أليكس كارب يحقق الإنجازات رغم علاقته المتوترة مع وول ستريت
تتأرجح علاقة أليكس كارب، المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي لشركة “بالانتير تكنولوجيز” (Palantir Technologies) مع “وول ستريت” بين ود وبغض.
لنبدأ من حيث السلبيات. قال كارب غير مرة إن إدارة شركة مدرجة بالبورصة تشعره وكأنه “حبيس قفص”، وأعلن أن المحللين لا يفهمون الشركة وأنه يفضل المستثمرين الأفراد ذوي الولاء لشركته، وقد تكتل أكثر من 60000 منهم على منتدى (r/PLTR) على موقع “ريديت”، ويطلقون عليه لقب “كارب الأب”.
ويمقت كارب من يبيعون على المكشوف أسهم الشركة، وبلغ به الأمر أن وصفهم خلال مقابلة متلفزة بأنهم مدمني مخدرات، إذ قال: “لا شيء يسعد المرء أكثر من أن يسلب أولئك البائعين على المكشوف من الكوكايين”. وكانت مقولته هذه ألطف مما جاء على لسانه منذ بضع سنوات خلال مناسبة أخرى، إذ استخدم مفردة نابية مرتين خلال مكالمة مع المحللين.
رغم ذلك، لطالما سعى كارب ليحظى بواحدة من أبرز الجوائز التي تطمح إليها أغلب الشركات، وهي أن تكون “بالانتير” بين شركات مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″، وهو إنجاز قُدّر له أن يحققه في 23 سبتمبر.
يتيح دخول “بالانتير” إلى المؤشر أن تكون ضمن صناديق المؤشر التابعة لكبرى المؤسسات الاستثمارية، ما يعزز مكانتها بين الشركات الكبرى في الولايات المتحدة. رغم أن القيمة السوقية للشركة تتجاوز 80 مليار دولار، إلا أنها بقيت لسنوات غير قادرة على االإيفاء بمعايير الإدراج في ذلك المؤشر نظراً لإحكام المؤسسين سيطرتهم عليها وعدم تحقيقها للأرباح.
لكنها باتت مؤهلة للإدراج بعدما خفف مؤشر “ستاندرد آند بورز” بعض قيوده بشأن الأسهم متعددة الفئات التي تمنح المؤسسين حقوق تصويت تفوق من سواهم، وبعد أن سجلت الشركة أول عام مربح في 2023، .
تردد المحللين
توّج هذا الإنجاز مساراً من النجاحات المتتالية لشركة “بالانتير”. فأسهم الشركة التي تُعد واحدة من روّاد ثورة الذكاء الاصطناعي، شهدت ارتفاعاً كبيراً، حيث زادت قيمتها بحوالي خمسة أضعاف منذ عام 2022. وبحسب مؤشر بلومبيرغ للمليارديرات، وصلت ثروة كارب اليوم ما يربو على 4 مليارات دولار.
لكن هذا لا يعني أن كارب سيبدأ فجأة العمل على ترميم علاقاته مع منتقي الأسهم الذين يبغضه كثير منهم بقدر بغضه لهم. وقد رفضت شركة “بالانتير” التعليق على المسألة أو إتاحة مقابلة مع كارب.
من بين 20 محللاً يتابعون “بالانتير”، أوصى خمسة فقط بشراء سهم الشركة، بينما صنّف نحو الثلث الشركة على أنها “للبيع”، وفقاً لبيانات بلومبرغ؛ وهو رقم مرتفع بشكل غير عادي لشركة تقنية ناشئة. (3% فقط من المحللي المتابعين لشركة “ابل” يوصون ببيع سهم الشركة، فيما لا أحد يوصى بذلك بالنسبة لشركة “إنفديا”). أحد أسباب التردد هو الخوف من أن تكون منتجات الذكاء الاصطناعي من “بالانتير” مبالغاً فيها. يعتقد البعض أن الشركة لن تتمكن من طرح أدواتها للعملاء من الشركات بسرعة كافية. كما أن البعض الآخر لا يحب قادة الشركة.
شكوك حول كارب
يستاء ريشي جالوريا، مدير “آر بي سي كابيتال ماركتس” (RBC Capital Markets) من أسلوب كارب الجامح ولغته البذيئة أحياناً خلال مكالمات مناقشة الأرباح، كما أنه منزعج من استخدام لقب “دكتور” عند الإشارة إليه، ومن تجنب “بالانتير” السماح له وللمحللين المتشائمين بطرح أسئلة خلال هذه المكالمات.
يحمل كارب درجة دكتوراه في النظرية الاجتماعية الكلاسيكية الجديدة، وليس في الطب. قال جالوريا لمجلة “بلومبيرغ بيزنيس ويك” إن “الرئيس التنفيذي لشركة (أكاماي) يحمل درجة دكتوراه، لكن لا أحد يناديه دكتور لايتون… فلنكن عقلانيين”.
كارب، الذي بلغ من العمر 56 عاماً، لم يكلّف نفسه حتى عناء تقمص صورة رجل الأعمال التقليدي. فهو يظهر أحياناً في فعاليات عامة مرتدياً قميصاً قطنياً أبيض بأكمام قصيرة، ويُعرف عنه ارتداؤه خفين من الصوف في المكتب، كما أنه لا يقود أو يملك سيارةً.
أما شعره الأسود المتموج الذي غزاه الشيب شطراً لشطر فيجعله يبدو كما لو أن تياراً كهربائياً قد صعقه تواً. يمارس كاوب فن “تاي تشي” القتالي القديم بانتظام يكفي كي يشرف دون عناء على جلسات لتدريب منسوبي الشركة عليه.
آراء كارب السياسية مستغربة
كارب كان صريحاً في آرائه السياسية وأحياناً استفزازياً. فقد صرح لصحيفة نيويورك تايمز أنه يدعم حملة كامالا هاريس الرئاسية، لكنه اعتبر أن حركة “اليقظة الاجتماعية” أو ما يعرف بالـ”ووك” ترقى إلى “خطر جوهري” على أميركا، ووصفها بأنها “دين وثني ضيق الأفق”.
وقد زار كارب قادة عسكريين في أوكرانيا وإسرائيل، وأصبح وجهاً مألوفاً في واشنطن والبنتاغون. وهو بصدد نشر كتاب بعنوان (The Technological Republic) في فبراير 2025 عبر دار نشر “بينغوين راندوم هاوس” (Penguin Random House)، وقد عرّفت الدار الكتاب بأنه “اتهام شامل لثقافة الاعتداد بالنفس في الغرب”.
تسوّق “بالانتير” برمجياتها لعملاء من القطاعين الخاص والحكومي في مجالات مثل الدفاع ومراقبة الهجرة، ما يجعلها محور جدل سياسي. وقد فازت بمجموعة عقود حكومية في الفترة الماضي بينها صفقة لتطوير منصة ذكاء اصطناعي للجيش.
وفي مؤتمر للخبراء التقنيين وصناع القرار في واشنطن عقد قبل فترة قصيرة، حثّ كارب قادة وادي السيليكون، الذين كانوا تاريخياً حذرين حيال الحروب، على ابتكار أدوات تقنية تركز على الأمن القومي، مؤكداً أن ذلك ضرورة أخلاقية وفرصة مالية. وقال: “يركز بلدنا على استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق تفوق بنيوي في كيفية الانتشار في ساحة المعركة وفهمها… تلعب (بالانتير) دوراً أساسياً في هذا المجال”.
وقد أعلنت الشركة أن أحدث إصدار ضخم لها، المعروف باسم “منصة الذكاء الاصطناعي”، يستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي في تعزيز جميع وظائفها، كان إعلانها وعداً ساهم بدفع سهمها ليرتفع بشدة ويسجل زيادة 111% هذا العام، مقابل ارتفاع بنسبة 18% فقط لمؤشر “ستاندرد آند بورز”خلال نفس الفترة.
حماسة المتداولين الأفراد
مع ذلك، ما يزال هناك منتقدون، خاصةً مع تراجع بريق بعض الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي. قال مالك أحمد خان، محلل الأسهم في “مورنينغ ستار” (Morningstar) إنه يؤمن بمستقبل “بالانتير” على المدى الطويل، لكنه “فقد شيئاً من ثقته بالإدارة”، خصوصاً بعد استثمارات غير موفقة في شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة.
كانت هذه الاستثمارات تقوم على استراتيجية تبادل منافع، حيث أنفقت “بالانتير” 450 مليون دولار لشراء أسهم في حوالي 24 شركة ناشئة أُدرجت في البورصة. كجزء من الصفقة، أصبحت تلك الشركات من عملاء “بالانتير”. لكن كثيراً منها فقدت زخمها مع انحسار موجة شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، فكبد ذلك “بالانتير” خسائر لناحية ما كانت تجنيه من إيرادات وكذلك من حيث قيمة استثمارها.
في مكالمة مناقشة الأرباح عام 2022، قالت الشركة إن المبيعات من تلك الصفقات “بلغت ذروتها” في الربع الأول وإنها “أوقفت” البرنامج، ولم تتطرق مجدداً للمسألة بشكل جاد في المكالمات اللاحقة، ما أثار حفيظة بعض المستثمرين. وقال المحلل خان: “إذا ارتكبت خطأً في الحكم، فعليك أن تفعل أكثر من مجرد التعويض عنه… لا أعتقد أنهم أقروا حتى بعدم حكمة ما فعلوه. لقد تجاهلوا الموضوع ببساطة”.
سيطرة كارب على “بالانتير”
يحكم كارب قبضته على “بالانتير” لدرجة أنه غير مضطر حتى للتعامل مع المنتقدين. فقد صمم مع المؤسس الشريك بيتر ثيل والرئيس ستيفن كوهين، الشركة عند طرحها للاكتتاب العام بطريقة تضمن أن تكون لهم معاً حقوق تصويت ما داموا أحياء.
مع ذلك، ثمة فئة من المستثمرين تحظى برضى كارب، وهم المتداولون الأفراد عبر الإنترنت من المتحمسين لأسهم “بالانتير”، الذين يقول إنه يقدّر دعمهم. وقد رد عدد لا بأس منهم الجميل، ما منح “بالانتير” مستوى من الاحترام يقارب ما حصدته شركة “غيم ستوب” (Gamestop)، وذلك عبر منتدى (r/PLTR) الذي يحمل رمز الشركة على موقع “ريديت”.
كتب أحد المشاركين قبل فترة قصيرة إنه يدعم “بالانتير” بلا حدود، وقد تحول الموضوع الرئيسي للصفحة هو “الانتصار”، وذلك تزامناً مع استمرار أسهم الشركة بالارتفاع.
في مقطع مصور سُجّل بعد فترة قصيرة من إبلاغ “بالانتير” بأنها ستُدرج على مؤشر “ستاندرد آند بورز”، يظهر كارب فيما يجري في غابة مرتدياً سروالاً قصيراً من قماش مطاطي، ثم يتوقف ليتحدث مباشرة إلى الكاميرا فيما يمسك بعصاتي تسلق زهريتي اللون وقد جعل يديه داخل قفازين. وقال: “انتقلنا مما اعتقد بالغون ومديرون محترفون وبعض المحللين بأنه وحش فرانكشتاين يقوده قائد غريب، هو أنا، إلى شركة ديناميكية ورابحة بوضوح، وهي تستحق بكل وضوح الانضمام إلى مؤشر ستاندرد آند بورز 500… وقد حققنا ذلك بطريقتنا”.