اخر الاخبار

أميركا والصين.. حرب الزيت والفول

تشتعل جبهة جديدة في الحرب التجارية بين أميركا والصين، لكن سلاحها هذه المرة ليس الرقائق ولا المعادن النادرة، بل زيت الطهي وفول الصويا. فمن المزارع الأميركية إلى الموانئ الصينية تتشابك المصالح وتتبدل التحالفات على موائد السياسة، بينما تُتاح فرص لدول أخرى لاقتناص حصص من كعكة التجارة الزراعية.

كيف بدأت هذه الحرب، وما تأثيرتها المتوقعة؟.. السطور التالية تجيب.

“حرب الزيت والفول”.. الشرارة الأولى

ظهرت بوادر هذه الحرب عام 2018، في الفترة الرئاسية الأولى لدونالد ترمب، حين فرضت بكين تعريفة بنسبة 25% على فول الصويا الأميركي ضمن إجراءات انتقامية ضد الرسوم الأميركية، حينها تحول هذا المحصول إلى سلاح استراتيجي في المواجهة التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

بعدها مباشرة انهارت المشتريات بشكل حاد. وبحلول ذروة التصعيد في 2019، علّقت الصين وارداتها من المنتجات الزراعية الأميركية، مما فاقم خسائر المزارعين الأميركيين الذين يعد فول الصويا المصدر الرئيسي للدخل النقدي لديهم، حيث كانت الصين أكبر مشترٍ لفول الصويا الأميركي تاريخياً، واستوردت عام 2017 ما قيمته نحو 12 مليار دولار منه.

أما صادرات زيت الطهي من الصين إلى الولايات المتحدة فتراجعت بشكل كبير منذ ديسمبر 2024، حين ألغت بكين الإعفاء الضريبي بنسبة 13% الذي كانت تمنحه للمصدرين، ما أدى إلى انخفاض الصادرات بنسبة 60% خلال شهر واحد، وفق بيانات وزارة الزراعة الأميركية.

وفي يناير 2025، قبل تولي ترمب بأيام، أصدرت إدارة الرئيس جو بايدن توجيهات تستبعد الوقود المصنّع من زيوت مستوردة منها الزيت الصيني من الإعفاءات الضريبية.

اقرأ أيضاً: أميركا تحد من واردات زيت طهي بقانون الوقود الأخضر

وتفاقمت هذه المعركة أكثر يوم الثلاثاء الماضي، حينما كتب ترمب في منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي: “أعتقد أن امتناع الصين المتعمد عن شراء فول الصويا الأميركي والتسبب بصعوبات لمزارعينا يُعتبر عملاً عدائياً اقتصادياً. نحن ندرس إنهاء الأعمال التجارية مع الصين المتعلقة بزيت الطهي وعناصر أخرى من التجارة كإجراء انتقامي. فعلى سبيل المثال، يمكننا بسهولة إنتاج زيت الطهي بأنفسنا، ولسنا بحاجة إلى شرائه من الصين”.

لماذا استهدفت الصين فول الصويا تحديداً؟

يُعتبر فول الصويا السلاح الأقوى في هذه المواجهة، ليس لأنه أحد أهم المحاصيل في الاقتصاد الزراعي الأميركي وحسب، وإنما لأن تراجع مشتريات الصين منه يؤثر مباشرة على المزارعين الأميركيين، مع اعتماد الولايات المتحدة الطويل على السوق الصينية كمصدر رئيسي للإيرادات الزراعية. 

وفي عام 2024 بلغت صادرات فول الصويا الأميركي إلى الصين نحو 26.8 مليون طن متري بقيمة 12.64 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 51% من إجمالي صادرات فول الصويا الأميركية، بحسب خدمة الزراعة الخارجية التابعة لوزارة الزراعة الأميركية.

غير أن هذه الأرقام تراجعت بشكل ملحوظ في 2025، إذ انخفضت الواردات الصينية من الفول الأميركي بنسبة 39% من حيث الحجم إلى 5.9 مليون طن متري، و51% من حيث القيمة إلى 2.5 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام، وفق بيانات حكومية نقلتها “رويترز”، لتمثل أدنى مستوياتها منذ تسعينيات القرن الماضي.

ومن أجل حل هذه الأزمة -ولو جزئياً- جدد ترمب اقتراحه باستخدام إيرادات الرسوم لتمويل حزمة دعم لمساعدة المزارعين المتعثرين. وكتب عبر موقع “تروث سوشيال” أن “كل شيء سينجح بشكل جيد جداً. أنا أحب وطننا، وكل مزارع هو وطني بالفعل!”. وتابع: “لنجعل فول الصويا، والمحاصيل الأخرى، عظيمة من جديد!”.

اقرأ أيضاً: الصين تستخدم ورقة فول الصويا لاكتساب ميزة تجارية أمام أميركا

مستفيدون من صراع الصويا

في غياب الولايات المتحدة تحولت البرازيل والأرجنتين إلى شريان الإمداد الرئيسي للصين، ما عزز إيرادات مزارعيهما ودفع بكين لتأمين إمداداتها الغذائية بعيداً عن النفوذ الأميركي.

ووفق بيانات الرابطة الوطنية لمصدري الحبوب في البرازيل (Anec)، استوردت الصين 6.5 مليون طن من فول الصويا البرازيلي في سبتمبر، ما عزز مكانتها كأكبر وجهة لصادرات البرازيل، وأكد استمرار اعتمادها على أكبر منتج في أميركا الجنوبية لتأمين احتياجاتها من الفول.

الصين تتجه لفول الصويا البرازيلي مع تصاعد الحرب التجارية

كذلك، شهدت صادرات فول الصويا الأرجنتيني إلى الصين ارتفاعاً ملحوظاً. ووفق بيانات وزارة الزراعة الأرجنتينية نقلتها وكالة رويترز، يُتوقع أن تصل صادرات الأرجنتين من فول الصويا من حصاد موسم 2025/2024 إلى حوالي 10.5 مليون طن متري، وهو أعلى مستوى في سبع سنوات.

كما تستفيد أفريقيا من حرب فول الصويا عبر اهتمام صيني غير مسبوق بتطوير زراعتها وبنيتها التحتية مقابل ضمان الأمن الغذائي لبكين. وخلال العام الحالي استثمرت الصين مئات الملايين من الدولارات في زراعة ومعالجة فول الصويا بأنغولا وتنزانيا وغيرها، كما أبرمت صفقات زراعية بقيمة 350 مليون دولار في أنغولا في يوليو، بما في ذلك تطوير 100 ألف هكتار لزراعة فول الصويا والذرة.

كيف أصبح فول الصويا الأفريقي ذخيرة حرب تجارية؟

زيت الطهي.. انتقام أميركي ضعيف

بسبب رفض الصين شراء فول الصويا الأميركي، لوّح ترمب بحظر استيراد زيت الطهي من الصين كإجراء انتقامي، ويستهدف التهديد الأميركي بشكل رئيسي زيت الطهي المستعمل (UCO)، وهو ناتج ثانوي يُستخرج من بقايا الزيوت في المطاعم والمصانع الغذائية ويُعاد تدويره لاستخدامه كمادة أولية في إنتاج الديزل الحيوي ووقود الطائرات المستدام (SAF) ضمن خطط التحول نحو الطاقة النظيفة.

أما زيت الطهي الطازج القابل للأكل فلا يشكل إلا نسبة قليلة جداً من صادرات الزيوت الصينية إلى الولايات المتحدة.

وخلال الأشهر السبعة الأولى من العام، بلغت مبيعات زيت الطهي الصيني في الولايات المتحدة نحو 387 ألف طن، أي بانخفاض نسبته 43% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي حين كانت 684 ألف طن وفق بيانات وزارة الزراعة الأميركية التي نشرتها بلومبرغ.

وعند المقارنة بين قيمة واردات الولايات المتحدة من زيت الطهي المعالج من الصين وبين قيمة صادراتها من فول الصويا إلى الصين خلال عام 2024، يتضح أن الفارق ضخم، إذ لا تتجاوز واردات واشنطن من زيت الطهي الصيني نحو 1.2 مليار دولار، في حين تبلغ صادرات فول الصويا الأميركية إلى الصين أكثر من 12 مليار دولار، أي ما يعادل عشرة أضعاف تقريباً، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الأميركي.

وتُبرز هذه المقارنة أن حجم تجارة فول الصويا يفوق بأضعاف تجارة الزيوت بين البلدين، ما يفسر لماذا يُعد فول الصويا محوراً حساساً في العلاقات الاقتصادية الأميركية-الصينية، بينما يظل تأثير زيت الطهي محدوداً نسبياً على الميزان التجاري أو على مجمل النزاع القائم بين الطرفين.

زوبعة عالمية محدودة حتى الآن

بالنسبة لتأثير هذه المواجهة التجارية على السوق العالمية، يرى محللون أن تأثير أي امتناع أميركي عن شراء زيت الطهي الصيني سيكون محدوداً، بينما سيتركز التأثير السلبي لامتناع الصين عن شراء فول الصويا من الولايات المتحدة على السوق الأميركية بشكل أساسي.

وذلك لأن المصدرين الصينيين يوجهون إنتاجهم نحو أوروبا وآسيا بدلاً من الولايات المتحدة، حيث ارتفعت الصادرات إلى سنغافورة 15% هذا العام إلى 537 مليون دولار، وقفزت إلى هولندا 131.5%، وفق بيانات الجمارك الصينية. ولفت خبراء نقلت عنهم “بلومبرغ” و”رويترز” إلى أن جزءاً كبيراً من الشحنات الصينية تحول بالفعل باتجاه الاتحاد الأوروبي وإلى منتجي وقود الطائرات المستدام، ما جعل تراجع الطلب الأميركي “مأخوذ في الحسبان” في السوق مسبقاً. 

وفي تصريحات لبلومبرغ، قال دان ماكاي من وكالة “كوانتوم كوموديتي إنتليجنس” (Quantum Commodity Intelligence) إن عروض تصدير الزيت الصيني لم تتغير منذ تهديد ترمب، بينما يرى كانغ وي شيانغ من مؤسسة “ستونكس غروب” (StoneX Group) أن الحظر قد يسبب ضغوطاً قصيرة الأجل على المصدرين الصينيين أثناء إعادة توجيه الإمدادات أو تصريف الفوائض.

في المقابل، لفت تقرير نشرته “رويترز” عن مؤسسة “رابوبنك ريسيرش” (Rabobank Research) في أغسطس أن تجدد الحرب التجارية قد يدعم أسعار فول الصويا في السوق العالمية مؤقتاً، لكن على المدى البعيد قد يخفض أسعار الصويا الأميركية من 1.5 إلى 2 دولار لكل بوشل، ويقلل مساحة الزراعة بنحو 5 ملايين فدان، ما يكبد المزارعين انخفاضاً كبيراً في الدخل السنوي.

مع ذلك تتبقى حالة وحيدة قد تتأثر فيها الصين بالامتناع عن شراء فول الصويا الأميركي وهي إذا لم تستطع الحصول على كل الإمدادات التي تحتاجها.

وفي هذا الصدد، حذر تيري رايلي من شركة “ماركس” (Marex) من أن البرازيل وحدها لن تستطيع سد كامل احتياجات الصين، حسبما نقلته “رويترز”، إذ قد تواجه فجوة تتراوح بين مليونين وخمسة ملايين طن بنهاية الموسم، ما ينذر باضطرابات متفرقة في الإمدادات الغذائية العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *