اخر الاخبار

أزمة ديون أفريقيا تتفاقم.. وترمب قد يصبح جزءاً من الحل

في أفريقيا، كما في أنحاء كثيرة من العالم، بات دونالد ترمب، بسبب سياساته، يجسّد الصورة النمطية السلبية لـ”الأميركي البغيض” الذي يمكن وصفه بالجاهل والمتغطرس والخطير.

فقد أطاح بـ”قانون النمو والفرص في أفريقيا” الذي منح على مدى 25 عاماً إعفاءات جمركية للمنتجات الأفريقية المصدَّرة إلى السوق الأميركية، وفرض بدلاً منه تعريفات قاسية أثقلت كاهل القارة. كما ألغى مساعدات كانت قد بلغت 12.7 مليار دولار في عام 2024. أغضب كذلك القادة الأفارقة حين باغت رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا خلال لقاء في البيت الأبيض، وصعّد إهاناته إلى الدول الأفريقية، مزدرياً دولاً مثل ليسوتو، المملكة الفقيرة البالغ عدد سكانها 2.3 مليون نسمة والتي كاد يقضي على اقتصادها بفرض تعريفات جمركية عليها بنسبة 50%، كانت في البداية الأعلى بين كل دول العالم.

أزمة ارتفاع فوائد الديون 

مع ذلك، لا تزال أمام الرئيس الأميركي فرصة لتغيير هذه السردية من دون أن يتراجع عن أي من الإجراءات التي اتخذها بحق أفريقيا. فإثر المواجهة في البيت الأبيض في 21 مايو، أعلن رامافوزا أن ترمب، وبعد أشهر من تكراره أنه ومسؤولي حكومته لن يشاركوا في اجتماعات مجموعة العشرين التي تستضيفها جوهانسبرغ هذا العام، قرر حضور القمة المرتقبة في نوفمبر المقبل في نهاية المطاف.

وإذا صحّ ذلك، فهو مدعو للانخراط في مبادرة جنوب أفريقيا لمعالجة أزمة الديون غير المسبوقة التي تعصف بالقارة، بل أن يتولى قيادتها حتى. فبحسب إحصاءات البنك الدولي التي جمعتها شبكة الناشطين one.org، عشرون دولة أفريقية منخفضة الدخل تعثرت في سداد ديونها أو هي في خطر التعثر. وتوازي الديون الخارجية المترتبة على دول القارة، نحو 24.5% من إجمالي ناتجها المحلي لعام 2023.

اقرأ أيضاً: صندوق النقد يتوقع زيادة طلبات الدعم من أفريقيا بسبب سياسات ترمب

أخطر جوانب الأزمة يكمن في أسعار الفائدة المرتفعة التي تتكبدها هذه الدول مقارنة بنظيراتها الغربية. فوفقاً لتقرير “A New Deal For Africa” الصادر عن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، تبلغ نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في كلّ من البرتغال وفرنسا 99% و111% على التوالي، فيما تستهلك مدفوعات الفائدة 5% و3% من إجمالي إيرادات حكومتيهما. في المقابل “تنفق دول مثل مالاوي وكينيا وغانا، نحو 26% من إيراداتها الضريبية على مدفوعات الفائدة رغم أن نسب الدين إلى الناتج المحلي لديها أدنى من تلك المسجّلة في البرتغال وفرنسا”.

وبحسب “مركز سياسات التنمية العالمية” في جامعة بوسطن و”معهد العدالة الاقتصادية”، أنفقت الدول الأفريقية في المتوسط 16.7% من إيراداتها الحكومية على مدفوعات الفائدة في 2023، مقارنة بـ6.5% في عام 2010. وكانت مؤسسة “ستاندرد آند بورز غلوبال” (S&P Global Inc) قد حذّرت في عام 2024 من أن اقتراب مدفوعات الفائدة من 20% من الإيرادات الوطنية يُعدّ مؤشراً مبكراً لاحتمال تعثّر الدولة في سداد ديونها السيادية. وكما يُظهر الرسم البياني أدناه، فإن أجراس الإنذار باتت تُقرع على امتداد القارة.

تخفيض الإنفاق على الصحة والتعليم

يُعزى هذا العبء المرتفع في مدفوعات الفائدة إلى “نظرة المستثمرين القلقة إزاء ارتفاع مستوى المخاطر في الاقتصادات الأفريقية”، وفقاً لما أورده معهد بلير. أما برأي الرئيس النيجيري الأسبق أولوسيغون أوباسانجو، ما هذه إلا “كلفة إضافية” جائرة تُفرض لمجرّد أن هذه الدول أفريقية.

تبعات ذلك مؤلمة. فبحسب بيانات جامعة بوسطن و”معهد العدالة الاقتصادية”، تخصّص 30 دولة أفريقية على الأقل اليوم مبالغ أكبر لخدمة فوائد ديونها مقارنة بما تنفقه على الصحة العامة. وفي عام 2023، وللمرة الأولى، أنفقت دول أفريقيا جنوب الصحراء على فوائد الديون أكثر مما خصّصته للتعليم. وفي الوقت نفسه، سدّدت القارة ديوناً بقيمة 68.7 مليار دولار، أي أكثر مما تلقّته من مساعدات بلغت 59.7 مليار دولار.

اقرأ أيضاً: رسوم ترمب “كارثة” على أفقر دول العالم

لكن كيف تواجه هذه الدول هذا الواقع؟ من خلال تقليص الاستثمارات في قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية، سعياً إلى تقديم موازنات تبدو منضبطة مالياً. ففي جنوب أفريقيا، حيث يُتوقّع أن تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 76% هذا العام، حاول وزير المالية إينوك غودونغوانا في فبراير رفع ضريبة القيمة المضافة من 15% إلى 17%، ما فجّر تمرداً داخل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم، وكذلك بين أحزاب المعارضة. وفي محاولته الثانية، اقترح رفع الضريبة بنسبة 0.5% سنوياً على مدى عامين، لكن الاقتراح رُفض في أبريل. أما محاولته الثالثة، التي طرحها في 21 مايو، فلم تتضمّن أي زيادات ضريبية.

في كينيا مثلاً، تجاوزت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي عتبة 70%، ما يعني أن البلاد ستنفق هذا العام نحو 32% من إيراداتها الحكومية على مدفوعات الفائدة وحدها، وفقاً لوكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية. وكانت الاحتجاجات التي قادتها مجموعة من الشباب في يونيو الماضي قد أسفرت عن مقتل أكثر من 50 شخصاً، وأجبرت الحكومة على التراجع عن حزمة ضرائب جديدة بقيمة 2.68 مليار دولار. وفي مطلع مايو، وبعد ثلاثة أيام فقط من رشق أحد المتظاهرين للرئيس الكيني وليام روتو بحذاء أثناء حديثه عن كلفة المعيشة في تجمّع شعبي، أعلنت الحكومة أنها لن تفرض ضرائب جديدة ولن ترفع الضرائب القائمة في موازنة هذا العام المقرّر إقرارها في يونيو.

وتسلك كلّ من موزمبيق وغانا وبوتسوانا المسار نفسه، إذ تعمد إلى خفض الإنفاق المقرّر لتغطية فواتير الديون المتضخّمة. وقال معهد العدالة الاقتصادي “الدول الأفريقية لا تتخلّف عن سداد ديونها، بل تتخلّف عن تحقيق فرص التنمية لشعوبها”.

ترمب جزء من الحل

لا يقتصر هذا التحدي على القطاع العام. فأسعار الفائدة المرتفعة تنعكس أيضاً على كلفة اقتراض الشركات المستثمرة في أفريقيا، حيث يبلغ متوسّطها نحو 18%، مقابل 4% فقط في الدول ذات الدخل المرتفع، بحسب معهد بلير.

أما حكومات القارة، فلا تجرؤ على زيادة إيراداتها من دافعي الضرائب المثقلين أصلاً. وقد حذّرت وكالة “موديز” لخدمات المستثمرين في تقرير صدر في 2 مايو من أن على الدول الأفريقية تفادي زيادة الضرائب لتمويل عجز الموازنات، لما لذلك من تداعيات سلبية على أصحاب الدخل المحدود وعلى النشاط الاقتصادي برمّته.

اقرأ أيضاً: ترمب ينهي مبادرة أميركية لتعزيز وصول الكهرباء في أفريقيا

وهنا على ترمب أن يلعب دوره. فقد منح رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا أولوية لمسألة استدامة الديون خلال رئاسة بلاده لمجموعة العشرين هذا العام. كما دعا ثمانية رؤساء أفارقة سابقين إلى التوصل لاتفاق شامل لتخفيف أعباء ديون القارة، يتضمن “إعادة هيكلة كاملة للديون بمشاركة جميع الجهات الدائنة، سواء كانت خاصة أو ثنائية أو متعددة الأطراف، عبر مسار محدد وشامل”.

وبعد أن أصبحت الصين أكبر مقرض حكومي لأفريقيا، فإن أي دعوة أميركية لإعادة هيكلة الديون ستحمل وزناً كبيراً، وقد تدفع الدائنين من القطاع الخاص المتردّدين إلى طاولة التفاوض. ومن خلال الانخراط في هذه المبادرة، يمكن لترمب والولايات المتحدة أن يصبحا جزءاً من حل يخفف تداعيات خفض المساعدات والرسوم الجمركية، ويحسّن حياة الملايين، وهو حل جميل لمشكلة قبيحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *