أوروبا تعيد النظر في قانون مثير للجدل عقب تهديدات أميركا وقطر

أبدت أوروبا استعداداً لاستيعاب المخاوف الدولية بشأن قواعدها الخاصة بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG)، بينما تواجه الكتلة تهديداتٍ من الولايات المتحدة وقطر.
تأتي هذه التعليقات عقب سيلٍ من الشكاوى التي استهدفت توجيهات الاتحاد الأوروبي الخاصة بإعداد تقارير الاستدامة وتوجيه العناية الواجبة للشركات، المعروفتين اختصاراً باسم (CSRD) و (CSDDD). ورغم أن كلا التوجيهين قيد المراجعة لتقليص نطاقهما، إلا أنهما لا يزالان ساريين على الشركات خارج الاتحاد الأوروبي إذا كانت تمارس أنشطة داخله.
وفي مقابلة مع إذاعة “بلومبرغ”، قال فالديس دومبروفسكيس، مفوض الاقتصاد والإنتاجية في الاتحاد الأوروبي: “من الواضح أننا كاتحاد أوروبي نحتفظ باستقلالنا التنظيمي، لكن في المقابل، علينا أيضاً الإصغاء والاعتراف بمخاوف مختلف الشركاء حول العالم وأخذ تداعياتها في الاعتبار”.
يُعد كلٌّ من “توجيه إعداد تقارير استدامة الشركات” (CSRD) و”توجيه العناية الواجبة للاستدامة المؤسسية” (CSDDD) جزءاً من حزمة أوسع من التدابير التي تبنّاها الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة لقيادة التحول نحو اقتصاد أكثر خضرة، وضمان امتثال سلاسل القيمة للشركات بمعايير حقوق الإنسان.
يهدف “توجيه العناية الواجبة للاستدامة المؤسسية”، الذي يثير جدلاً واسعاً، إلى إلزام الشركات بوضع خطط تحول مناخي، كما يعرضها لعقوبات في حال فشلها في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان داخل سلاسل القيمة الخاصة بها.
ضغوط من قطر وأميركا
في منشور حديث على منصة التواصل الاجتماعي “إكس” (X)، قال وزير شؤون الطاقة القطري سعادة سعد بن شريدة الكعبي إنه “إذا لم يُعدل أو يُلغَ توجيه العناية الواجبة للاستدامة المؤسسية، فلن نصدر الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، هذا أمر مؤكد”.
أما في الولايات المتحدة، أرسل المدعون العامون في 16 ولاية الشهر الماضي رسائل إلى شركات، منها “ميتا بلاتفورمز” (Meta Platforms)، طالبوها فيها بتجاهل متطلبات أوروبا المتعلقة بالمناخ ومعايير التنوع والمساواة والشمول (DEI).
أميركا وقطر تتحدان لمعارضة التوجيه الأوروبي بشأن الاستدامة
في السياق نفسه، دعت جمعيات الأعمال الأميركية وزير التجارة هوارد لوتنيك إلى التدخل، بينما أعلن الأخير خلال جلسات اعتماد تعيينه في يناير الماضي أنه مستعد للنظر في استخدام “أدوات تجارية” كإجراءٍ انتقامي إذا لم يتراجع الاتحاد الأوروبي عن تشريعاته الصارمة الخاصة بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.
أوروبا تحاول حل الأزمة
تواصل أوروبا العمل على تبسيط هذه التوجيهات في إطار دورةٍ تشريعية شاملة يُتوقع أن تمتد حتى العام المقبل، بعد أن قلصت الكتلة بالفعل نطاق تطبيق كل من “توجيه إعداد تقارير استدامة الشركات” و”توجيه العناية الواجبة للاستدامة المؤسسية” بشكلٍ كبير، بحيث لم يعد يُتوقع الالتزام إلا من نسبة محدودة جداً من الشركات التي كانت مشمولة في الأصل.
وقال دومبروفسكيس إن الاتحاد الأوروبي يدرك تماماً المخاوف الأميركية والقطرية. وأضاف: “لقد استمعنا إلى العديد من الدول والشركات الأخرى، ولهذا السبب كان توجيه العناية الواجبة للاستدامة المؤسسية ضمن أول حزمة تشريعية شاملة حيث نعمل حالياً على تبسيطه بشكل كبير”.
اقرأ أيضاً: قطر تهدد بوقف تصدير الغاز إلى أوروبا بسبب قانون بيئي
رغم تقليص نطاق التوجهيات، فإن بقاء مبدأ الولاية القضائية خارج الحدود ضمن “توجيه العناية الواجبة للاستدامة المؤسسية” يشكل سبباً لـ”مخاوف كبيرة”، وفق ما قاله بول أتكينز، رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية.
أوضح دومبروفسكيس أن مقترح التبسيط الذي قدمه الاتحاد الأوروبي “قد طُرح بالفعل على الطاولة، سواء فيما يتعلق بالعناية الواجبة أو تقارير الاستدامة، وهو يعالج بدرجة كبيرة تلك المخاوف”.
وأضاف أن “هناك تحسينات وتبسيطات ملموسة”، وما يهم الآن هو “تقدم العملية التشريعية حتى تصبح تلك التبسيطات واقع فعلي”.
البرلمان الأوروبي يتحرك
من المقرر أن يصوت البرلمان الأوروبي على أحدث المقترحات الأسبوع المقبل، مع عودة المشرّعين إلى طاولة المفاوضات. وكان اقتراح تسويةٍ سابق قد فشل في حشد التأييد الشهر الماضي، ما فتح الباب أمام تغييراتٍ أكثر صرامة. وإذا تمّ التوصل إلى اتفاقٍ الأسبوع المقبل، فستنطلق المفاوضات مع الدول الأعضاء والمفوضية الأوروبية.
في هذا السياق، حذرت منظمات أعمال تمثّل شركاتٍ مقرّها في كوريا واليابان والهند وأستراليا والولايات المتحدة، في بيانٍ مشترك، من أنّ الاتحاد الأوروبي يُخاطر بخلق “حواجز قانونية واقتصادية غير مقصودة”.
ودعت هذه المنظمات إلى فرض قيودٍ على ولاية المحاكم الأوروبية القضائية في حال تقديم دعاوى تتعلّق بالإهمال.



