أداء المقاتلات الصينية أمام الهند يدق ناقوس الخطر في آسيا

يؤدي الصراع الذي اندلع في الآونة الأخيرة بين الهند وباكستان إلى إعادة تقييم الأسلحة الصينية، إذ تخالف التصورات الراسخة بأنها أقل جودة وكفاءة من نظيراتها الغربية، وتثير مخاوفاً في دول تشعر بالقلق من بكين.
أشادت باكستان باستخدام الطائرات الصينية من طراز “جيه 10 سي” (J-10C) في إسقاط خمس مقاتلات هندية، من بينها “رافال” الفرنسية الصنع، الأسبوع الماضي رداً على الهجمات العسكرية التي شنتها الهند.
ورغم عدم تأكيد هذه الأنباء حتى الآن، وعدم تعليق الهند، ارتفعت القيمة السوقية لصانعة الطائرات الصينية أكثر من 55 مليار يوان (7.6 مليار دولار)، أي بما يزيد عن الربع، بنهاية الأسبوع الماضي.
حذّر هو شيجين، رئيس التحرير السابق لجريدة “غلوبال تايمز” القومية الصينية، على منصات التواصل الاجتماعي من أنه إذا كان نجاح الضربات الباكستانية حقيقياً، فيجب على تايوان أن تشعر “بقلق أكبر”، إذ تعتبر بكين الجزيرة الديمقراطية التي تتمتع بالحكم الذاتي جزءاً منها، وتحتفظ بالحق في استخدام القوة العسكرية لإخضاعها لسيطرتها.
قلق تايواني
تابعت تايوان عن كثب الصراع بين باكستان والهند، بحسب شو هسياو هوانغ، الباحث المساعد لدى “معهد أبحاث الدفاع والأمن الوطني” (Institute of National Defense and Security Research)، وهو مركز بحوث عسكرية تموله الحكومة ويقع مقره في تايبيه.
وقال شو: “يجب علينا إعادة تقييم القدرات القتالية الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني، والتي ربما تقارب- أو حتى تتجاوز- مستوى القوة الجوية الأميركية المنشورة في شرق آسيا”. وأضاف: “ربما ترغب واشنطن في النظر في بيع منظومات أكثر تطوراً إلى تايوان”.
الاهتمام لم يقتصر على المقاتلات الصينية
بينما يسعى الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى تطوير أكبر جيش في العالم من حيث عدد الأفراد في الخدمة، تورط جيش التحرير الشعبي في سلسلة من الفضائح، ما أثار شكوكاً في الجاهزية القتالية لـ”قوة الصواريخ”، صاحبة النفوذ والمحاطة بالسرية، وهو فرع مسؤول عن الصواريخ التقليدية، والذي سيضطلع بدور محوري في أي غزو لتايوان.
لكن يبدو أن النجاح المزعوم لطائرات “جيه 10 سي”، التي خضعت لاختبارات قتالية قليلة وتستخدم في الدوريات في مضيق تايوان، يُضعف هذه الشكوك. مع ذلك، فإن أداءها في مواجهة المقاتلات الأميركية مثل “إف 16” (F-16)، التي تشكل معظم طائرات تايوان الحربية وأثبتت كفاءتها القتالية على مدار عقود وفي عدة جيوش، يظل مسألة غير محسومة.
استخدمت باكستان سلاحاً صينياً آخر سيخضع أيضاً لتدقيق مكثف من خصوم بكين، فأجزاء صواريخ “بي إل 15” (PL-15) جو – جو الصينية التي عُثر عليها في الهند بعد الإسقاط المزعوم، تشير إلى أن الصواريخ المحمولة على طائرات “جيه 10 سي” التابعة لباكستان أثبتت نجاحها في أول استخدام علني في القتال، وبسرعة قصوى تتجاوز 5 ماخ، ما ينافس “بي إل 15” صواريخ جو – جو الغربية.
الصين تسعى للاستفادة من زيادة الإنفاق العسكري
تُعد الصين رابع أكبر دولة مُصدِّرة للسلاح في العالم، لكن معظم عملائها من الدول النامية، مثل باكستان، لديهم موارد مالية محدودة. وقد تدعم التطورات التي حدثت في الآونة الأخيرة محاولات بكين للترويج لنفسها في ظل استجابة الاقتصادات الكبرى، من أوروبا إلى آسيا، لدعوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لزيادة الإنفاق العسكري.
أوضح جيمس تشار، الأستاذ المساعد في برنامج الصين في كلية “إس راجاراتنام للدراسات الدولية”، أن “هناك احتمالاً كبيراً لأن تصبح منظومات الأسلحة التي بإمكان الصين توفيرها أكثر جذباً للمشترين المحتملين”، وأشار إلى أن “جيه 10 سي” ليست أكثر الطائرات الصينية تقدماً.
أصبح شراء الأسلحة محور اهتمام الدول النامية أيضاً، إذ تدرس شراء الأسلحة الأميركية إرضاءً لترمب وتلبيةً لمطالبه بخفض عجز الميزان التجاري الأميركي. وتعتبر عدة الدول الصين شريكاً تجارياً رئيسياً، وقد تدرس تنويع خياراتها عبر الشراء من الدولة الآسيوية أيضاً.
تواصل مبيعات الأسلحة الصينية الخارجية ارتفاعها، إذ زاد متوسط صادرات الأسلحة خلال خمسة أعوام أكثر من 3 أضعاف خلال الفترة ما بين 2020 و2024، مقارنةً بالفترة ما بين 2000 و2004، بحسب التقديرات المعتمدة على البيانات الصادرة عن “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام”، حيث لا تكشف الحكومة الصينية ولا الشركات المملوكة للدولة عن بيانات صادرات الأسلحة.
تضم أكبر الشركات المملوكة للدولة- والمدرجة على قائمة العقوبات الأميركية أيضاً- “نورينكو غروب” (Norinco Group)، التي تصنع المركبات المدرعة والمنظومات المضادة للصواريخ؛ و”أفييشن إندستري كوربوريشن أوف تشاينا” (Aviation Industry Corporation of China)، التي صنعت ذراعها التابعة “إيه في آي سي تشنغدو إير كرافت” (AVIC Chengdu Aircraft) مقاتلات “جيه 10 سي”، إلى جانب “تشاينا ستيت شيبيلدينغ” (China State Shipbuilding)، التي تنتج الفرقاطات والغواصات.
أشار إم تايلور فرافيل، مدير برنامج الأبحاث الأمنية في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” (MIT)، إلى أن الغرض الرئيسي للطائرات الصينية هو المعارك الجوية، بينما صُممت “رافال” لتنفيذ العديد من المهام، ما قد يعطي ميزة لمقاتلة “جيه 10 سي”.
مشكلات في الأسلحة الصينية
عانت صادرات الأسلحة الصينية لسنوات من العيوب، بحسب المتخصصين الذين أضافوا أن المنظومات التي تبدو منخفضة التكلفة قد تستنزف ميزانيات الأمن بسبب نفقات الصيانة.
“تجذب الصين العملاء إلى المعدات العسكرية عبر الأسعار المنخفضة والتمويل، لكنها تحتوي على تكاليف خفية، بالأخص عندما تتعطل”، وفق ما كتبته سيندي تشنغ في ورقة بحثية أعدتها خلال عملها باحثة لدى “راند” (Rand)، قبل انضمامها إلى “لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية الصينية” في المراحل الأخيرة لإدارة بايدن.
في 2022، أفادت تقارير عن اضطرار ميانمار إلى منع طيران أسطولها من المقاتلات الصينية بسبب تصدعات هيكلية ومشكلات فنية أخرى. وفي العام الماضي، قدمت بنغلاديش شكاوى لبكين بشأن جودة المعدات العسكرية. وتواجه البحرية الباكستانية مشكلات في الفرقاطات طراز “إف 22 بي” (F-22P)، ما اضطرها إلى تشغيل السفن رغم التدهور الكبير في قدراتها.
كتب المحلل الأول المساعد لدى “بلومبرغ إنتليجنس”، إريك تشو، في مذكرة الأسبوع الماضي أن “الشكوك حول القدرات القتالية والمشكلات الأخرى، بما يشمل المخاوف من قابلية التشغيل مع المنصات غير الصينية، أعاقت قدرة الصين على توسعة نطاق الصادرات ليتجاوز عدد قليل من الدول”.
لم ترد وزارة الدفاع الصينية على طلب الحصول على تعليق بشأن العيوب السابقة في الأسلحة وأداء “جيه 10 سي” في الآونة الأخيرة. وتشير بكين بشكل دوري إلى أن جيشها يساعد في الحفاظ على الاستقرار العالمي، وأنها تفضل حل مسألة تايوان سلمياً.
هل يمثل نجاح المقاتلات الصينية لحظة مفصلية؟
يسعى شي إلى إحداث تغيير جذري في الصناعات العسكرية في الصين عبر توحيد جهود القطاعين العسكري والمدني، في إطار السعي إلى تحويل جيش التحرير الشعبي إلى قوة حديثة بحلول 2027.
أدى ذلك إلى تحقيق إنجازات، مثل إطلاق الصين في ديسمبر الجيل الأول من سفن الهجوم البرمائية، التي تعد الأكبر من نوعها في العالم. كما انتشر على منصات التواصل الاجتماعي هذا العام مقطعاً مصوراً لما يُعتقد أنه اختبار طيران لمقاتلة من الجيل السادس من إنتاج البلاد، ما أدى إلى ارتفاع أسهم شركات الصناعات العسكرية.
لفت فرافيل إلى أنه مع ذلك، سيكون من الخطأ وصف نجاح “جيه 10 سي” المحتمل بأنه “لحظة ديب سيك” للجيش الصيني، في إشارة إلى روبوت المحادثة المعتمد على الذكاء الاصطناعي الذي فاجأ العالم في وقت سابق من هذا العام، وأوضح أن تصميم المقاتلة لم يكن جديداً.
وأضاف: “لكن الأمر لا يجب أن يكون (لحظة ديب سيك) ليحظى بالاهتمام”، واختتم: “عرفنا الكثير عن أداء الأسلحة الصينية في ظروف المعركة”.