لتسريع إقرار التشريع، فكتب في منشور يوم الأحد: “لا بد أن يُقر”، كما اقترح في منشور آخر استخدام إيرادات الرسوم الجمركية لتمويل التخفيضات الضريبية، مع التركيز على الفئات التي يقل دخلها السنوي عن 200 ألف دولار.

تراجع تأييد ترمب

في الوقت نفسه، يواجه الديمقراطيون صعوبات في كيفية معارضة مشروع القانون، وترمب نفسه.

قالت عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي عن ولاية مينيسوتا إيمي كلوبوشلر: “ينبغي علينا أن نساند الشعب الأميركي، ونركز على إظهار مدى قدرتنا على تحقيق ما يعجز (ترمب) عن تحقيقه، الوعود التي لم يفِ بها”، ويجب على الديمقراطيين تسليط الضوء على نزاعات ترمب مع القضاء، ومحاولاته لتوسيع نطاق السلطات الرئاسية، “لكن معظم ما يتحدث عنه الناس في ولايتي هو الاقتصاد”.

وتُظهر استطلاعات الرأي أن الديمقراطيين يمتلكون فرصة حقيقية، في ظل تراجع ثقة الناخبين في تعامل ترمب مع الملف الاقتصادي. ومن المتوقع أن يستغل الرئيس ظهوره المرتقب في ولاية ميشيغان لتقوية موقفه في هذا الملف الحساس، من خلال الترويج لفكرته القائمة على استخدام الرسوم الجمركية كوسيلة لإعادة تحفيز قطاع التصنيع داخل الولايات المتحدة.

وقال تشاد وولف، نائب الرئيس التنفيذي لمركز “أميركا فيرست بوليسي إنستيتيوت”، إن الإدارة لا تزال تدفع نحو مزيد من الإنجاز: “يسعون إلى الاستمرار في تجاوز الحدود، ويريدون فعل المزيد، ويرغبون في تحسين أدائهم. لذلك، لا أظن أنهم راضون تماماً حتى الآن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *