اخر الاخبار

أمين عام منظمة “أوبك” لـ”الشرق”: هذه رؤيتي لسوق النفط العالمية

خصّ الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” هيثم الغيص قناة “الشرق” بلقاء مطول، تناول فيه رؤيته حول مستقبل صناعة النفط، والتحول الطاقي، كما فصّل كيفية عمل المنظمة لتحقيق هدفها المتمثل في استقرار سوق الخام، إضافةً إلى تقديراتها للإنتاج والطلب خلال السنوات المقبلة. 

الغيص نوّه بأن المنظمة لأول مرة تفتح أبوابها لجهة إعلامية لتقوم بجولة في أروقتها، وتتعرف على كيفية عمل فريقها. وأوضح أن “أوبك” لديها فريق عمل مكوّن من 60 خبيراً متخصصاً في الاقتصاد وأسواق النفط؛ “يقومون بمراقبة جميع جوانب السوق والعوامل المؤثرة فيه ووضع الاقتصاد العالمي، للخروج بقرارات وتقديرات دقيقة وموضوعية تعتمد على أساسيات السوق”. 

هدف “أوبك”

ركّز الغيص، في المقابلة التي أجرتها الإعلامية مايا حجيج، على أن المنظمة تعمل لصالح توازن أسواق الخام وضمان استقرار الأسواق العالمية، مضيفاً أن “أوبك” لا تعمل لخدمة الدول الأعضاء فيها فحسب، بل لمصلحة جميع دول العالم المستهلكة والمنتجة على حد سواء. وشدد على أن المنظمة لا تستهدف تحديد سعر معين لبرميل النفط، ولا تتناول هذه الجزئية في اجتماعاتها، لكنها تترك للسوق تحديد الأسعار، مركزةً هدفها على إبعاد السوق عن التذبذبات التي لا تصب في مصلحة أحد وتضر بالاقتصاد العالمي. 

أمين عام المنظمة أوضح أن أسواق النفط مرت بتطورات على مدار السنوات التالية لنشأة “أوبك” عام 1960، ودخلت عوامل جديدة مؤثرة على السوق وعوامل أخرى ارتفع حجم تأثيرها. وأعطى مثالاً على ذلك بإطلاق أكبر بورصتين عالميتين تعملان في تداول النفط ومشتقاته وفي العقود الآجلة، إضافة إلى استحداث التداول الخوارزمي والآلي. وقال إن فريق عمل المنظمة يراقب ويدرس ويحاول فهم هذه العوامل المستجدة التي ازداد دورها في الأسواق.   

واستنكر الغيص وصف البعض لـ”أوبك” بأنها منظمة احتكارية (كارتيل)، قائلاً إنها “لا تحتكر سلعة النفط ولا تناقش أو تتفق على سعر محدد خلال اجتماعاتها.. أوبك منظمة مسجلة في الأمم المتحدة منذ 1962، والمنظمة الأممية لا تسجل مؤسسات احتكارية”. لافتاً إلى أن هناك أسواقاً أخرى، مثل المعادن النادرة، تتطلع لأن تكون لها منظمات مشابهة لتنظيم إنتاجها ومنع احتكار منتجاتها. 

منظمة متماسكة

الغيص أكّد على عدم وجود خلافات بين الدول الأعضاء في “أوبك”، وقال إن اختلاف وجهات النظر الذي يحدث أحياناً لا يعني وجود انشقاقات، وإن “ما يحافظ على قوة ووحدة المنظمة منذ إنشائها هو تماسكها وتكاتف أعضائها”. 

وبخصوص روسيا، قال الأمين العام إنها دولة مهمة في “أوبك+” بحكم حجم إنتاجها الذي يصل إلى 10% من إمدادات الخام العالمية، إضافةً إلى دورها المحوري كشريك برئاسة التحالف وأدوارها في الاجتماعات الوزارية وفي لجنة مراقبة الإنتاج. لكنه شدد على أنها لا تتمتع بوزن أكبر أو صوت أعلى من الدول الـ22 الأخرى في التحالف، والذي “يتساوى وزن كل دولة عضو فيه”. 

تطرق الغيص إلى الاستثمارات المطلوبة في قطاع النفط، وقال إن تقديرات “أوبك” تحدّد مبلغاً لا يقل عن 17.4 تريليون دولار حتى 2050، أو 640 ملياراً سنوياً حتى هذا التاريخ في الاستكشاف والحفر والإنتاج والبتروكيماويات وسلاسل الإمداد المرتبطة به. وأرجع هذا الرقم الكبير إلى توقعات المنظمة بارتفاع الطلب على النفط ليصل إلى أكثر من 120 مليون برميل يومياً بحلول منتصف القرن. ولفت إلى أن تراجع الإنتاج الطبيعي بنسبة 5% سنوياً يؤكد على ضرورة هذه الاستثمارات ليبقى الإنتاج عند المستويات الحالية. 

طلب متزايد على النفط

يرى الغيص أن العوامل كلها تشير إلى تزايد الطلب على الطاقة خلال السنوات المقبلة. ولخصها في نمو سكاني يُقدّر أن يصل إلى 10 مليارات بحلول 2050، وارتفاع في حجم الاقتصاد العالمي عاماً بعد عام، وتوقعات بانتقال نصف مليار نسمة إلى مدن جديدة بحلول 2030 تتطلب طاقة ضخمة لمشاريع البناء والكهرباء وأنظمة التبريد والتدفئة والنقل. 

استبعد الغيص السرديات التي تحكي عن تخلي العالم عن مصادر الطاقة التقليدية، معتبراً هذه التوقعات ليست صحيحة وغير قابلة للتطبيق. وقال إن مصادر الوقود الأحفوري، من النفط والغاز والفحم والتي تستحوذ على 80% من مزيج الطاقة عالمياً، سيبقى دورها المحوري في المستقبل. 

أضاف الغيص أن دور النفط في دعم نمو الأنشطة الاقتصادية العالمية يجعل من الصعب التخلي عنه، خاصة أن الخام ومشتقاته تدخل في صناعات كثيرة تشمل الدواء والغذاء ومواد التجميل ووقود السيارات والطائرات، بل يدخل أيضاً في صناعة الطاقات الجديدة مثل توربينات الرياح ومشتقاتها وبطاريات السيارات الكهربائية، وصناعات أخرى كثيرة. 

تحول واقعي للطاقة

أوضح أمين عام “أوبك” أن المنظمة ليست ضد الطاقات النظيفة، والدليل أن الدول الأعضاء فيها هي الأكثر استثماراً في مصادر الطاقة الجديدة. لكنه قال إن موضوع تحول الطاقة يجب أن يتم تناوله بشكل يشمل جميع جوانبه ولا يضر بأمن الطاقة وتأمين إمداداتها للمستهلكين. وأشار إلى أن عدم تناول القضية بشكل شامل سيؤدي إلى ما رأيناه مؤخراً من تأثر شبكات الكهرباء وانقطاعها الذي أصاب بعض الدول الأوروبية. 

الغيص أشار إلى أنه يجب الفصل بين أمرين؛ استخدام الوقود الأحفوري والانبعاثات الكربونية، وتابع أن المشكلة ليست في استخدام مصادر الطاقة التقليدية ولكن في الانبعاثات الضارة والتي يمكن حلها عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، مثل التقاط الكربون وتخزينه وإعادة استغلاله في استخدامات مفيدة. 

شدد المسؤول الدولي أن التحول الطاقي يجب تناوله بطريقة عقلانية وبعيداً عن الأيديولوجيات، وبما يضمن توفيراً عادلاً للطاقة لجميع سكّان العالم، مشيراً إلى أنه من غير العدل أن يعيش المليارات دون كهرباء أو وقود لطهي صحي وغير ضار، أو أن يتم إعاقة نمو وازدهار دول عبر منع تمويلات مشاريع استكشاف وإنتاج النفط فيها. 

وحذّر الغيص من أن تغيير رؤى المنظمات العالمية المسؤولة عن الطاقة حسب تحوّل الأيديولوجيات أو تبدّل أشخاصها يضر بالاستثمارات الملحة في الوقود الأحفوري لضمان أمن الطاقة. وقال إن المستثمرين بحاجة إلى رؤية واضحة ليتمكنوا من اتخاذ قرارات استثمارية لمشاريع هي بطبيعتها طويلة الأجل.

ختم أمين عام “أوبك” بتأكيده على أن المنظمة منفتحة للحوار مع جميع الأطراف، وتقيم المنتديات المختلفة لتكون مظلة تجمع تحتها المنتجين، من داخل المنظمة وخارجها، والمستهلكين لتبادل الرؤى من أجل مستقبل آمن للطاقة يضمن رخاءً وازدهاراً وحياةً تتمتع بالرفاهية لجميع ساكني كوكب الأرض.    

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *