أسهم شركات التكنولوجية تعوّض خسائر وول ستريت هذه السنة

أدى ارتفاع أسهم أكبر شركات التكنولوجيا في العالم إلى محو خسائر سوق الأسهم الأميركية التي سجلت هذا العام، وسط رهانات على أن التوترات المتعلقة بالحرب التجارية التي يخوضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بدأت بالتراجع، ومع صدور بيانات تضخم أظهرت تأثيرات محدودة حتى الآن.
وارتفعت الأسهم إلى أعلى مستوياتها منذ فبراير، وهو الشهر الذي سجّل فيه مؤشر “إس آند بي 500” ذروته التاريخية. وقفز المؤشر بنسبة تقترب من 1%، مع تصدّر أسهم شركات الرقائق قائمة المكاسب، حيث ستزود “إنفيديا” و”أدفانسد مايكرو ديفايسز” أشباه الموصلات إلى شركة “هيومين” السعودية، ضمن مشروع ضخم لمراكز البيانات.
وألغت سندات الخزانة مكاسبها السابقة، وسط تكهنات بأن الاحتياطي الفيدرالي سيبقي على معدلات الفائدة من دون تغيير، ريثما يقيّم التداعيات المحتملة للتعريفات الجمركية. وانخفض الدولار.
ساهم تراجع التوترات التجارية، إضافة إلى موسم أرباح مفاجئ بإيجابيته، في تعزيز التفاؤل بعد فترة من الشكوك حول قدرة الشركات الأميركية الكبرى على الوفاء بتوقعات الأرباح المرتفعة. وقال ترمب إن “سوق الأسهم سيرتفع كثيراً”، مشيراً إلى “انفجار في الاستثمارات والوظائف”، معلناً أن السعودية ستلتزم باستثمار تريليون دولار في الولايات المتحدة.
وتعتزم إدارة ترمب إعادة هيكلة القواعد المنظمة لتصدير أشباه الموصلات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي، متخلية عن النهج الذي اعتمدته إدارة جو بايدن، والذي أثار اعتراضات قوية من حلفاء أميركا. كما تدرس الولايات المتحدة صفقة قد تتيح للإمارات استيراد أكثر من مليون رقاقة متقدمة من “إنفيديا”، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
المستثمرون يجبرون على ملاحقة صعود السوق
بعد أن فاتتهم موجة الصعود في الشهر الماضي، يبدو أن المستثمرين مضطرون للحاق بصعود الأسهم الذي أشعلته الهدنة التجارية بين أميركا والصين نهاية الأسبوع، بحسب محللي “بنك أوف أميركا”.
وأظهر استطلاع للرأي أُجري قبل محادثات التجارة في جنيف أن مديري الصناديق كانوا يحتفظون بمراكز تقل بنسبة 38% عن المعدلات الاعتيادية في الأسهم الأميركية، وهي أعلى نسبة في عامين.
وكتب مايكل هارتنت، المحلل الاستراتيجي في “بنك أوف أميركا”، أن نتائج الاستطلاع “تميل نحو التشاؤم بدرجة كافية لتُشير إلى أن موجة الصعود قد تستمر” نظراً لأن الاتفاق بين أميركا والصين سيمنع دخول الاقتصاد في ركود أو حدوث صدمة في أسواق الائتمان.
وارتفع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 0.7%، وزاد مؤشر “ناسداك 100” بنسبة 1.6%، في حين خسر مؤشر “داو جونز” الصناعي 0.6%. وارتفع مؤشر رقائق أشباه الموصلات بنسبة 3.1%. كما أضاف مؤشر “العظماء السبعة” (أبل، ألفابت، إنفيديا، أمازون، ميتا، مايكروسوفت، تسلا) نسبة 2.2%.
وصعد العائد على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات نقطة أساس واحدة إلى 4.48%. في حين تراجع مؤشر “بلومبرغ للدولار الفوري” بنسبة 0.7%.
بيانات التضخم وتوقعات النمو تدفع وول ستريت للصعود
ارتفع التضخم في الولايات المتحدة بأقل من المتوقع خلال أبريل، وسط أسعار مستقرة نسبياً للملابس والسيارات الجديدة، ما يشير إلى أن الشركات لا تشعر بالحاجة الملحة حتى الآن لنقل كلفة الرسوم الجمركية المرتفعة إلى المستهلكين.
وقد ساهم الاتفاق المؤقت الذي تم التوصل إليه مع الصين خلال عطلة نهاية الأسبوع في تقليص التوقعات بشأن حجم الأضرار الاقتصادية التي قد تُسببها الرسوم. ورفعت “جيه بي مورغان تشيس” توقعاتها لنمو الاقتصاد الأميركي، متخلية عن تحذيرها السابق بأن الاقتصاد قد يدخل في ركود خلال 2025.
ورغم أن عقود المشتقات المالية لا تزال تُسعّر تخفيضين بمقدار ربع نقطة مئوية لكل تخفيض في معدلات الفائدة الفيدرالية هذا العام، إلا أن العديد من بنوك وول ستريت الكبرى توقعت هذا الأسبوع خفض أسعار الفائدة في ديسمبر، وهو موعد متأخر عما توقعته سابقاً.
وقال جوش جامنر من “كليربريدج إنفستمنتس”: “على غرار الاحتياطي الفيدرالي، من المرجح أن يتغاضى المستثمرون عن تقرير اليوم، لأن احتمالات التوصل إلى صفقات تجارية وتفاصيل عملية تسوية الميزانية أكثر تأثيراً على الأسهم في الأسابيع المقبلة”، مضيفاً أن “غياب أي مفاجآت سلبية في التقرير يدعم الاتجاه الصعودي للأصول عالية المخاطر، مع قيام المستثمرين بتفكيك تحوطاتهم”.
ترمب يُجدد ضغوطه على الفيدرالي
استغل ترمب تقرير التضخم المتباطئ ليجدد ضغوطه على رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول لتخفيض أسعار الفائدة.
وكتب في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: “لا تضخم، وأسعار البنزين والطاقة والمواد الغذائية وكل شيء تقريباً، انخفضت!!! يجب على الفيدرالي خفض الفائدة، كما فعلت أوروبا والصين. ما خطب باول المتأخر جداً؟”.
وقد دفعت الهدنة التجارية مع الصين، والتي رفعت الأسهم، بعض المحللين الفنيين إلى توقع بتحقيق مستويات قياسية جديدة لمؤشر “إس آند بي 500”. وقال جون كولوفوس، كبير المحللين الفنيين لدى “ماكرو ريسك أدفايزرز”، إن “المؤشر لا يواجه مقاومة رئيسية حتى 6144 نقطة، وهو الرقم القياسي المسجل في 19 فبراير”.
وأضاف: “تجاوز المؤشر لمتوسطه المتحرك لـ200 يوم هو إشارة أخرى على أن الاتجاه يتحول إلى إيجابي. هذا يزيد من احتمالات أن تؤدي التراجعات المستقبلية إلى مزيد من الطلب أو الشراء. إنها تغير استراتيجيتك وتُرسل إشارة بأن السوق خرجت من مرحلة السوق الهابطة”.
المحللون يراجعون تقديراتهم مع تحسن الأرباح
تغيّر الزخم السلبي لنمو الأرباح، الذي خيّم على الأسهم الأميركية لأشهر، نحو الأفضل أخيراً. فقد تحوّل مؤشر “سيتي غروب” الخاص بمراجعات الأرباح إلى الجانب الإيجابي للمرة الأولى منذ ستة أشهر، في إشارة إلى أن تقديرات المحللين قد تبدأ بالارتفاع.
وبحسب مؤشر تتبّع الأرباح الصادر عن “بلومبرغ إنتليجنس”، فقد فاجأت 77% من شركات مؤشر “إس آند بي 500” بتقديم نتائج أفضل من المتوقع في الربع الأول، وهي أعلى نسبة منذ الربع الثاني من العام الماضي. بينما سجل نمو الأرباح في الربع نسبة 13.1%، مقارنة بـ6.6% فقط كانت متوقعة قبل بدء موسم النتائج.
وفي الشهر الماضي، كانت التوصيات القادمة من المحللين تسير في الاتجاه المعاكس، حيث خفّضوا توقعاتهم لمؤشر “إس آند بي 500” بشكل متسارع، بعد إعلان ترمب فرض تعريفات جمركية جديدة، مما تسبب بموجة بيع عنيفة للأسهم. لكن منذ ذلك الحين، بدّلت إدارته مسارها وتراجعت عن أشد خططها، وأبرمت اتفاقاً مؤقتاً مع الصين لتقليص الرسوم، ما أجبر المحللين على تعديل توقعاتهم صعوداً.
من بين هؤلاء المحللين، إيد يارديني المخضرم في وول ستريت، وديفيد كوستين من “غولدمان ساكس”، وكلاهما توقّع هذا الأسبوع ارتفاع المؤشر إلى ما فوق 6000 نقطة بحلول ديسمبر، بعدما كانا من أوائل من خفّضوا توقعاتهم خلال موجة البيع في أبريل التي تزامنت مع إعلان ترمب عن الرسوم الجمركية. في ذلك الوقت، كانت وتيرة خفض التقديرات الأسرع منذ انهيار السوق في مارس 2020 بسبب جائحة كورونا.
في المقابل، خفّض مارك هافيل، كبير مسؤولي الاستثمار في “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت”، تصنيفه للأسهم الأميركية من “جذابة” إلى “محايدة”، قائلاً إن المخاطر والمكاسب باتت متوازنة أكثر بعد التعافي القوي من أدنى مستويات أبريل.
وكتب هافيل في مذكرة: “رغم أن هذا ليس تقييماً سلبياً أو دعوة للبيع، فإننا نوصي المستثمرين بالحفاظ على تخصيص استراتيجي كامل للأسهم الأميركية”، مضيفاً أن حالة عدم اليقين لا تزال مرتفعة، وسيتحول تركيز المستثمرين قريباً إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري دائم.