أسهم الصين تتفوق على نظيراتها الناشئة وسط شغف الذكاء الاصطناعي

عادة ما يمتد تأثير المكاسب في الأسهم الصينية إلى أسواق الدول الناشئة، لكن الوضع مختلف هذه المرة.
ففي حين قفزت الأسهم في البر الرئيسي للصين خلال الأشهر الستة الماضية، متحررة من ركود دام لسنوات، ظل أداء الأسهم في الأسواق الناشئة الأوسع نطاقاً مستقراً إلى حد كبير.
يُعزى هذا التباين إلى أن الارتفاع في الأسهم الصينية ناتج عن موجة حماسة تجاه قطاع التكنولوجيا، وليس بفعل تحسن اقتصادي شامل يمكن أن يمتد تأثيره إلى اقتصادات أخرى عبر الجسور التجارية الواسعة للصين.
قال مانيك نارين، رئيس أبحاث استراتيجيات الأسواق الناشئة في “يو بي إس غروب” في لندن: “تفوّق الصين ناتج عن دفعة إنفاق محددة يقودها قطاع التكنولوجيا، وهي موجّهة أكثر نحو المستهلكين بعيداً عن الاستثمار، ومن غير المرجح أن يكون لها تأثير كبير على بقية الأسواق الناشئة”.
أضاف: “هذا ليس السيناريو الكلاسيكي للصين كما شهدناه في أعوام 2009 و2016 و2020، الذي كان ينتهي غالباً بانتعاش ممتد إلى الأسواق الناشئة”.
ارتفع مؤشر “إم إس سي آي تشاينا” (MSCI China) بأكثر من 30% منذ نهاية أغسطس، في حين انخفض مؤشر لأسهم الأسواق الناشئة باستثناء الصين بنحو 7%. ويشكّل هذا تبايناً واضحاً مقارنةً على الأقل بفترتين تاريخيتين شهدتا مكاسب متزامنة: إذ ارتفعت الأسهم الصينية بنسبة 63% بين عامي 2009 و2010، بينما قفز مؤشر الأسواق الناشئة الأوسع بنسبة 103%؛ وفي 2016-2017، ارتفعت الأسهم الصينية بنسبة 50%، وسجّل المؤشر العام للأسواق الناشئة مكاسب قدرها 46%.
قفزة الأسهم الصينية
قفزت الأسهم الصينية بدايةً في سبتمبر الماضي مدفوعة بالتفاؤل بشأن مزيد من التحفيز الاقتصادي، لكن تلك المكاسب تلاشت إلى حد كبير بعدما خيّبت الإعلانات بشأن السياسة النقدية التوقعات. لم تبدأ موجة الارتفاع المستدامة إلا في يناير الماضي، مع إطلاق نموذج جديد للذكاء الاصطناعي من شركة “ديب سيك” (DeepSeek).
يظهر هذا التباين الحالي في الأداء بين الأسهم الصينية ونظيراتها في الأسواق الناشئة أيضاً من خلال تدفقات الاستثمار. استقطب صندوق “كرين شيرز سي إس آي تشاينا إنترنت” (KraneShares CSI China Internet Fund)، وهو من بين أكبر الصناديق المتداولة في البورصة التي تتابع السوق الصينية، تدفقات بقيمة 1.5 مليار دولار هذا العام، في حين يتجه صندوق “آي شيرز إم إس سي آي إي إم باستثناء الصين” (iShares MSCI Emerging Markets ex China ETF) إلى تسجيل أحد أشهره القليلة من خروج الاستثمارات منذ عام 2022.
يقول فينتشنزو فيدا، الرئيس التنفيذي للاستثمار في شركة “دي دبليو إس إنترناشونال” (DWS International) في فرانكفورت، إن تجدد التفاؤل بين المستثمرين تجاه الأسهم الصينية لا يقتصر على قطاع التكنولوجيا وحده، وإن الأسهم الصينية قد تواصل تحقيق عوائد أفضل من بقية الأسواق الناشئة.
وأضاف: “هناك تفاؤل متزايد في جميع أنحاء البلاد، ويبدو أن سوق العقارات المتعثرة وصلت إلى القاع، رغم أنها لم تنعكس بعد”. وأضاف: “نفترض أن تفوق أداء الصين مقارنةً ببقية الأسواق الناشئة، والذي بدأ منذ منتصف يناير، سيستمر في الفترة المقبلة”.
تهديد يتربص بالأسهم الصينية
لكن هناك تهديداً كبيراً واحداً على الأقل قد يعرقل انتعاش الأسهم الصينية، ويفاقم خسائر الأسواق الناشئة الأخرى، يتمثل في احتمال فرض رسوم جمركية أميركية أعلى.
يترقب المستثمرون حول العالم إعلان الرئيس دونالد ترمب بشأن ما يُعرف باسم “الرسوم الجمركية المتبادلة” في 2 أبريل. زادت مخاوف الأسواق هذا الشهر بعد إعلانه فرض رسوم بنسبة 25% على واردات السيارات.
تُعد الصين عرضة بشكل خاص لهذا النوع من المخاطر بسبب اعتمادها الكبير على التجارة مع الولايات المتحدة، كما أنها كثيراً ما كانت هدفاً للانتقادات من جانب ترمب وعدد من كبار المسؤولين في إدارته.
بدأت بعض الصناديق بالفعل في تقليص حيازاتها في الأسهم الصينية.
قال روهيت تشوبرا، مدير المحافظ الاستثمارية في شركة “لازارد أسيت مانجمنت” (Lazard Asset Management) في نيويورك: “بعد أن زدنا استثماراتنا في الأسهم الصينية خلال عام 2024، بدأت العديد من صناديقنا في تقليص بعض المراكز التي حققت ارتفاعاً في قيمتها هذا العام”. أضاف: “انكشاف صناديقنا على الصين بات الآن أقل بقليل، أو دون الوزن المرجعي”.
في المقابل، هناك من يبدون تفاؤلاً أكبر، ويعتقدون أن انفصال الصين عن بقية الأسواق الناشئة قد يتقلص مع بدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي في دورة تيسير السياسة النقدية.
من جانبه، قال ويم-هاين بالس، رئيس قسم الأسواق الناشئة في شركة “روبيكو انستيتوشنال أسيت مانجمنت” (Robeco Institutional Asset Management) في روتردام: “نتوقع تدفقات أفضل إلى الأسواق الناشئة عموماً هذا العام مع استئناف الاحتياطي الفيدرالي مسار خفض أسعار الفائدة”.
وأضاف: “إذا تحسن الاقتصاد الصيني بصورة أكبر، فقد يبدأ التفاؤل والأرقام الإيجابية بالتسرّب إلى بقية دول آسيا بصورة أوضح مما كان عليه في الفترات الماضية”.